نتنياهو: "المنطقة من الأردن إلى المتوسط ستبقى بيد إسرائيل"    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    الرقابة المالية تلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في وثائق صناديق الاستثمار المفتوحة بالأسهم    محافظ الدقهلية يكلف لجنة لمعاينة مواقع إنشاء المشروعات الاستثمارية    إطلاق مبادرة "طفلك طفلنا" للكشف المجاني على مرضى الشلل الدماغي    استشهاد طفلة فلسطينية بنيران جيش الاحتلال في مواصي رفح    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    بيراميدز يشكو طاقم تحكيم مباراتي الكهرباء وبتروجت ويطالب بفتح تحقيق عاجل    كمال درويش يهاجم شيكابالا: «أنت معندكش خبرة إدارية عشان تتكلم على مجلس الزمالك»    منافس بيراميدز المحتمل - وصول بعثة فلامنجو إلى قطر لمواجهة كروز أزول    كشف ملابسات واقعة تحرش قادها سائق تابع لأحد تطبيقات النقل الذكي وضبط المتهم    محافظ القليوبية يزور مصابي انهيار شدة خشبية في بنها    مدبولي: مشروع إحياء حديقتي الحيوان والأورمان يقترب من الافتتاح بعد تقدم كبير في أعمال التطوير    مي عمر من مهرجان البحر الأحمر: أهم أعمالي كانت مع زوجي محمد سامي    مي عمر تعلن موعد عرض فيلم "شمشون ودليلة"    مؤسستا ساويرس وعبلة للفنون تجددان شراكتهما لدعم المواهب المصرية الشابة    هل يوجد أي تحورات جديدة لكورونا في مصر؟ الصحة العالمية تجيب    الصحة العالمية تطمئن المصريين: لا تحورات لكورونا والزيادة الحالية بسبب الإنفلونزا فقط    وزير الصحة: كل موسم شتاء تنتشر الشائعات حول وجود فيروسات جديدة    هام من الصحة بشأن الفيروس المنتشر خلال الأيام الحالية    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    المستشار الألماني: إمكانية زيارة نتنياهو إلى بلادنا غير مطروحة حاليا    هيمنة عسكرية روسية.. الجيش الروسي يتحرك ويستهدف منشآت طاقة أوكرانية    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    "مهندسون وفنيون".. 19 فرصة عمل جديدة بشركة صناعة الأنابيب    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    واحد من الناس يكشف كواليس أعمال الشريعي الموسيقي وسر خلافه مع الابنودي.. اليوم وغد    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية .. اعرف التفاصيل    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    الجزار: كأس العالم للأندية سبب تعثر انتقالي إلى الأهلي.. ووقعت للزمالك من قبل    تقرير أردني: الخطيب يكلف عبد الحفيظ لبدء التفاوض مع يزن النعيمات    نائب رئيس الزمالك: المجلس يريد استكمال مدته    ثنائي الأهلي يدعم محمد صلاح ضد مدرب ليفربول: أسطورة كل العصور    مرض غامض يمنع الشيخ طه الفشن من الكلام.. اعرف الحكاية    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 70 ألفا و360 شهيدا    ارتفاع الشركات الرابحة وتطوير خطوط الإنتاج.. تفاصيل اجتماع رئيس الوزراء ووزير الإنتاج الحربي    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    السيطرة على حريق مخزن سجاد وموكيت فى أوسيم    الإعدام شنقًا لقاتل شقيقته في نجع حمادي    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    مصرع شابين وإصابة ثالث في تصادم مروع ببني سويف    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    23 ديسمبر، انطلاق المؤتمر الدولي الأول لتجارة عين شمس "الابتكار والتكنولوجيا المالية"    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    الأحد 7 ديسمبر 2025.. استقرار عام بأسعار أعلاف الدواجن مع تفاوت طفيف بين الشركات في أسوان    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد خالد توفيق يكتب.. أكواريل (1)
نشر في بص وطل يوم 06 - 11 - 2012

عندما كان محمود ينظر للوحة رسمها فان جوخ بتلك الطريقة النقطية والخطوط الملتفّة الدوّامية، كان يشعر بأن جوخ رسمها وهو يمر بحالة صرع متقدمة.. الجديد هو أن حالة الصرع هذه صارت قابلة للانتقال عبر الأجيال والأزمنة.. صار محمود يشعر بأن الصرع يداهمه هو الآخر كلما أمعن النظر في هذه اللوحة، وفيما بعد رأى الجنرال النازي الذي يصاب بالصرع عندما يرى لوحات فان جوخ، في فيلم "ليلة الجنرالات".. فهم المشهد على الفور برغم أن أمه لم تفهمه وكانت تشاهد التليفزيون معه.
المرض النفسي ينتقل بالفيروسات والبكتريا كأي مرض آخر.. حقيقة ليست علمية ولا يرضى عنها أي طبيب، لكنها عملية لو شئت الدقة.. الجنون مُعدٍ والعصاب مُعْدٍ والهستيريا مُعْدية.
ضع نفسك في ذلك المصعد الضيّق المعطل جوار تلك السيدة الهستيرية التي لا تكفّ عن الصراخ موشكة على الاختناق.. بعد دقائق سوف تنقل لك فيروسات الهستيريا.. بعد دقيقة أنت هستيري مثلها ومُعدٍ.. أنت تصرخ وتوشك على الاختناق..
يؤمن محمود إذن بأن فيروسات الصرع انتقلت عبر الأزمان.. ومن خلال خطوط فان جوخ، لتصيب بالعدوى كل من يقف أمام هذه اللوحات الرائعة..
هذا ما عرفه محمود.. وهذا ما نسي أنه يعرفه..
***************
عندما ماتت خالة محمود، كان عليه أن يذهب لدارها؛ لينتقي الأشياء التي سوف يتخلّصون منها.. عندما يموت المرء بلا ولد ولا زوج فإن ممتلكاته مشاع.. ثمة جو من الانتهاك في هذا كله، مع لمسة مؤسية.
أعطته أمه المفتاح الذي تحتفظ به، وطلبت منه أن يبحث جيدًا ويقرأ الفاتحة لخالته، وراحت تنهنِهُ على سبيل أداء الواجب نحو ضميرها.
كان محمود محاسبًا شابًا في الخامسة والثلاثين، لا يكاد يعمل ولا يكاد يكسب مالاً، وكان يأمل لو كانت خالته قد تركت له مالاً.. أي مال.. لكن من الواضح أن ميراثه الوحيد هو تلك (الكراكيب) في شقتها.. الكراكيب التي لا يريدها أي واحد آخر..
قرأ الفاتحة في سره وهو يولج المفتاح في باب الشقة.. لم تكن أمه تعرف أنه انتقى هذه الليلة بالذات..
الظلام.. رائحة الموت والهواء الحبيس الذي سرّه أن يجد شخصًا يتبادل معه الكلام.. اتجه للنوافذ ففتحها.. ونظر حوله..
لقد تكاثف الغبار على منضدة الطعام.. على المقاعد.. على الأطباق التي تركها آخر من كان في الشقة حيث هي.. لقد كان يلعب في هذا الركن، وفي هذا الركن هشّم كوبًا وتلقّى "علقة" ممتازة.. هنا كانت خالته تلاحقه.. شابة جميلة مليئة بالحيوية..
تنهّد وقرر أن يقوم بمهمته الصعبة بسرعة..
أولاً عليه أن يتخلّص من هذا الخوف الطفولي.. هو وحده في شقة امرأة متوفاة.. امرأة متوفاة لم يعرف أحد سبب وفاتها قط، وقيل إن جثتها متخشّبة بطريقة غير معتادة.. امرأة عاشت معظم حياتها وحيدة إلا أنها كانت تربي ابن قريبة لها؛ لأنها لا تنجب.. لما توفي الزوج كان عمر الصبي عشرة أعوام، وقد ظلت تربيه كأنه ابنها حتى.....
حتى فر من البيت ولم يسمع عنه أحد شيئًا بعد هذا..
عندما تمشي وحيدًا في شقة امرأة متوفاة لها هذا التاريخ، فأنت غير ملوم.. غير ملوم لو توقّعت أن تقابلها أو تخرج لك من غرفة النوم لتقول شيئًا.. أو تطلّ برأسها من المطبخ وتنظر لك بحدة..
تبًا! هذه الخواطر لا تزيده شجاعة كما هو واضح..
قال لنفسه: خالتي تحبني.. خالتي لن تؤذيني حتى وهي في صورة شبح..
هنا تحرك شيء في المطبخ، فانتصب شعر رأسه، وراح قلبه يخفق بلا توقّف..
تماسك يا أحمق.. أنت في الخامسة والثلاثين لكن قلبك واهن، وأنت تعرف هذا. يمكن أن يتخلى عنك بسهولة.. لن تموت بهذه البساطة لمجرد أنك جبان وأن فأرًا تحرّك في المطبخ..
هرع للمطبخ وأضاء النور الكهربي.. وجد مكنسة لم تمسّ منذ وفاة خالته.. أطبق عليها أنامله وراح ينظر حوله.. هنا رأى ذلك القارض اللعين يفر من فوق النملية العتيقة، فينحدر للأرض ويغادر المطبخ مسرعًا..
لم يكن محمود يخشى الفئران.. لذا أراحه أن يرى هذا القارض الصغير.. شيء طبيعي على الأقل..
هنا رأى درجات السلم الخشبي.. السلم الذي يستند إلى الجدار ويستند أعلاه إلى صندرة مفتوحة أو "نملية".. لا بد أن هذا الأخ المغطى بالفراء جاء منها.. نظر محمود حوله فرأى مصباحًا صغيرًا يعمل بالكحول أقرب إلى (ونّاسة) صغيرة على رف النملية.. أشعل عود ثقاب وحاول أن يوقد الفتيل فاستجاب..
توكل على الله وتسلّق السلم وهو يحمل الوناسة في يد ويتمسّك بيد..
لا تسقط فتحطم ساقك.. لا أحد يعرف أنك هنا.. حتى أمك لا تعرف أنك اخترت اليوم للقيام بهذه المهمة..
على باب الصندرة راح يتشمّم رائحة الغبار والعطن.. ثم تمسك بحافة الباب ودلف إلى الداخل..
الظلام دامس لكن الوناسة تصنع بقعة ضوء لا بأس بها..
انحنِ.. انحنِ... خيوط العناكب تلتصق بشعرك.. كثيرة وسميكة حتى يبدو أن هناك عنكبوتًا عملاقًا من أفلام الخيال العلمي في مكان ما..
ماذا يوجد هنا؟ هنا فونوغراف قديم.. هنا حقائب مليئة ببذلات مغبرّة بالية.. هنا مرايا مهشمة.. هنا ألبومات صور عتيقة امتلأت بصور بنية خشنة على طريقة "سفوماتو"، وبالطبع تحتاج إلى عمر آخر كي تراها جميعًا.. لن ترى سوى كمية طرابيش هائلة على كل حال..
سبحان الله.. نفس المكان دائمًا وفيه نفس الأشياء.. لا شيء يتغير..
لكن عينيه توقفتا على أشياء على الجدار..

لكنه يرى لوحة.. لوحة رسمت بألوان الماء (رسوم: فواز)
دنا بالضوء من الجدار.. هناك الكثير من الغبار، لكنه يرى لوحة.. لوحة رسمت بألوان الماء (أكواريل).. لا يميز ما فيها لكنه يحبها..
هل يوجد شيء آخر؟ آنية.. صناديق فيها حلي... بالطبع ليس له أن يأمل أن يجد جوهرة منسية تغيّر حياته للأبد.. الحلي زائفة طبعًا لكنه سيجمعها في كيس.. ربما وجدت أمه في بعضها ذكريات حميمة..
من جديد عاد ينظر للوحة..
يجب أن يرى ما فيها..
لكن لينزل من الصندرة أولاً ويراها في ضوء مناسب..
هكذا تناول اللوحة من على الجدار وألقى على الصندرة نظرة قبل أخيرة.. سوف يعود لكن بعد ما يفرغ من البحث في الشقة..
يُتبَع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.