في مقال سابق بعنوان متى تتصدّى يا مرسي لمطلقي الشائعات والشتائم؟ طالبت الرئيس بأن ينتفض ضد نشر الشائعات والدعوة للتخريب ونقل الأكاذيب في وسائل الإعلام، دون أن يعني ذلك المساس بحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات، بقدر الدعوة لوضع حد فاصل بين حرية الرأي وحرية التجاوز والسب والشتم وخداع الرأي العام بمعلومات مضللة، وانطبق هذا أكثر ما انطبق -من وجهة نظري- على توفيق عكاشة وقناته الموقوفة مؤخرا الفراعين، وجريدة الدستور التي تمّت مصادرة أعدادها، ليهاجمني وقتها البعض على مقالي بحجة أنني أدافع عن الإخوان، بينما أشاد البعض الآخر بمقالي باعتباري "محبا للجماعة" وأقول الحق، فهل ستنقلب الآية اليوم ليشيد بي من شتموني، ويشتمني من أشاد بي حين أطالب بالمثل بإيقاف ظهور الشيخ خالد عبد الله في قناة الناس؛ انتصارا لنفس القيم والمبادئ التي خالفها الشيخ؟! قبل أن تجيبوا عن سؤالي دعوني أسأل: هل وقف قناة الفراعين ومنع ظهور توفيق عكاشة، ومصادرة أعداد جريدة الدستور كان انتصارا للرئيس مرسي والغضب والحمية لشخصه بعد أن أحلّ عكاشة دمه؟ أم انتصارا لمبدأ النقد البناء دون تجريح وسب وقذف ونشر أكاذيب مغلوطة تكدّر الأمن العام؟ فإذا كان القرار انتصارا للقيم والمبادئ والأخلاق التي ننشدها في وسائل إعلامنا، فعلى الرئيس والحكومة إكمال ما بدأوه دون أن يقف القرار عند الفراعين والدستور؛ لمجرد أنهما هاجما الرئيس، وإنما يمتدّ الوقف والمنع ليشمل باقي المنفلتين ممن يستخدمون ألفاظا مسيئة، وتشبيهات مشينة، ولا يفرّقون بين الاختلاف المحترم و"فرش الملاية" على الشاشات، حتى وإن كانوا من مؤيدي الرئيس والداعمين له، وإلا تحوّل تأييد الرئيس لحصانة تعطي لصاحبها الغطاء في ممارسة ما يشاء من انتهاكات. ففي حلقة مؤسفة لا تمتّ للإعلام بصلة، ويؤسفني أن تذاع على قناة دينية إسلامية مثل قناة الناس، قام خالد عبد الله في برنامجه "مصر الجديدة" بعرض مقطع فيديو للقاء كان قد تم بين الإعلامي مجدي الجلاد والفنانة هالة فاخر قالت فيه إنها لا تعرف الرئيس مرسي، وإن الشعب الذي انتخبه هو الذي ذهب له صابون وزيت وسكر، إلى جانب انتقادها للنائب السابق ممدوح إسماعيل الذي قام برفع الأذان تحت قبة مجلس الشعب، مؤكدة أنه كان يبحث عن الشهرة، ليتخذ خالد عبد الله من هذه التصريحات ذريعة للخروج عن آداب الإسلام وتعاليمه السمحة عند الاختلاف، وينعت مجدي الجلاد ب"العشنّق" أي الشخص الطويل الأحمق، رغم أن القرآن يقول: {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}، ويصف هالة فاخر بممثلة درجة ثالثة "ماحدش ربّاها"، ضمن "السواقط"، قائلا لها ردّا على قولها بأنها لا تعرف الرئيس محمد مرسي: "هتعرفيه غصب عن اللي خلفوكي إن شاء الله"، فهل هذه "مصر الجديدة" التي تدعو لها في برنامجك يا شيخ؟! لا أدافع عن مجدي الجلاد أو الفنانة هالة فاخر، وأختلف مع ما جاء في مقطع الفيديو الخاص بهما رغم عدم انتخابي للرئيس مرسي، ومقاطعتي لانتخابات الرئاسة في الجولة الثانية؛ لأن الشعب الذي اختار الرئيس غير مرتشٍ ولا منساق وراء سلع استهلاكية، وعلينا أن نرضى بنتيجة الصندوق أيا ما كانت إن كنا نحلم فعلا بالديمقراطية، ولكن هل هكذا تورد الإبل ويكون الردّ والنقد من رجل دين مسلم؟ وفي قناة دينية إسلامية؟ ألم تسمع يا خالد عن قوله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}؟ ألم تتدبّر العظة والنصيحة الإلهية في قوله: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}؟ وهل هذه لغة الإسلاميين وتطبيقهم لتعاليم الدين الإسلامي الذي يتحدثون باسمه في قناة كان شعارها "شاشة تأخذك إلى الجنة"؟ أم إن الأمر صار مألوفا لديك بعد التهكم على "ست البنات" التي تمّ سحلها وتعريتها في أحداث مجلس الوزراء، وذلك الإفيه الشهير الذي سخرت به من البرادعي "يا واد يا مؤمن"، واتهامك له هو وعمرو حمزاوي بالنصابين؟! ألم يكن في إمكانك أن تردّ وتفنّد ما قيل بشكل عقلاني مهذب، يخلو من السباب والألفاظ التي لا تليق برجل دين أو حتى إعلامي يحدث الملايين عبر شاشة قناته؟ وماذا لو قام مجدي الجلاد بدوره بالردّ عليك في قناة cbc وبادل ألفاظك غير اللائقة بألفاظ مثلها.. فهل ستتحول حرية الإعلام إلى حرية "فرش الملايات" وتبادل الشتائم بينما يصبح الجمهور هو الضحية؟ أم سترسل له من يطوّقون مدينة الإنتاج الإعلامي ويهشمون سيارته مثلما حدث مع خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع ومقدم برنامج "الأسئلة السبعة"؟! الآن جاء الدور على الرئيس محمد مرسي ووزارة الاستثمار لاتخاذ موقف واضح وصريح، ليحسم الخيار بين كلا احتمالين نتأرجح بينهما. هل قرار إغلاق الفراعين ومصادرة الدستور كان انتصارا لميثاق الشرف الإعلامي وحرية الرأي في حدود الضوابط المنصوص عليها؟ أم مجرد ثأر للرئيس الذي يغضب لنفسه فقط ولا يغضب للحق، بينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغضب لنفسه قط رغم علو قدره وارتفاع مقام النبوة؟ هل تكميم المخطئين وخرس أفواههم المريضة يتم فقط عندما لا ينتمون لمعسكر الرئيس وتياره؟ أم إننا سنشهد عدلا وإنصافا سوف ينسحب على كلا المؤيدين والمعارضين؛ حيث لا يعرف الحق المحاباة والاستثناء حفاظا على حرية الإعلام من الدخلاء على المهنة الذين ينشرون السموم والأحقاد بين أفراد المجتمع؟ سارع في الإجابة سيدي الرئيس؛ حتى لا يتمادى معارضوك في اتهامك وصبّ جام غضبهم عليك، خاصة أن أحدهم قد كتب على فيسبوك: سيذكر التاريخ أن الرئيس محمد مرسي قد أغلق قناة الفراعين؛ لأنها تخالف شرعه، ولم يغلق قناة "التت" التي تخالف شرع الله!