زعم عمرو -وكثير من الزعم إثم!- أن السبيل للضغط على الإسلاميين الذي يسيطرون ويستحوذون -في زعمه- على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هو الاستعانة بأمريكا وأوروبا؛ فكتابة الدستور المصري -طبعا في زعمه- ليس شأنا داخليا! والبلد -أقصد العالم- مش سايبة!! ولازم الأممالمتحدة تشوف لها صِرفة في اللي ما يتسمّوش الإخوان والسلفيين! هو فيه حد قال لك يا عمرو أننا نضع دستورا للأمم المتحدة!! الغريب أن إخوان عمرو في مواجهة الإسلاميين، من الليبراليين واليساريين واللي ما لهموش مذهب سياسي خالص، أجمعوا على رفض تلك الفكرة "الخبيثة"، مثل وائل غنيم الذي كتب له: آسف يا عمرو، ود. أحمد دراج الذي قال: "لسنا محتلّين لكي نناقش دستورنا دوليا"، ومثل د. رباب المهدي وغيرهم كثير.. ده حتى ساويرس وغيره ممن طالبوا جهارا نهارا بتغيير المادة الثانية من الدستور التي تخصّ أحكام الشريعة الإسلامية وصلتها بالتشريع، لم يجرُؤوا على المطالبة بالاستعانة بالضغط الخارجي، فكيف تقبل بذلك يا عمرو يا ليبرالي. حاول د. عمرو حمزاوي أن يُخرج نفسه من الورطة التي وضعها نفسه فيها، وأن يفكّ عن عنقه الحبل الذي طوّق به رقبته بيديه، فزاد الطين بلة!! فقال في رده على وائل غنيم: "لا أستقوي بالخارج، بل أتواصل معه"، وأن العالم يراقب نفسه فيما يتصل بتشريعات حقوق الإنسان والمرأة!! يعني في المقال الأول يدعو إلى "الضغط" على الإسلاميين بالغرب، ثم يقول في الثاني إنه يتواصل مع الغرب ولا يستقوي به.. ما ترسى لك على برّ يا عمرو!! أليست هذه دعوة صريحة لإلغاء خصوصية الهوية الثقافية، وإحلال تشريعات العولمة مكانها؟! وماذا يتبقى للدول والثقافات المحلية والإقليمية من وجود لو أن كل معترض على مادة أو أخرى استنجد بالأممالمتحدة والعالم الغربي الذي لا يرى ثقافة أحق بالبقاء والانتشار من ثقافته هو فقط!! إن أي مُطّلع على قوانين الأسرة مثلاً في مواثيق الأممالمتحدة يعرف جيدا أنها تقرّ ما تسميه "الأسرة متعددة الأشكال"، التي تتكوّن بالإضافة إلى الرجل والمرأة حسب المفهوم الشائع -والصحيح- من رجل ورجل، وامرأة وامرأة.. فماذا يقودل د. عمرو حمزاوي الليبرالي في ذلك؟! من جديد يثبت لنا د. عمرو حمزاوي أن الليبرالية لا تعني الديمقراطية بالضرورة!! فبدلا من أن يواجه ما يراه خطأ في أعمال التأسيسية ويحشد الجماهير ضدها، وهذا حقه؛ إذ به يلجأ -مثل مبارك ونظامه- إلى الغرب؛ يستمدّ منه العون والقوة، ويحاول أن يعدل به ميزانه المختلّ جماهيريا!! ولما حدّ يقول له لا تستقوِ بالغرب، يردّ حمزاوي ويقول له أنت تخوّن المعارضة وتصفها بالعملاء مثل مبارك! يعني بيغلط ويخوفنا كمان! لماذا لم ينظّم عمرو حمزاوي مظاهرة أو اعتصاما ضد التأسيسية، وهو النائب الذي نجح ديمقراطيا؟! لماذا لم يجمع توقيعات ويرفعها إلى الرئيس، أو أي هيئة في مصر للضغط الداخلي؟! لنفترض أن التأسيسية أقرّت أمرا لا يؤمن به حمزاوي، ثم وافق عليه الشعب في الاستفتاء، أليست الديمقراطية تحتم عليه وتلزمه أن يخضع لرأي الأغلبية؟! مبارك ونظامه الفاشل كان يستمد قوته لا من الشعب الذي أفلسه وأفقره وأمرضه، ولكن من الغرب الذي كان يرعى مصالحه مقابل رهن ثروات مصر لإرادته!! لم يكن يعنيه أن يرضى الناس عن قراراته أو يسخطوا، ما دام البيت الأبيض وسكانه راضين عنه ويصفونه ب"الحليف" و"الحكيم"!! فلما فشل مبارك في الاحتفاظ بمفاتيح اللعبة أمام الضغط الشعبي الجارف، رماه الغرب عند أول مزبلة، وصار يتحدث عنه باعتباره طاغية وديكتاتورا!! حمزاوي وجماعته ممن فقدوا بوصلتهم مع الجماهير، ولا يريدون أن يستوعبوا درس الثورة في رفض الإملاءات الخارجية مثلما رفضت الاستبداد الداخلي.. يكررون الأخطاء نفسها، ويسيرون على الخطى ذاتها!! لقد كانوا على حق هؤلاء المفكرون الذين ربطوا بين "الاستبداد" و"الاستعمار" في علاقة طردية؛ فالمستبدّ لا يأخذ شرعيته من رضا الجماهير، بل من مساندة القوى الخارجية له ضد شعبه الذي يرفضه، فيظلّ هذا المستبد يقدم التنازلات تلو التنازلات للقوى الخارجية حتى تدعمه، بينما هذه التنازلات لا تزيده إلا ضَعفًا أمام الشعب؛ لأنها تنازلات تستنزف ثروات الجماهير المحرومة التي تمت مصادرة أموالها للقوى الخارجية. متى تتصالح النخبة في بلادنا مع الجماهير؟! هل الأصل أن تعبّر النخبة عن الجماهير، وتتماهى مع ثقافتها، وتطور من أدائها وحركتها؛ أم تفرض عليها أفكارا وقيما غريبة عليها، وتسُوقها غَصْبًا لاعتناقها، وإلا تستدعي القوى الخارجية لتفرض بالعقوبات ما عجزت عنه بالديمقراطية؟ من الواضح أن بعض الليبراليين سقطوا مبكرا في امتحان الديمقراطية، بخلاف الإسلاميين الذي كانوا دائمًا يُعيَّرون بأنهم مُحْدَثي ديمقراطية، ولا يفهمون في السياسة! كان الله في عون مصر، ووقاها شر أبنائها قبل أعدائها!