السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لدينا أخ صغير عنده 11 عاما، وهو مدلّل جدا من والدي ووالدتي، وكل لما يعمل شيء خطأ ونريد معاقبته يتدخل أبي وأمي ويقولان لنا إنه ما زال صغيرا "ولما يكبر هيفهم الصح من الغلط"؛ ولكن للصراحة أحيانا كانا يعاقبونه بس لو غلط غلطة كبيرة مثلا. والآن هو كاذب.. كل لما نسأله عن شيء يحلف بالله والله ما عملت، وكمان بيمد إيده وياخد أموال دون إذن؛ على الرغم إنه كل شيء بيطلبه أو يشتهيه لا نتأخر عليه؛ لدرجة إني فكرت إن دي حالة نفسية عنده، وآخر شيء عرفته عنه إنه بيقوم بحركات غير محترمة تماما؛ وخاصة عند وجود البنات بقربه، وشاهدته مرة وهو يفعل ذلك، وواجهته ورجع تاني يقول والله ما فعلت شيء.. قرب يجنني.
وكمان أختي شاهدته ذات مرة يشاهد مشاهد غير أخلاقية على النت، وأول لما لاحظ أنها رأته أغلق الصفحة؛ يعني هذا دليل قاطع على أنه يعلم ما يفعله خطأ.
ولا أعلم كيف أتصرف معه؛ على الرغم من أننا جميعا الحمد لله متربين تربية جيدة جدا، ومتخرجين من الأزهر الشريف -أي حفظنا القران الكريم وتعلمنا الأحكام الشريعة ونعمل بها الحمد لله بقر المستطاع- وأخي هذا أيضا بالصف السادس الابتدائي الأزهري، وأنا أخته الكبرى، ويعتبرني بمثابة أم له، وأمي موجودة الحمد لله؛ لكن أنا أحب الأطفال الصغار جدا، وأنا توليت شئونه منذ الصغر وخاصة في التعليم؛ بسبب قربي الشديد منه، وحبي المتزايد له وأيضا صديقته منذ صغره؛ لكن لما بدأ يكبر بدا يخفي عليّ الكثير من الأشياء، وبدأت أكتشفها بنفسي.. وأنا خايفة جدا أن ما خفي كان أعظم.
آسفة للإطالة.. وأرجو الرد سريعا قدر المستطاع.. شكرا جزيلا.
h.y
صديقتي العزيزة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما ذكرت عن شقيقك يعني أننا أمام حالة من اضطراب السلوك أو ما نسميه اضطراب المسلك.. (conduct disorder) وهي مشكلة لها أسباب بيولوجية وأسرية.
والأسباب البيولوجية تتعلق ببطء أو تأخر النضج والتطور المعرفي والانفعالي؛ فلا شك أن الأطفال قد يكذبون أحيانا ولذلك أسباب كثيرة منها الخوف من العقوبة وخلط الواقع بالخيال أحياناً، وكذلك قد يأخذ الطفل ما يخص الآخرين وهذا قد يكون نتيجة لأن مفهوم الملكية لم يتعلمه بعد أو لأنه يعاني من حرمان أو يسرق لينتقم ممن ضايقه.. وكل هذه سلوكيات قد نواجهها في معظم الأطفال ولكن لا بد من إدراكها ومواجهتها مبكراً ابتداءً من سن الثالثة حيث يبدأ الطفل في تكوين الضمير تدريجياً، ليكتمل نموه وتطوره عند سن السادسة أو السابعة ليصبح الضمير رقيباً على سلوكه فيدرك ويتعلم ما يصح وما لا يصح.
لكن ماذا لو استمرت السلوكيات المرفوضة إلى ما بعد السابعة وحتى المراهقة؟ ذلك يعني أننا نواجه مشكلة اضطراب المسلك كما ذكرت لك، ويحتمل هنا أن يكون السبب عضويا وظيفيا؛ بمعنى وجود خلل ما في المرسلات الكيمائية بالمخ مما يؤدي إلى بطء وتأخر النضج المعرفي والانفعالي الذي يعني تأخر إدراك الصواب والخطأ وتجنب الخطأ، وكذلك الانسياق وراء الدوافع الغريزية بغض النظر عن العواقب.
ومما يساعد على ذلك بالطبع ويدعمه وجود خلل في البيئة الأسرية كالقسوة في المعاملة ووجود خلافات وصراعات أسرية أو تعرض الطفل لصدمات نفسية وكذلك فرط التدليل، وهنا أضع مئات الخطوط أسفل كلمة "فرط التدليل"؛ لأن السلوكيات المرفوضة في الأطفال يتم تعديلها مبكراً من خلال التصحيح المستمر؛ لأن ترك السلوك دون تصحيح يزيد الأمر سوءاً وبعض الأطفال يحتاجون لبذل المزيد من الجهد لتصحيح السلوكيات، فلا ينبغي مطلقاً تركهم دون تصحيح مثلما فعل والداك فهذا خطأ كبير ما كان يجب الوقوع فيه؛ لأن تصحيح السلوك في الطفولة أكثر يسراً.. وأنا أحترم تفكيرك للغاية لقولك ما خفي كان أعظم؛ لأنه في الغالب سيكون هناك بعض السلوكيات التي لا تظهر أمامكم ولكنها تمثل مشكلة قد تظهر فيما بعد، لذا يجب أن نعرف جيداً ما يلي:
أولا.. السلوكيات غير المرغوبة مثل الكذب والسرقة والقيام بحركات أمام البنات تدخل تحت بند تحرش جنسي.
ثانياً.. يجب أن نتحرى عما يلي: 1- هل هناك احتمال أنه يتغيب عن المدرسة دون علمكم أو أن هناك مشكلات في المدرسة لا تصل إليكم؟ 2- هل هناك احتمال أنه يأخذ أي مواد مخدرة أو يدخن مثلاً؟ 3- هل حدث أن هرب من المنزل؟ أو ترك المنزل إثر توبيخه على سلوكه؟ 4- هل يتعامل مع الحيوانات بقسوة أو كثير الشجار مع الآخرين وسريع الغضب؟ 5- هل لديه نزعة في تدمير أي من الممتلكات العامة أو ممتلكات الآخرين كالعبث مثلاً بالسيارات في الشارع؟
كل هذه الأشياء لا بد من التحري عنها جيداً؛ لنعرف كمّ السلوكيات المرفوضة الموجودة لدى شقيقك..
والآن هل يمكن أن نفعل شيئاً؟ بالطبع يمكن ولا بد أن نفعل؛ حتى نمنع تطور المشكلة من اضطراب السلوك إلى الوصول إلى ما نسميه الشخصية السيكوباتية أو الشخصية ضد المجتمع.. وأحب أن أؤكد لك على معلومتين في غاية الأهمية:
1- وجود أسباب بيولوجية لا يعني أن المشكلة فرضت علينا ولا نهاية لها.. لماذا؟؛ لأن تصحيح وتعديل السلوك إذا تم تحقيقه بشكل سليم فإن ذلك قادر بإذن الله على أن يغير حتى في كيمياء المخ، وفي شكل وتشابك الخلايا العصبية بالمخ.
2- التأخر في تصحيح السلوك واستمراره حتى هذا السن لا يصيبنا بالإحباط، حقيقة أننا سنحتاج لجهد أكبر لكن لا بد أن تعلمي أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى لخلايا المخ قدراً من المرونة، حتى إنها تستجيب وتغير من صفاتها ووظائفها حتى في الراشدين لكن مع مزيد من الجهد والوقت.
إذن ماذا يمكن أن نفعل؟ 1- بداية فلنثق بالله الذي بيده الأمر كله وله القدرة على الهداية.. لا شك أن الإيمان بذلك يحمي الأسرة من أي شعور بالإحباط فيما يخص تعديل السلوك؛ حيث تكون الأسرة في عجالة من أمرها تنتظر التحسن والتغير لكن الأمر ليس بهذه السهولة.. إنه يحتاج للإيمان بقدرة الله التي تمدنا بالدافع والعزم على الاستمرار.
2- ينبغي أن تجلسي مع والديك وتتحدثي إليهما في أمر شقيقك وأنه لا يجب الانتظار أكثر من ذلك؛ فهما الأساس ولن ينصلح حال شقيقك إلا إذا اتفق المنزل كله على خطة علاجية موحدة.
3- لا بد من التعرف على الظروف التي يزداد فيها اضطراب السلوك أو الأسباب المباشرة التي تلاحظين بعدها الإفراط في الكذب أو السرقة أو مشاهدة مقاطع أو صور إباحية، هل يحدث له ذلك عند إصابته بالإحباط لأي سبب أو عند الخوف والقلق مثل قبل الامتحانات أو عند وقوعه في مشكلة قد تعرضه لعقوبة في المدرسة؟ إن وجود أسباب مباشرة لظهور السلوك المرفوض يشير إلى وجود اضطراب آخر مسئول عن اضطراب المسلك.. كاضطرابات القلق حينما تكون السلوكيات المرفوضة ما هي إلا طقوس لاشعورية لتنفي عن العقل خبرة القلق.
4- ماذا نفعل تجاه السلوكيات؟ - إرشادات عامة: (القدوة في البيت والمدرسة.. لذلك يجب أن نتحرى جيداً عن أصدقائه الذين قد يمثلون له قدوة سيئة في هذه السلوكيات – الحزم - التواصل الجيد الذي لا يعني التدليل، بل على العكس التواصل معه على أنه رجل نأخذ رأيه في أمور الأسرة ونشركه في اتخاذ القرارات ونحمّله جزءا من المسئولية خاصة مسئولية نفسه.. كشراء ملابسه مثلاً وإعداد طعامه وليكن الإفطار والعشاء، بل وإحضار طعام الأسرة ولو ليومين أسبوعياً).
- ماذا نفعل لمواجهة سلوك الكذب؟ - لا يجوز الضغط عليه ليقول الصدق بل تشجيعه ومدحه ومكافأته كلما قال الصدق؛ أي علينا بتجاهل هذا السلوك المرفوض.
- حينما يكذب عليك أنت أو والديه الجلوس معه بهدوء، وأن نقول له ونحن نمسك بيده (تواصل جسدي) وننظر في عينيه (تواصل بصري) ونقول له: أعلم أنك تكذب الآن.. دعنا نقول الصدق.. وإن أصرّ على الإنكار فإننا نقول له إذن دعنا نعكس الأمر أنت تقول إنك لم تفعل كذا.. ماذا لو قلت إنك فعلت كذا.. ما الفرق؟ لم نغضب منك.. فكّر من أجل أن تحظى برضا الله، هذا حوار بسيط لكن لا بد من تكراره بصبر وإصرار؛ لأن هؤلاء الأطفال شديدو الإنكار.
- كلما كذب الطفل ينبغي ألا ننتقده، ولكن نظهر له بتعبير الوجه مدى الحزن والأسى الذي تشعر به الأسرة حيال هذا السلوك، والتأكيد على أننا نحبه لكن سلوكه يصيبنا بالإحباط.
- والآن ماذا عن السرقة؟ أولاً لا بد أن نعرف ماذا يفعل شقيقك بالمال المسروق؟ وأفهم من كلامك أنه يأخذ الأموال من المنزل فقط، ولكن يجب أن نتأكد هل يسرق من الآخرين خارج المنزل؟
- وما هي الطرق العلاجية المقترحة لعلاج السرقة؟ أفضل الطرق هي التي تنمي وتسرع في النمو المعرفي والإدراكي للطفل الذي لا بد أن يعرف ويتعلم ماذا يعني المال والاستثمار والادخار، وكيف نكسب المال وكيف نحافظ عليه وكيف يمكن أن نبذل الجهد من أجل الحصول على المال، ويمكن فعل ذلك من خلال الخطوات التالية:
1- تشجيع الطفل على القيام ببعض الأعمال المنزلية مقابل مبلغ من المال يتفق عليه، وتشجيعه على شراء ما يرغب فيه بجزء مما يكسبه ويدخر جزءاً من المال، ولو استطاع ادخار مبلغ معين بنهاية الأسبوع مثلاً من الممكن مكافأته بمبلغ إضافي يكون بمثابة مفاجأة له.
2- من وقت لآخر نلقي مبلغاً من المال على الأرض مثلاً ونراقب عن بعد تصرّفه ونظهر فجأة أمامه حتى يقوم بتسليم المال ثم نمدحه ونكافئه على ذلك.
3- يمكن فتح حساب للطفل باسمه؛ بحيث يشعر بأن له كيانا وملكية خاصة ونعلمه دوماً برصيده ونشجعه على أن يدخر من مصروفه، ومن الأموال التي يحصل عليها من خلال عمله في المنزل، بل ونطلب منه أن يقرضنا أحياناً على أن نردّ له المال في وقت محدد لا نتأخر عنه إنها طريقة غير مباشرة لتعلم معنى الملكية.
4- ينبغي دوماً أن نتجنب أن ننعته بكلمة "حرامي".. ولكن إذا حدثت السرقة فلنواجهه بها فوراً مع تسمية الفعل.. أنت سرقت كذا وعليك رده وإذا كنا متأكدين من أنه سرق فعليه رد المال، وإن كان أنفقه فليرده من ماله الخاص الذي ادّخره.
وماذا نفعل عن الأفعال التي تندرج تحت بند التحرش الجنسي؟ في الواقع إن هذه المشكلة حلها يكمن في كلمتين: "التربية الجنسية".. والتربية الجنسية تعني الرجوع إلى الدين والشرع لإخماد هذه الغريزة التي تشتعل وتتأجج مع بداية المراهقة.. وكيف يمكن أن نفعل ذلك؟
1- الحوار والتواصل مع شقيقك في موضوع البلوغ والجوانب البيولوجية لهذه المرحلة، ولو كنت قريبة منه فلا بأس أن تقومي أنت بهذا الدور إذا لم يقم به الوالد أو الوالدة، وهذا يحتاج إلى أن تقرأي كثيراً في الجانب العلمي البيولوجي لمرحلة ما قبل البلوغ ومرحلة البلوغ.. التحدث عن معنى الغريزة والرغبة وسموها حيث إنها سبب في استمرار الخلق وأن الله يميز الإنسان عن الحيوان في أن الحيوان يتبع غرائزه أما الإنسان فلا يسير خلف الغريزة إلا في حدود ما شرع به الله.
2- عند ضبطه فجأة يشاهد أي مشاهد جنسية فينبغي أن نواجهه بكلمات مثل: أعرف أنك كنت تشاهد وهذا يعني أنك كبرت، لكن أن تكبر فهذه مسئولية والمسئولية تعني أن تعرف أن الله يراقبك ويراك.
3- يراعى عدم وضع الكمبيوتر في غرفته ويشاهده والباب مغلق، بل يجب أن يكون الكمبيوتر في مكان مفتوح بحيث يشعر أن ما يشاهده يمكن في أي لحظة أن يراه الآخرون.
4- ينبغي أن نوجد لشقيقك أنشطة تساعد في تنمية شخصيته وثقته بنفسه وتصنع له أهدافاً تساعده على النضج بدلاً من الانسياق لرغباته واندفاعه دوماً في تحقيق كل ما تهفو له نفسه ومن هذه الأنشطة: ممارسة رياضة يحبها، إيجاد هواية مثل الرسم أو الرسم على الزجاج، دورات كمبيوتر، دورات لغة إنجليزية، دورات في التفكير الإبداعي كل هذه الأشياء تساعده على الشعور بالتميز وتعزز ثقته بنفسه وتعالج بشكل غير مباشر السلوكيات المرفوضة عن طريق الإبدال والإحلال؛ حيث يحل السلوك المحمود محل السلوك المرفوض من تلقاء نفسه.
5-مع كل ما ذكرنا من نقاط لكن يجب أن نعرف أن غرس مبادئ الدين والشريعة من أهم أسس التربية، فلا بد أن نقضي معه وقتاً للحديث عن القرآن ومعانيه وليس الحفظ فقط.. أي أتكلم عن روح الدين التي يجب أن تصل للطفل في التربية إن الشعور بحب الدين وحب الله هو العاصم من الأخطاء.. فهل يمكن أن نعزز ذلك؟ لا شك أنه سيساعدنا كثيراً.
وأذكرك قبل أن أنهي كلامي معك أن الأمر يحتاج لوقت ومجهود وإصرار؛ لأن السلوك لن يتغير إلا إذا استطعنا أن نعمل على تغيير كيمياء المخ، من خلال ثبات صور التعامل مع الطفل.. مما يعني ألا نمل فنعامله تارة بفرط التدليل ثم نرى سوء السلوك فنعود للتصحيح، إذن لا بد من الثبات والاستمرار، وفقكم الله.