السنوسي محمد السنوسي أظن أنها المرة الأولى في تاريخ مصر، وأيضًا في تاريخ أي دولة بوجه عام، يكون كثرة المترشحين لمنصب زي الرئاسة دليلاً على الفشل وخيبة الأمل، وليس على النجاح وتوافر البدلاء!!
كان المفروض أن ننظر إلى كثرة المترشحين للرئاسة، والذين فاق عددهم ال600 نظرة إيجابية تدل على حيوية المجتمع الذي يمتلئ بالمواهب والكفاءات، خاصة أن المخلوع مبارك كثيرًا ما قال إنه لم يجد شخصًا مناسبًا يعيّنه نائبًا له!!
كان من المفروض أن يتم هذا لو لم يكون معظم هؤلاء المترشحين من "المُنْخَنِقَة والموقُوذَة والمتردِّية والنطِيحَة وما أكلَ...."!!
باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليدين على الأكثر، فالمترشحون حالهم لا يسرّ عدو ولا حبيب، إلا حبيب العادلي!! منهم لله، خلّوا سيرة مصر على كل لسان، ولا سيرة المرأة اللعوب!!
هو في حد قال لهم إن مصر امرأة فاتها القطار وعايزة ضلّ أي راجل والسلام!! إحنا فعلا عايزين "رئيس"، بس مش لدرجة أن يترشح سباك أو قهوجي أو عربجي.. مع حفظ الألقاب للشرفاء من أصحاب هذه المهن الشريفة.. لكنها أبدًا لا تصلح للرئاسة.
ده لو كان كرسي العُمودية ولا حتى شيخ الغفر، ماكانش حد من دول اتجرأ وهوّب ناحية الدوّار.. مش يسحب أوراق الترشح.. ده كان المفروض يسحبوه على نقالة!!
ليس عندي أي حساسية تجاه أصحاب أي مهنة ما دامت شريفة.. لكن ادّيني عقلك وخد عقلي، وقول لي: الأخ القهوجي رايح ناحية لجنة الترشيح يعمل إيه؟! هو مفكّر إنهم بيوزعوا شاي وسكر، فرايح ياخد تموين القهوة؟! طيب ما ياخد حقه ناشف أحسن، الله لا ينشّف ريقه!
المهم إن البعض بيظنّ -وبعض الظن حق!- أن هناك من دفع مثل هؤلاء "المُنْخَنِقَة والموقُوذَة والمتردِّية والنطِيحَة وما أكلَ...!!" إلى الترشح؛ علشان يحوّل منصب الرئاسة الذي له من المهابة ما له، خاصة عند الشعب المصري الذي كان يعبد رؤساءه أيام الفراعنة، وحتى بعد الإسلام أصبح يعاملهم كأنه يعبدهم (أستغفر الله).. يحوّل هذا المنصب إلى لعبة وأضحوكة وسخرية واستهزاء.. وكأن الثورة جرّأت الرعاع على المساس بمهابة الدولة، وماجاش من وراها إلا وجع الدماغ!!
ومما يجعل لهذا الظن بعض المصداقية، أن هذه النوعية من المرشحين يتبين بوضوح من خلال كلامهم مع وسائل الإعلام -التي احتفت بهم!- أنهم فعلاً لا يمكن أن يقدموا على اتخاذ هذه الخطوة إلا بدافع، ليس من أنفسهم طبعًا، بل من جهات خارج أنفسهم.. والحِدِق يفهم!!
أما عن احتفاء وسائل الإعلام بهم، فهذا أمر لازم نقف معاه وقفة.. طبيعة الإعلام أنه يبحث عن الغرائب والعجائب والنوادر وعن أبو رجل مسلوخة؛ علشان يلفت القارئ ويلوي عنقه ناحية صحيفة محددة تتنافس مع عشرات بل مئات الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى.
لكن هذه الخاصية اللازمة للإعلام، والتي تعطي الصحفي الحق في أن يجري وراء الخبر العجيب والغريب حتى لو كان تافهًا وبلا أي مضمون، مثل الجري وراء زواج أو طلاق راقصة، بينما يتجاهل خبر وفاة عالم أو أديب أو مخترع.. هذه الخاصية لا بد أن تنضبط بالحسّ الوطني والأخلاقي للمهنة وهو ما يعرف ب"ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي".. ولا بد أن يجعل الصحفي أو الإعلامي رقيبًا عليه من داخله؛ لأنه مؤتمن على وعي وعقول الكثيرين..
تخيل لو أن هؤلاء "المرشحين" ذهبوا لسحب أوراق الترشح ولم يجدوا وسيلة إعلامية تحتفي بهم وكأنها وقعت على كنز! كان "خبرهم انتهى" وكأنك يا أبو زيد ما غزيت!!
أما الصحافة الفاضية قد أبرزت صورهم وأخذت منهم "تصريحات"، وراحت تتابعهم وهم يوقّعون على الاستمارات، ولاحقت بعضهم وهو يركب الأتوبيس، وأخبرتنا بأن أحدهم مراته عامله له ملوخية!! ما هذا السفه والاستخفاف بعقولنا؟؟!!
خلاص بقينا فاضين لكل تافه وناعق وأبو رجل مسلوخة مترشّح!! قضايا البلد ومشاكلها خلاص بحّ، ومافاضلش إلا المقاول والقهوجي المترشح للرئاسة.. مش يمكن كان قصده "رئاسة الأنفار" مش "رئاسة الدولة"!!
على العموم، هذا السفه الجاري الآن حول انتخابات الرئاسة، والذي بعضه غير عفوي وغير عشوائي يثبت من جديد أن معركة الرئاسة ربما تكون الخطوة الأهم في مسار استكمال الثورة، وبناء المؤسسات الفاعلة..
ولذلك فالجميع يراهن عليها، سواء الحريصون على إكمال مشوار التغيير لنهايته، أو الذين يريدون العودة للوراء ووقف مسار الثورة عند حالة لا هي ثورة ولا يحزنون.. لكن الله سيخيب ظنهم، والشعب صاحي لكل الألاعيب!!