لقد تعوّدت طوال حياتي على بضع مكونات أساسية في حياتي: المذاكرة والتلفاز وصديقين وكمبيوتر، هذا حتى أصبح عمري14 عاما تقريباً، وكانت حياتي تسير بسهولة مبالغ فيها، كنت نموذجا للفتى المهذب المثقف، أو هذا ما كان يقوله الناس حتى سئمت من هذا القالب, رغم أنني كنت من الأوائل على مدرستي وما زلت، ولكنني انفتحت على العالم دون سابق إنذار؛ بسبب فتاة ما كانت إعجابي الأول. لكن هذا الانفتاح نتج عنه أنني اكتشفت أنني لو وضعت مجهود مذاكرتي في أي شيء ولو بنسبة 10% نجحت به وكنت الأول على من يفعلون هذا الأمر مثلي حتى لو كنت بدون خبرة فيه، ثم حدث ما لم أتوقعه بدأت حياتي تتحطم، ففقدت صديقي بسبب الإنترنت، وأصبحت لا أطيق أن أجلس عليه بسبب صديقي، أما التلفاز فأصبح مملاً لمن في سني، فقبل أن يبدأ الفيلم أستطيع تخيّل نهايته. بدأ الناس يقولون إنني مغرور رغم أنني أعاني بشدة من الفهم الخاطئ لكلامي؛ فالناس يفهمون 99% من كلامي خطأ، وأصارحك بأنني لا أهتم بكلام الناس ولكنني بدأت أصاب بالاكتئاب؛ لا أستطيع المذاكرة ولا قراءة كتاب ولا الجلوس أمام الإنترنت، وأصبحت أشكك بقدراتي رغم أنني كنت أثق بها ولا تخذلني أحس أنني أعيش في كابوس، وتتوالى خبطات الدنيا على رأسي، فبدأت أفقد الأصحاب والأصدقاء بسرعة. أرجوك ساعدني بسرعة قبل أن أخسر آخرهم.. casill صديقي العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في البداية أود أن أذكر لكي إعجابي بقدرتك على ملاحظة ذاتك ومعرفة قدراتك وإدراكك لمشاعرك وسلوكك.. فهذا قد يصعب على البعض في سنك وفى مرحلة المراهقة تحديداً.. لكن من الواضح أنك قد أعطاك الله من الذكاء والقدرة على تفحص الذات ما يساعدك على أن ترى ذاتك وتعبر عن نفسك.. فالمراهق دوماً ما نجد أن أهله هم من يأتون إلينا للمشورة لكن من النادر أن يدرك المراهق تغيره وحالته النفسية.. لكن وإن كان الذكاء نعمة؛ لأنه يساعدك على الوعي وطلب المساعدة لكن تكمن المشكلة في أن الرؤية للذات يصاحبها نوع من الألم النفسي.. لكن لا بأس نستطيع أن نحول خبرة الألم إلى أمر إيجابي بإذن الله. والآن تعالَ معي نصف ما أنت عليه ونحاول اكتشاف أسبابه، ونرى كيف نعالج هذا الأمر بإذن الله لنعبر إلى مرحلة النضج والشباب ونحن بصحة نفسية تؤهلنا للنجاح.. والسؤال الآن هل أنت مكتئب فعلاً؟ في الواقع يا صديقي ما ذكرته يشير فعلاً إلى أعراض اكتئاب.. حيث فتور ونقص الدافعية للإنجاز، الشعور بالحزن، عدم الرغبة في ممارسة الأنشطة السابقة أو الشعور بالملل عند ممارستها، وما هي الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى هذه الحالة: 1- التغير الفسيولوجي البيولوجي والمتمثل في ارتفاع مستوى الهرمونات الجنسية التي تؤثر على المخ. 2- وجود صراعات مع الأسرة والتي ترتبط أساساً بالاستقلالية.. وأنت لم تذكر لي شيئاً عن الأسرة ولا أعلم إذا كان هناك نوع من الصراع ورفض لسلطتهم والشعور بتسلطهم، فأحياناً قد يشعر المراهق بأن كل ما يفعله من أنشطة لم تكن باختياره، لكن بشكل أو بآخر قد رسمها له الوالدان، ومن ثم فهو يرغب في أن يتخلص من سلطتهما، ويريد أن يشعر بأن له شخصية ورأيا، ومن ثم يكره في اللاوعي كل ما كان يفعله من أنشطة لربطه بالسلطة. 3- التورط والانسياق في علاقات عاطفية وهي في الغالب تنتهي بالفشل؛ لأنها ليست لها أي معنى ما دمنا نتكلم في الإطار الشرعي. 4- عدم وضوح الأهداف المستقبلية. لكن هل كل إنسان يصاب بالاكتئاب في مرحلة المراهقة؟ في الواقع لا؛ لأن هناك عوامل معينة في الشخصية والبيئة الأسرية تؤدي إلى الوقوع في الاكتئاب في مرحلة المراهقة، وعليك بالتأمل جيداً في هذه العوامل حتى تكتشف جزءاً مهماً يؤثر في حياتك ليس الآن فقط ولكن ربما يلازمك فيما بعد، ويكون سبباً في نوبات متكررة من الاكتئاب. فما هي هذه العوامل وهي ما نطلق عليه عوامل الخطورة؟ - ضعف الثقة بالنفس، وقد يحدث ذلك نتيجة للتأثر بخبرات سلبية في مرحلة الطفولة نتيجة النقد من الأسرة أو أن يكون أحد الوالدين له شخصية وسواسية، فيمثل ضغطاً عصبياً شديداً على الطفل الذي لا يشعر أبداً بالتقدير لأي عمل يقوم به؛ لأن هذا الأب لا يعجبه أي شيء، كما أن التعرض للإيذاء البدني أو فقدان أحد الوالدين مبكراً قد يكون سبباً أيضا في ضعف الثقة بالنفس، والإصابة بالاكتئاب في المراهقة، وفقدان أحد الوالدين ليس بالضرورة أن يكون بالوفاة بل يكون غياباً معنوياً نتيجة للسفر، أو لأنه يضن بمشاعر الحب والحنان لأبنائه نتيجة لعوامل في شخصيته.. وماذا يجب أن تفعل الآن؟ 1- مراجعة الأسباب جيداً وتحديد ما تراه في نفسك منها. ومحاولة إزالة ما يمكن إزالته من أسباب.. مثل تجنّب العلاقات العاطفية التي تورط صاحبها في مشاعر ورغبات لا يمكن تصريفها في هذه المرحلة ما دمنا نخشى الله.
2- مراجعة عوامل الخطورة وتحديد ما إذا كان لها دور فيما أنت عليه الآن أم لا. 3- في حالة استمرار حالة الاكتئاب والشعور بأنك لا تستطيع أن تتحرك للأمام وتشعر بتدهور على المستوى الأكاديمي والاجتماعي، فلا تتردد أن تسعى لطلب زيارة طبيب نفسي متخصص في طب نفس المراهقين.. فربما تحتاج لعلاج دوائي حتى يساهم في ذهاب الأعراض بشكل سريع يساعدنا بعد ذلك، ويمهد لبدء العلاج المعرفي السلوكي الذي سيساعدك على فهم ذاتك وبناء شخصيتك.. لكن بفرض أنك لن تستطيع الذهاب للطبيب النفسي، فلنحاول أن نسير على بعض خطوات العلاج المعرفي، فلعلها تساعدك في اجتياز أزمتك، مع العلم أن الأمر سيحتاج منك لوقت أطول إذا قمت بالتنفيذ دون مساعدة الطبيب أو المعالج النفسي. لكن الأمر يتوقف على عزيمتك وإصرارك على اجتياز الأزمة التي ستعبر بك بإذن الله إلى حياة صحيحة من الناحية النفسية.. وما هي هذه الخطوات؟ 1- اعترف بينك وبين نفسك أن ما تعاني أنت مسئول عنه بنسبة كبيرة حتى وإن كانت الظروف الأسرية والاجتماعية من حولك هي التي ساهمت في حالتك. 2- راجع نفسك في علاقتك بربك وهل شابها تغيير؟ فقد يحدث في المراهقة تراجع في العلاقة بالله من حيث المواظبة على الفرائض والاستسلام للقصص العاطفية بل وتذبذب العقيدة أحياناً وهذا يُخفي في طياته رغبة عارمة في التمرد على أي سلطة بما فيها السلطة الإلهية.. عليك أن تؤكد لنفسك أنه لا ملاذ لكِ إلا الله.. وهذا لا يعني أن تتخذ من الدين حيلة دفاعية بحيث تنكر أي مشاعر سلبية تجاه العبادة مثلاً، أو أن تنكر رغبتك في إقامة العلاقات العاطفية.. لا تنكر بل اعترف لنفسك أنك تريد أن تفعل ذلك، وأن ذلك أمر طبيعي، لكن لا بد من كبح الأهواء حباً في الله. 3- راجع أهدافك المستقبلية، وهذه من أهم الخطوات التي تجعلك تمقت النظر للماضي والرغبة التي قد تلوح أحياناً في الرجوع إلى مرحلة الطفولة التي تعني الاعتمادية والتخلي عن أي مسئولية.. فأنت الآن تقع على عاتقك مسئولية كبيرة.. مسئولية البحث عن الهوية.. من أنا؟ من أكون؟ ماذا أريد في هذه الحياة؟ ما هي الصورة التي أودّ أن أرى عليها نفسي؟ في جميع المجالات.. الأكاديمية.. الاجتماعية.. الدينية.. وإذا استطعت أن تحدد بوضوح الصورة التي تحب أن ترى عليها نفسك ستبدأ في تحديد الأهداف ومن هنا لن تشعر بالملل؛ لأن وقتك مشغول بالطبع في تنفيذ الأهداف واحد تلو الآخر.. إذن أن تسير في حياتك وفق خطة واضحة ومرسومة، فلا تشعر بأن ما تفعله ليس له معنى، أي أن تجعل لكل ما تفعل في حياتك معنى تستطيع أن تصيغه بعبارات واضحة، وتعالَ معي نحاول سريعاً أن نبدأ في طريقة وضع الأهداف.. عليك بإحضار ورقة وقلم: 1- اكتب ما تطمح إليه في جميع المجالات: الأكاديمية، الاجتماعية، الدينية... 2- اكتب نقاط القوة التي تراها في نفسك وكذلك نقاط الضعف.. وحاول أن تحدد كيف أن نقاط الضعف هذه قد تحول بينك وبين تحديد الهدف.. اجتهد أن تقرأ وتسأل وتعرف كيف تتغلب على نقاط الضعف. 3- اجعل الأهداف التي قمت بتدوينها تسير وفق خطة زمنية.. على أن يكون هناك أهداف بعيدة المدى يسبقها العديد من الأهداف قصيرة المدى.. مثلاً أن تريد أن تصبح طبيباً.. هذا هدف بعيد المدى.. الهدف قصير المدى هو أن عليك أن تذاكر جيداً وتجتهد وتقرأ كثيراً فيما يخص هدفك.. أن تريد أن تحفظ القرآن.. هذا هدف بعيد المدى، وليكن في خلال عدة أشهر إذن خلال الأيام القليلة القادمة، عليك أن تلتحق بإحدى دور التحفيظ وتواظب على الحضور والحفظ.. أن تريد أن تكون شخصاً جذاباً ويكون لك العديد من الأصدقاء وألا تخسر أصدقائك.. هذا هدف بعيد المدى يسبقه أهداف قصيرة المدى مثل دراسة وقراءة عن كيفية كسب الأصدقاء ومقومات الشخصية الجذابة... وهكذا. 4- دون وراقب جيداً ما تسعى إلى تحقيقه من أهداف، وهل تسير وفق خطتك أم إنك تكثر من التغيير.. بالطبع لا مانع من المرونة في وضع الأهداف وسبل تحقيقها لكن هذا في حدود فلا يصح مثلاً أنني اليوم أقرر حفظ القرآن وأبدأ في دروسه ثم أتركه بعد أسبوع للبدء في رياضة معينة ثم أتركها لتعلم دروس في الموسيقى ثم أتركها لتعلم الكمبيوتر.. فإذا حدث ذلك فهذا يشير إلى احتياج لمساعدة معالج نفسي؛ لأن التخبط الشديد في تنفيذ الأهداف يشير دوماً لخلل في الشخصية وصراعات نفسية ويحتاج لعلاج نفسي. ولا أخفيك سراً أن ممارسة الرياضة من أهم سبل الدعم النفسي لمرحلة المراهقة؛ لأنها توظف الطاقة البيولوجية في هذه المرحلة بشكل جيد، كما أن الرياضة يفرز معها مورفينات طبيعية في المخ تؤدي إلى شفاء أعراض الاكتئاب.. وفقك الله وتابعنا بأخبارك.