السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما سأقوله لكم لا أعتبره مشكلة بقدر ما هو حالة نفسية أمرّ بها، وكل ما أريده منكم هو المساعدة والتشجيع على السير في الطريق الصحيح. أنا شاب عمري 28 سنة، تبدأ حكايتي عندما كنت صغيرا في الخامسة من عمري، عندما كنت ذاهبا إلى المدرسة قابلني شاب، كان يبدو أنه في بداية الثلاثينيات من عمره، واستدرجني إلى أحد البيوت وقام باغتصابي. ولكن يبدو أنه لم يقضِ شهوته كاملة معي لبكائي الشديد وقتها، وكان واضحا عليه القلق من أن يسمعني أحد، فتركني انصرفت هاربا، وخفت أن أروي لأحد ما حدث، وكتمت في نفسي ما كنت أشعر به من ألم نفسي وجسدي حتى تعافيت تماما والحمد لله. مرت الأيام ووصلت إلى سن المراهقة أو سن البلوغ، وكان الأولاد في ذلك الوقت يتباهون بمعلوماتهم عن الجنس، أو يشاهدون صورا خليعة أو ما شابه، في ذلك الوقت كان دائما يدور في ذهني حادث الاغتصاب الذي تعرضت له، كنت لا أحب الكلام عن الجنس بسبب قسوة ما تعرضت له، ولكن يبدو أن الأولاد ظنوا أني فريسة سهلة ليشبعوا رغباتهم.. فكانوا دائما ما يتحرشون بي سواء بالقول أو بالفعل، وكان الحل الذي أجيده هو أن أطلب من أبي أن ينقلني إلى مدرسة أخرى، وشيئا فشيئا كنت أتقدم في السن، وكنت أستطيع أن أجبر الآخرين على احترامي، حتى وصلت إلى مرحلة الجامعة، فيها تعرفت على شاب ظننت وقتها أنه فتى طيب، وإنه سيعينني في الدراسة.. ولكن الحقيقة أن ذلك الفتى كان شاذا جنسيا، يصطاد الفتيان ليقضي وطره معهم، ولأنني كنت نوعا ما منطويا على نفسي وهادئ الطباع، فلقد رآني ذلك الشاب فريسة سهلة ليقتنصها، وفي يوم من الأيام دعاني إلى منزله بحجة المذاكرة، وعندما ذهبت إلى هناك، لم يكن هناك مذاكرة أو غيره، فقط كان يتكلم عن الجنس أو ما شابه. وأنا أحاول أن لا أعيره اهتماما، وإن كنت في حقيقة الأمر استدعى إلى مخيلتي حادث الاغتصاب، وكأني أشاهده على شاشة سينما، أفقت من غفوتي لأجده عاريا، حاولت أن أقاومه ولكن باصطناع، لأنني في حقيقة الأمر كنت مستمتعا، لكن لم أستطع أن أكمل العلاقة معه. أدركت بشاعة ما حدث، فقمت بارتداء ملابسي وانصرفت على الفور وقطعت علاقتي به، تصارعت بداخلي هواجس وأفكار، وسؤال هل أنا شاذ جنسيا؟ فإذا كنت شاذا لماذا لا أشبع رغبتي من الشباب؟ وإذا كنت مستقيما؟ لماذا فعلت فعلتي تلك؟ زدت ابتعادا عن الآخرين وانطويت على نفسي أكثر وأكثر، حتى خيّل إليّ أن ذلك الشاب قد فضحني في الجامعة، فكنت لا أتحدث إلى أحد قط وأهرب من أعين الناس، وفي آخر سنة بالجامعة تعرفت على شاب متدين، كان يحثني على الالتزام بالصلاة وأمور الدين، تعلّمت منه كثيرا، وكلما اقتربت من الدين أشعر براحة نفسية. حاولت ترسيخ فكرة أنني مستقيم، وأن ما حدث كان من الشيطان، انتهيت من دراستي واتجهت إلى العمل، ثم تزوجت وأنجبت وحياتي الآن مستقرة الحمد لله، لا يؤرقها سوى شيء واحد أسأل الله أن يعافيني منه، هو أنني حلمت ذات مرة أني أمارس الشذوذ الجنسي مع شخص ما وتكون العلاقة كاملة، فأفزع من نومي وأقوم بالصلاة وأقول في نفسي ربما أكون ابتعدت عن ديني، فألتزم أكثر بعبادتي.. تكرر هذا الموضوع ثلاث مرات بعد زواجي، ولا أعلم ماذا أفعل؟
mmasd
أخي الكريم.. نظرا لأن شكواك الرئيسية هي أحلامك، فمن المهم أن أحدّثك بشكل مختصر عن طبيعة وأهمية تلك الأحلام ومعناها، فالأحلام أمر فسيولوجي يحدث للبشر كل ليلة، والدراسات أثبتت أن ربع وقت نوم الإنسان يقضيه في الأحلام، ولكننا نتفاوت في تذكّر أحلامنا اليومية حسب وقت الاستيقاظ بعدها.. فإذا استيقظنا أثناء الحلم أو بعده مباشرة، أو بعد انتهائه لفترة لا تزيد عن 8 دقائق كان تذكرنا له أكبر.. وكلما تأخرنا في الاستيقاظ بعد انتهاء الحلم عن 8 دقائق كان تذكرنا له ضعيفا، لدرجة أن هناك من يقول أنا لا أحلم. ورغم أن الحلم كما قلنا أمر فسيولوجي تمامًا، إلا أن محتواه يعتبر من الأمور المهمة، والتي تدل على قضايا تتعلق بنا وبحياتنا ونفسياتنا، بل أحيانا تتخطى هذا فتصل إلى المستقبل، وقبل أن أوضح لك ذلك، من المهم أن أبيّن لك وللقراء وظائف الأحلام، حيث إن للأحلام وظائف غاية في الأهمية تقوم بها في حالة تذكرنا لها أو عدم تذكرنا، وفي حالة تمكننا من تفسيرها أو حتى لو لم نتمكن، ومن أهمها 7 مهام أو وظائف رئيسية، وهي: 1- التعويض.. فحين يعجز الإنسان في واقعه الذي يعيشه عن القيام بأمر يريده أو إنجاز أو علاقة أو أي شيء، تقوم الأحلام بهذا التعويض، فيؤدي إلى عمل توازن نفسي لطبقات جهازنا النفسي. 2- الاستبصار.. والاستبصار ببساطة هو أن يرى الإنسان ما يعجز أن يراه ويدركه، ولكنه يختفي وراء طريقة تفكير خاطئة، أو يرقد هناك بعيدا في مساحة اللاوعي، فتقوم الأحلام بهذا الاستبصار، فتجعل الإنسان ينفُذ للاوعي ويرى ما فيه من أفكار أو رغبات أو مخاوف مثلا. 3- التنفيس.. حيث إن عالم الأحلام لا قيود عليه ولا محاسبة فيه، ونحن على الرغم من أننا نبدو كبشر كيان واحد متناغم، لكننا في حقيقة الأمر بداخلنا عدة كيانات تتعايش وتتناغم بعضها مع بعض حين يتم حسم الصراعات بينها، ويتم تحديد قائد أعلى لها يظهر للناس كطبيعة شخصيته، والنظريات التي تحدثت عن ذلك كثيرة وأشهرها أو ما أميل إليها منهم هو نظرية: إننا بداخلنا طفل وناضج وكهل، وإن من تمام النضوج حسم الرغبات لكل كيان حتى ينتظم التعايش والتصرف على أساس من التفاهم بينهم، وبالتالي قد يرغب الطفل في التهور والاندفاع، ورفض المسئولية، وعدم الانسياق لقيم المجتمع أو قيم الدين، فيتم التعامل مع رغبات الطفل، ويظهر في الخارج حين التصرف والتعامل مع الآخرين الكيان الناضج الذي يحترم قوانين الله تعالى والمجتمع والإنسانية، ولكن عند النوم في الأحلام يختلف الأمر، ويظهر ما يتم كبته في الوعي فيحدث التنفيس، وهذا التنفيس يعتبر مهما، لأنه يعمل على تحقيق التوازن النفسي. 4- الذاكرة.. حيث يحدث أثناء النوم التعامل مع الذاكرة قصيرة الأجل، بالتحليل والربط ومهارات كثيرة عقلية، لتحويلها إلى الذاكرة طويلة الأجل، ولذا ننصح الطلاب بالمذاكرة قبل النوم. 5- التحذير.. حيث تحذرنا من بعض الأمور التي نتعامل معها في الواقع. 6- التبشير.. وفيها يكون قد ظهر لنا بدايات أمور موفّقة في الواقع فتأتي كبشرى في الحلم. 7- التنبؤ.. وهو الحلم الذي يعطينا رموزا ورسائل تتعلق بأمور ستحدث في الواقع القريب أو البعيد، كما علّمنا الله تعالى من حلم سيدنا يوسف، وحلم ملك مصر، وحلم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، ونحن كذلك يرسل إلينا الله سبحانه رسائل في الأحلام لأمور ستقع في الواقع، قد نقرؤها وقد لا نقرؤها، أو نقرؤها بعد وقوع التنبؤ في كثير من الأحيان. والأحلام تأتي من عدة منابع، فهي ليست أحاديث نفس فقط كما تصور فرويد، وليست كلها تنبؤا وغيبا كما تحدث ابن سيرين في كتابه الشهير تفسير الأحلام، ولكنها خليط كبير بينهما، ولأن الأحلام تعتبر نصف دورة المخ حيث النصف الآخر يتمثل في الوعي والشعور.. فمن المهم أن نهتم بالأحلام ومضمونها، لأنها تعبر عن أفكار وصراعات ورغبات تكمن بداخل صاحبها لم يتم حلها بعد. وهذا ما ينطبق بالأخص على الأحلام المتكررة في الغالب، فالحلم المتكرر أو الشخص الذي يحلم بجزء من حلم ثم يستيقظ ويعاود النوم فيكمل باقي حلمه قبل الاستيقاظ منه، وجدنا أن معظمهم لديهم صراع أو مشكلة لم يتم حلها بعد، فتأتي في شكل التكرار أو تكملة الحلم نفسه بعد الاستيقاظ منه، وبالطبع ما حدثتنا عنه من خبرات سيئة أدت إلى استيقاظ جنسي مبكر لك منذ الطفولة. ومع الأسف تم تأكيد طريقة تعرفك فيه على مساحة الجنس بالشذوذ، فخلق لديك صراعا شديدا وعميقا ومخاوف، وأحيانا رغبة تخجل منها بداخلك تجاه الرجال، فلا أحد ينكر أو يتصور أن تكرار الاعتداء الجنسي ليست له آثار نفسية عميقة تترك بصماتها الواضحة على النوم والخوف والقلق، والعدوان تجاه النفس أو الآخرين، بل وتترك بصمة ثقيلة الظل حين يتلذذ المعتدى عليه من العلاقة الشاذة. وعلى الرغم من نجاحك الباهر بصدق في الاعتماد على إرادتك والاستعانة بالله تعالى، لكنت في مستنقع الشذوذ بجدارة، وكنت -لا قدر الله تعالى- على حافة خطر عظيم في الدنيا والآخرة، ولكن الله أعانك وثبّتك وأتم عليك نعمته، وجعلك تتخذ أهم خطوة في علاج الشواذ والتي تأخذ وقتا طويلا معهم حتى تستقيم لديهم المساحة الجنسية وتتوجه لمسارها الطبيعي بالزواج.. إلا أن تصحيح المسار الجنسي من خلال التخصص النفسي يكون أفضل لتدرجه في شكل مراحل، لأنه يقوم بعمليات البوح والتنفيس والتدريب والاستبصار والتطهر وإزالة الحساسية وغيره، فيجعل الشاذ يصل إلى المسار الطبيعي بتدرج وثبات، لذا أرجو منك أن تظل على برنامجك الإيماني مع الله سبحانه، لأنه يؤثر فيك بشكل جيد، واستمر في تغذية علاقتك العاطفية والجنسية الطبيعية مع زوجتك، واستغل أوقات فراغك في المفيد والمهم من رياضة وعمل تطوعي أو هواية أو غيره، ولا تكترث كثيرا لأحلامك وتضخم مساحتها لديك. ولكن إن ظلّت في حالة تكرار مزعج لك فلا مانع من التواصل مع طبيب نفسي ماهر ليس للعلاج من الشذوذ، فالحمد لله أنت قطعت وتقطع أشواطا رائعة في العلاج بالفعل، ولكن حتى يكون علاجك على أرض ثابتة ودائمة، حيث ستتحدث مع طبيبك عن نفسك وعن تفاصيل أخرى لم تحدثنا عنها قد يجدها طبيبك نقطة بداية لحل صراعاتك الداخلية التي تأخذ شكل الأحلام.. وفقك الله.