كان معرض القاهرة الدولي للكتاب بمثابة العيد السنوي لكل الكُتاب العرب، وخاصة عندما كان يُنشد فيه نزار قباني ومحمود درويش وغيرهما، لكن يشعر المتابع للحالة الثقافية المصرية اليوم بأن هناك حالة من التراجع الثقافي العام، خلافا لما كان موجودا في الستينيات والسبعينيات وبعض الثمانينيات، حين كانت القاهرة تكتظ بالمثقفين العرب وكانت مكتبة مدبولي على سبيل المثال أهم مكان في ميدان طلعت حرب التي لا بد أن يتوجه إليها كل طالب وكاتب ومثقف وأديب يعيش في القاهرة أو يزورها حتى ولو لساعات قليلة، وكان هناك إقبال كبير على المجلات الثقافية التي كانت تصدر في ذلك الوقت. الشباب ليس لديهم وقت للقراءة نشرت جريدة الشروق أنه أصبح هناك تراجعا في إقبال الشباب على قراءة الكتب وزيارتهم لمعرض الكتاب، وما يبرهن صحة ذلك تأكيد بول سميث -مدير المجلس الثقافي البريطاني- على تفعيل قرار إغلاق مكتبة المجلس بالعجوزة -التي ظلت تتيح الإعارة العامة لأكثر من سبعة عقود- بسبب ضعف ارتباط الشباب بالكتب. في الوقت نفسه، نفى سميث أن يكون قرار إغلاق المكتبة يعود إلى تكاليفها، وأضاف أنه في مدينة بحجم القاهرة، وفي دولة بحجم مصر عندما يصل جمهور القراء إلى أقل من 3000 شخص، فهذا يشير إلى عدم الاستدامة، كما أظهرت الدراسات التي أعدّها المجلس البريطاني أن هناك أشخاصا يريدون خدمات قريبة من منازلهم أو مدارسهم أو أماكن عملهم، وفي المقابل هناك آخرون في أسوان وأسيوط والمنيا قد يرغبون في الحصول على بعض الخدمات التي يقدمها المجلس ولكنهم لا يستطيعون زيارة المكتبة. وتابع سميث الحديث حول تصوره لتأثر ضعف الإقبال على المكتبة بنمط الحياة المتغير في مصر، وأصبح الأفراد يعملون لساعات أطول، والتنقل في أنحاء المدينة أصبح أصعب كما ازدادت مصادر الجذب الأخرى مثل أطباق البث عبر التليفزيون، والمقاهي، ومراكز التسوق والإنترنت، والمراكز الثقافية مثل ساقية الصاوي التي تعطي الأشخاص اختيارات كثيرة لكيفية قضاء أوقات الفراغ. وفي رسالة نشرتها صحيفة التايمز اللندنية في العام الماضي، قال مارتن ديفيدسون -المدير التنفيذي للمجلس- إن الجيل القادم في مصر يظهر نقصا في دعمه للمكتبة. القراءة بعد الرياضة والموسيقى وكشفت دراسة أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بالتعاون مع كلية الآداب بجامعة القاهرة، عن واقع القراءة الحرة لدى الشباب، أن القراءة جاءت في المرتبة الثالثة بالنسبة للهوايات التي يفضلها الشباب، بعد ممارسة الرياضة والاستماع إلى الموسيقى، على الرغم من تأكيد 81.8 % من عينة الشباب على حبهم للقراءة الحرة، وقيام 43% منهم بتخصيص وقت محدد للقراءة، في حين يوفر 29% منهم جزءا من مصروف جيبه لشراء الكتب. وتوصلت الدراسة إلى أن الكتب الدينية في مقدمة الكتب التي يفضّلها الشباب بنسبة 54.1 % يليها الكتب العلمية بنسبة 28.8%، ثم الكتب التاريخية بنسبة 28%، والرومانسية بنسبة 26.4% والكتب الدراسية المتخصصة بنسبة 21.5% والخيال العلمي بنسبة 21% والقصص البوليسية بنسبة 12%. غياب الهدف من القراءة ورغم الأهمية الكبيرة للقراءة فإن هناك الكثير من العقبات التي تقف حائلاً أمام الكثيرين من الشباب لتمنعهم من التمتع بها؛ إذ يرجّح البعض أن أسباب هروب الشباب من القراءة ترجع إلى التطور التكنولوجي الذي جعل الشباب يستغنون عن العلم مقابل الترفيه الإلكتروني، وظهور الملازم الجاهزة التي تجعل الطالب في غنى حتى عن قراءة كتب الدراسة، فهناك شريحة كبيرة من المجتمع تفتقر إلى معرفة ماذا تقرأ، وفي أي الكتب وفي أي تخصص، بالإضافة إلى المشاكل المادية التي يعاني منها الشباب مع ارتفاع أسعار بعض الكتب، كما أن ربط العلم بالشهادات يجعلهم يبحثون عن الشهادة لا العلم ذاته، كما أن المكتبات تحتاج إلى ترتيب وتنظيم، لذا يلجأ الشاب إلى الإنترنت كوسيلة أسهل وأسرع للحصول على المعلومات، ولا يوجد اهتمام بالمؤلفات والمترجمات من الكتب. ففي مصر التي تصل نسبة سكانها إلى 80 مليونا لا تتم ترجمة أكثر من 400 كتاب في العام في حين أن إسرائيل يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة وتترجم تقريباً 4 آلاف كتاب سنوياً. وفي استفتاء لإحدى المجلات المصرية حول معدلات القراءة في العام الماضي، جاءت نسبة من قرؤوا بالفعل 7% فقط، وقاموا بقراءة كتب قديمة موجودة لديهم، بينما الباقي وهو 93% لم يفكروا في القراءة؛ فهم يرونها هواية مملة، وهذا عكس المعدلات الحكومية المتفائلة دائماً. الشباب يستبدلون الكتاب الورقي بالإلكتروني ويُرجع البعض أسباب ابتعاد الشباب عن القراءة إلى أنهم أصبحوا منكبّين على قراءة الكتب الإلكترونية عن طريق الإنترنت بشكل أكبر من الكتاب الورقي، لكن المفروض أن يكون هناك اهتمام إعلامي لتحفيز الشباب على القراءة، سواء عن طريق الإعلانات التليفزيونية أو الإعلانات الإذاعية، فالإعلام له دور واضح وبارز في هذا الأمر، وهو قادر على توجيه وتغيير أنماط التفكير لدى الشباب، لا سيما أن معظم الشباب يقضون ساعات طويلة في مشاهدة التليفزيون وغير ذلك من الوسائل الإعلامية.