اليوم: 8 إبريل 1970 الزمن: الساعة التاسعة وعشرون دقيقة صباحا. المكان: مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة التي تقع بمركز الحسينية في محافظة الشرقية. الحدث: نسف المدرسة المكونة من طابق واحد يضم ثلاثة فصول وتضم 150 طفلا. أسلحة عملية النسف: طائرات الفانتوم الإسرائيلية تقصف المدرسة بخمس قنابل وصاروخين. النتيجة: قتل ما يقرب من 30 طفلا وإصابة أكثر من 50 آخرين بجروح، إلى جانب إصابات بالغة خلفت عدداً من المعاقين.
في الذكرى ال42 لمجزرة بحر البقر نتحدث ونتذكر مجازر ارتكبتها إسرائيل ضد مصر لا تُنسى ولن تُنسى أبدا، نعم اليوم نروي أحداث المجزرة التي تمثّلت بشاعتها في أنها ارتكبت في حق أطفال أبرياء ليس لهم أي ذنب.. نتحدث عن إسرائيل التي لم تتبع آداب الحروب عندما تعادي أي دولة، وسترى بنفسك الفرق الكبير بين قيمة الطفل العربي والطفل الإسرائيلي لدى إسرائيل والدول الأوروبية.
لنبدأ القصة.. قبل انتهاء حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل ب4 أشهر؛ بدأت إسرائيل بالرد على العمليات المصرية المختلفة كتدمير العديد من القطع البحرية الإسرائيلية مثل إغراق الحفار الإسرائيلي والمدمرة إيلات، وكذلك إفساد محاولات إسرائيل باستغلال موارد سيناء، وتحجيم القوات الإسرائيلية والحد من انتشارها على الجبهة، وضرب منشآتها ومصالحها التي أنشأتها بسيناء على الجبهة الشرقية للقناة.
تمثل الرد الإسرائيلي على هذه العمليات المصرية في قصف الطيران الصهيوني لمدرسة بحر البقر الابتدائية في صباح يوم الأربعاء الثامن من إبريل عام 1970، والتي تعدّ هدفا غير عسكري كما ادّعت وبرّرت إسرائيل هذا العمل المشين، نعم إنها فقط مدرسة أطفال.
وعلى الرغم من صغر المدرسة المكونة من طابق واحد به ثلاث فصول، إلا أنها تلقت صاروخين وخمس قنابل أطلقتهم طائرات الفانتوم الإسرائيلية التوجيه أمريكية الصنع، ليستشهد جراء هذا القصف ما يقرب من 30 طفلا ويصاب أكثر من 50 آخرين بجروح، إلى جانب إصابات بالغة خلفت عدداً من المعاقين.
هكذا تناثرت في كل مكان أشلاء الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم عمر الزهور.. وتحوّلت المدرسة إلى ركام يحوي هذه الأشلاء، كما كان يحوي أيضا كراسات ممزقة ملطخة بدماء الأطفال البريئة التي لا تعلم بأي ذنب قُتلت.
حدث كل هذا ولم تقع إدانات وعقوبات واضحة على إسرائيل، بدليل قتلها للمزيد والمزيد من الأطفال منذ هذا اليوم وحتى يومنا هذا؛ إذ إنها قتلت 500 طفل تقريبا في حرب غزة 2008 ومن قبلهم ما يقرب من 30 طفلا لبنانيا من بلدة قانا احتموا بمقر الأممالمتحدة في البلدة، وقصفت إسرائيل المقر، وغيرها من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الأطفال العرب؛ إذ إن السجون الإسرائيلية لا تخلو من الأطفال العرب المعتقلين بها.
وفي المقابل تستطيع أن تتعرف على عنصرية إسرائيل وتمييزها لأطفالها من خلال موقفين حدثا مؤخرا وهما: أولهما عندما أدلت كاثرين آشتون -وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي- بتصريحات أشادت فيها بالشباب الفلسطيني الذي يواصل الدراسة والعمل والحلم بمستقبل أفضل رغم كل الصعاب"، وتابعت في إشارة إلى قتل ثلاثة أطفال إسرائيليين في تولوز بفرنسا: "عندما نفكّر فيما حدث اليوم في تولوز، عندما نعرف ما يحدث في سوريا، عندما نرى ما يحصل في غزة وفي مناطق أخرى من العالم، نفكّر في الشباب والأطفال الذين يلقون مصرعهم"، حيث ثارت عليها إسرائيل بأكملها وقامت بتنظيم حملة ضدها. وكان رد أفيجدور ليبرمان -وزير الخارجية الإسرائيلية- على كاثرين: "إسرائيل هي أكثر دولة أخلاقية في العالم رغم أنها تضطر إلى محاربة إرهابيين يعملون من قلب سكان مدنيين، والجيش الإسرائيلي يفعل كل ما في وسعه من أجل عدم المساس بهؤلاء السكان رغم أنهم يحمون الإرهابيين".
ويأتي من بعده تعقيب بنيامين نتنياهو -رئيس الوزراء الإسرائيلي- بأن "تصريحات كاثرين تدعو إلى الغضب، ولا يمكن المساواة بين مجزرة وعملية دفاعية دقيقة ينفّذها الجيش الإسرائيلي ضد أولئك الذين يستخدمون الأطفال كدروع حية".
وإذ بإيهود باراك -وزير الدفاع الإسرائيلي- يستنكر أقوال كاثرين، قائلا: "إن الجيش الإسرائيلي يعمل في غزة بحذر بالغ من أجل الامتناع عن المساس بالأبرياء، وآمل أن تدرك وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الخطأ الذي ارتكبته بسرعة وتتراجع عن أقوالها".
وعلى الفور استجابت كاثرين لمطلب باراك وتراجعت بالفعل عما قالته وأصدرت على الفور المفوضة السامية للشئون الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي بيانا قالت فيه "إن كلام كاثرين تمّ تشويهه بشكل كبير"، وأنها "تدين بشدة ما حدث في مدرسة أوزار هاتورا في تولوز، وتعبّر عن تعاطفها مع عائلات وأصدقاء الضحايا والشعب الفرنسي والمجتمع اليهودي".
أما الموقف الثاني فيتمثل في إبلاغ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لنتنياهو بأن الحكومة الفرنسية بأكملها تشدد على ضرورة معاقبة ومحاسبة منفّذ الواقعة، كما شارك ساركوزي في الصلاة التي أقيمت بالكنيس اليهودي في باريس؛ تعبيرا عن تضامنه مع الطائفة اليهودية.
ليس هذا كل ما قدمته فرنسا لإسرائيل بل دفعت بآلان جوبيه -وزير الخارجية الفرنسي- لامتطاء الطائرة التي تقلّ جثامين الثلاثة أطفال اليهود والحاخام ليدفنوا في القدسالمحتلة، على الرغم من أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، كما وضع جوبيه القلنسوة اليهودية فوق رأسه؛ تعبيرا عن حزنه ومواساته في الوقت نفسه لمن قُتل من الإسرائيليين، وهو محاط بحاخامات المستوطنين اليهود الذين استباحوا الأرض الفلسطينية.
في النهاية آمل أن تكون قيمة الطفل العربي كغيره من أطفال العالم.. فهم قرة أعيننا، وفيهم نرى مستقبلنا، لذا فعلينا أن نحافظ عليهم ونتمسك بحقهم في الوجود والحياة، ومحاربة من يحرمهم من أن يعيشوا حياة كريمة.
في ذكرى هذه المجزرة البشعة لا بد أن نقول لإسرائيل إن جرائمها لن تسقط بالتقادم، بل هي محفورة في قلوب الشعب العربي بأسره.. لن أجد ما أختتم به مقالي هذا أفضل من قصيدة صلاح جاهين بعد هذه المجزرة:
"الدرس انتهى لموا الكراريس.. بالدم اللي على ورقهم سال.. في قصر الأممالمتحدة.. مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك في البقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزي.. دي لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذي.. دمها راسم زهرة.. راسم راية ثورة.. راسم وجه مؤامرة.. راسم خلق جبارة.. راسم نار.. راسم عار.. ع الصهيونية والاستعمار.. والدنيا اللي عليهم صابرة.. وساكتة على فعل الأباليس.. الدرس انتهى.. لموا الكراريس" إضغط لمشاهدة الفيديو: بحر البقر * خمسة جد اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: