[الولاء للديمقراطية يظل هو المعيار الحاكم في تحديد موقف المرء] الولاء للديمقراطية يظل هو المعيار الحاكم في تحديد موقف المرء من الطبيعي أن تشعر نسبة كبيرة من المصريين بالحيرة وعدم اليقين، كلما اقترب موعد انتخابات الإعادة. وما بين تأييد مرسي ورفض شفيق، أو تأييد شفيق ورفض مرسي تتأرجح الآراء وتنطمس معالم الحقيقة. ولعلك واجهت هذا السؤال من كثيرين لم يصدقوا ما يصل إلى أسماعهم أو تتلقاه أبصارهم على شاشات التليفزيون وصفحات الصحف دون أن تتغلغل إلى قلوبهم.. بعد أن وصلت درجة الاستقطاب أقصاها، وما زالت هناك تساؤلات خطيرة تدور حول مدى التزام كل مرشح منهما بضرورات الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي تتوق مصر إلى تحقيقه، وحول الخبرة العملية وقدرة كل منهما على الإنجاز. ولا تغرنك هذه التظاهرات والمليونيات التي تساق إلى ميدان التحرير دون جدوى، ولا تكشف عن الاتجاه الحقيقي للأغلبية أو تنبئ بانتصار حكم الديمقراطية! مما أوحى للكثيرين بأن الحل المريح هو عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع أو إبطال الصوت إذا لزم الأمر، وهو ما يرفضه الكثيرون ويعتبرونه تهربا من المسئولية. ومثل هذا السلوك لا يتفق بأي حال مع الإيمان بالديمقراطية ولا يحقق أهداف الثورة. ويعيد مصر إلى النظام المباركي الذي كان يتم فيه تقفيل الصناديق وإعلان النتائج دون مشاركة من الناخبين في الانتخابات.
ولعلنا نلاحظ أن اختلاف الرأي حول اختيار أي من المرشحين، لم تتجلّ مظاهره في ميدان التحرير ولافتات المتظاهرين فحسب، ولا في برامج التليفزيون المنحازة التي يقدمها إعلاميون يفتقرون إلى أصول المهنة فحسب.. ولكنها تتجلى في مستويات أخرى من العلاقات داخل الأسرة الواحدة؛ فبينما أعلنت هدى عبد الناصر تأييدها لشفيق مثلا "لأن أسرة عبد الناصر لا تنتخب أحدا من جماعة حاولت اغتيال عبد الناصر" أظهر شقيقها عبد الحكيم موقفا مضادا بتأييد صباحي ورفض شفيق؛ لأنه كان وزيرا ورئيس وزراء فاسدا من نظام مبارك.
وذهبت الخلافات العائلية إلى حد شقّ الصف في أسرة سياسية مثل أسرة أسامة الغزالي حرب، الذي أعلن تأييده لشفيق، على أساس أن وصف الفلول ينطبق على الجميع، وكلنا من النظام السابق على حد قوله، بينما يتهمه ابن شقيقه شادي الغزالي -عضو اتحاد شباب الثورة- بأن تأييد عمه لأحمد شفيق هو خيانة للثورة ودماء الشهداء.
يذكّرني الهجوم الذي تعرض له أسامة الغزالي حرب بنفس الموقف الذي تعرّض له حين أعلن خروجه من لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل وإنشاء حزب جديد. وقد لاقى أسامة العنت والنقد اللاذع من أصدقائه ومنافسيه، ومن كثير من الأقلام التي تأخذ عليه اليوم انضمامه لصفوف شفيق، والمسألة هنا هي أن السياسي قد يتحوّل من جانب إلى جانب ومن حزب إلى حزب، ويظل من الضروري أن يحافظ المرء على حقه في التمسك بحرية إرادته وحريته في الرأي في ضوء توازنات وحقائق تتبدى له في أوقات مختلفة، لا بد أن يحسمها هو بنفسه وليس بناء على أوامر السمع والطاعة.
صحف وأقلام كثيرة ظلت تهاجم الإخوان المسلمين وتوجّه إلى حزبها الحرية والعدالة أقسى الاتهامات، حتى إذا أجريت الانتخابات وأسفرت عن تقدّم مرسي في مواجهة شفيق، تحوّلت الدفة إلى هجوم كاسح على شفيق وإبراء لذمة الإخوان.. على أساس أن "بعض الشر أهون من بعض"، وأن الإخوان وقفوا في وقت من الأوقات مؤيدين للثورة منذ بدايتها، بينما عجز شفيق عن تبرئة نفسه من موقعة الجمل، وعجز عن كسب ثقة شباب الثورة.
في اعتقادي أن الولاء للديمقراطية يظل هو المعيار الحاكم في تحديد موقف المرء من الاختيار بين هذا المرشح وذاك، أيهما أكثر احتراما للديمقراطية في رأيك؟ هو السؤال الذي يجب أن تجيب عنه، ولهذا السبب لم أجد مبررا لهذا النقد اللاذع الذي شنّته بعض الأقلام ضد أسامة الغزالي حرب؛ فما زال من حق كل شخص أن يدافع عن حقه في حرية الرأي والتعبير، والديمقراطية في جوهرها تكمن في تنوع الآراء والاختيارات، بغض النظر عن الأهواء والتحزّبات. نُشر بجريدة الشروق 11/ 6/ 2012