قال البعض: كنا نظن أننا ننافس تونس على لقب "الثورة الناجحة"، ثم اكتشفنا أننا ننافس الجزائر على لقب "بلد المليون شهيد"!! المرزوقي والتوافق مصر ليست تونس؛ فقد ردّ المرزوقي الرئيس التونسي على مذيع مصري سأله "بتحسّر": كيف نجحتم في التوافق وفشلنا فيه بمصر؟
فقال: لقد عملنا على التوافق منذ 20 عاما من الاتفاق على معارضة بن علي، ولم يكن وليدا للقاءات بعد الثورة. مصر ليست تونس؛ فالمرزوقي لم يأتِ من مناضلي الفضائيات، بل اعتقل بزنزانة انفرادية عام 1994 وأفرج عنه بعد حملة دولية، وتدخل نيلسون مانديلا. وواصل كفاحه، وتم نفيه لباريس عام 2011 ودعا للمقاومة السلمية لبن علي وتحدّى النفي وعاد ليشارك التونسيين النضال. وحاز حزب المرزوقي على الترتيب الثاني بالانتخابات بعد حزب النهضة الذي شكّل الحكومة. فلمن يطالبون بمجيء رئيس توافقي كالمرزوقي بمصر أن يتذكروا أنهم يطالبون برئيس من حزب النور الحائز على الترتيب الثاني بمصر، وهو ما لا يرحبون به بالطبع! الداخلية والدفاع بتونس مصر ليست تونس.. فمنذ أسابيع قليلة تجمع المئات من أنصار قيادات فاسدة بوزارة الداخلية التونسية للاعتراض على إقالتهم بعد مرور أكثر من عام على "هروب" بن علي، وأشهر على تولي الرئيس المرزوقي للحكم وقيام حكومة وطنية بعد انتخابات حرة.. وصرح المرزقي بأن وزير الدفاع الحالي بتونس هو وزير الدفاع أيام حكم الهارب بن علي ولن يتم تغييره. العلماني والإرادة الإلهية مصر ليست تونس.. فالمرزوقي "العلماني" أعلن أنه جاء بالإرادة الإلهية ولم يقل بإرادة الشعب، وقال في أول خطاب له بأنه مسئول عن حماية كل من المتبرجة والمحجبة والمنتقبة، مع ملاحظة تجريم النقاب في عهد بن علي وحظر الحجاب بالمؤسسات والمدارس الحكومية ومنع المستشفيات الحكومية من توليد المحجبات!! ويواجه المرزوقي مشاكل في عقد الاتفاقيات الدولية وغيرها؛ لأنه رئيس مؤقت. المخلوع وبن علي مصر ليست تونس.. فالمخلوع يحاكَم هو وجمال وعلاء وبعض رموز نظامه، ونشكو من بطء المحاكمة ومن حيل دفاع المخلوع التي تسببت في تعطيل المحاكمة شهرين لطلب الدفاع رد المحكمة، والقاضي مطالب بالنظر بالآلاف الصفحات بينما "ينعم" بن علي وأسرته بالإقامة بجدة، والتي زارها المرزوقي مؤخرا وسكت عن قول السعودية بأنها لن تسلم بن علي؛ لأنها ترفض تسليم من "استجار" بها، وذهب المرزوقي للسعودية للبحث عن تحسين العلاقة والمشروعات المشتركة، واكتفى بحق تونس في محاكمة بن علي.. أخطأ ولم يدافع عنه أحد مصر ليست تونس.. فالمرزوقي رفض العيش بأي قصر من القصور الرئاسية، وباع 4 قصور واستقبل كل الأحزاب وكلّف الوزير الأول (أي رئيس الوزراء) بتشكيل حكومة في أقل من 48 ساعة من توليه الحكم، وأعلن أنه "مضطر" للعيش في "فيلا"، وسيقضي يوما بالأسبوع بمنزله القديم وسط كتبه؛ لرفضه للزخارف بالقصور التي يراها تجعل الرئيس يبتعد عن الشعب..
وعندما أخطأ وأهان الشيخ وجدي غنيم عند زيارته لتونس سارع بالاعتذار، ولم يدافع أحد عنه، بينما بمصر يحظى معظم المرشحين للرئاسة بقداسة غير مبررة.. تونس والجنة ولمن يظنون أن تونس تحيا في الجنة بعد الثورة نخبرهم بالتالي: مدّد المرزوقي العمل بقانون الطوارئ المفروض بالبلاد منذ 14 يناير 2011 ثلاثة أشهر وتمنح حالة الطوارئ المحافظ صلاحيات استثنائية واسعة كفرض حظر التجول ومنع الإضرابات. وتعطي وزير الداخلية صلاحية وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية، والتفتيش ليلا ونهارا، ومراقبة الصحافة والمنشورات والبثّ الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية، دون الحصول على إذن مسبق من القضاء. السياحة والأمن والإضراب تعاني تونس من الكساد السياحي الذي يخنق التجار، مع تراجع قطاع السياحة منذ اندلاع الثورة للنصف، والانفلات الأمني والاضطرابات الاجتماعية. واتهم الاتحاد العام التونسي للشغل -أكبر منظمة نقابية بتونس- أطرافا في السلطة بالسعي لإرساء ديكتاتورية جديدة بالبلاد بعد حرق مقره، إثر إضراب بدأه موظفو البلديات بتونس، تسبب في تراكم النفايات والفضلات المنزلية بالشوارع، وقيام البعض بوضع النفايات أمام مقر الاتحاد الداعي للإضراب!! تخريب الثورة اتهم المرزوقي أحزاب أقصى اليسار باستغلال الاحتجاجات الاجتماعية "لتخريب الثورة"، ومجموعة من أزلام النظام البائد واعتبر الأغلبية الساحقة من التونسيين ضد الاعتصامات. تونس ليست مصر فحجم أطماع أمريكا وإسرائيل ومحاولاتهما لإجهاض ثورتنا أضعاف كراهيتهما لثورة تونس مفجّرة الربيع العربي. ولا ننسى بالطبع أطماع الغرب وفرنسا في تونس وسعيهم لسرقة ثورتها. تونس ليست مصر.. فلم يقم الإعلام والنخب فيها بسب الشعب التونسي بعد فوز الاسلاميين بالأغلبية في بلد كانوا يدخلون المساجد فيه بالبطاقات الشخصية؛ لمراقبة الأمن للمصلين، ولم يحرص نواب البرلمان التونسي على "التزويغ" من الجلسات للظهور بالفضائيات، ولم يصرخوا عندما تم رفع الجلسات لأداء الصلاة، وليس لديهم نائب بالبرلمان يقوم بجمع التوقيعات لإنشاء مجلس شعبي ينازع البرلمان، كما فعل محمد أبو حامد، ولم يسارع نواب الأقلية للشكوى بالفضائيات؛ لأن رئيس المجلس لم يعطهم الكلمة بعد ثاني وثالث جلسة، ولم يهرول النواب للفضائيات لطرح ما ينوون قوله بالبرلمان من أجل "الشو الإعلامي"! الدستور والتوافق تونس ليست مصر.. فقد تشبّث المرزوقي بالتوافق بين القوى "الحقيقية" بالشارع التونسي والأكثر تواجدا به، واعتبره "مدرسة" جنّبت التونسيين "حربا أيديولوجية" بين العلمانيين والإسلاميين، فتركوا خلافاتهم العقائدية والفكرية ليحلوا المشاكل الفعلية للبلاد، وذكّر بتاريخية التحالف وصلابة قواعده ورفض الانزلاق لمقولة صراع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وحرص على آليات للتواصل الدائم بين الرئاسات الثلاث. واعتبر المرزوقي أن كتابة الدستور لن تكون فيها أية مشاكل، فالجميع متفق على الهوية العربية الإسلامية لتونس، والاتفاق على مدنية الدولة قائم بين كل الأطراف. هزيمة بلا حروب إذا أردت أن تهزم شعبا بلا حروب فدمر روحه المعنوية.. هذه حقيقة مؤكدة.. ومن يردد أننا تأخرنا عن تونس ينقسم لنوعين: الأول متحمس للغاية ويتعجّل ثمار الثورة. والثاني محبط جدا ولا يرى إلا ما يسوؤه. وبكل الود والاحترام نودّ تبنّي "الوسطية" من التيارين. فمصر ليست أقل من تونس قياسا لكثرة مشاكلنا، ولأن الفساد لدينا أكبر ونخبتنا فاسدة كما شهد شاهد من أهلها وهو د.جلال أمين وما زالت، وغالبية الإعلام يزرع الإحباط في نفوس المصريين، ويتجاهل هروب بن علي و"تمتع" عبد الله صالح بإقامة مريحة بأمريكا هو وأسرته، وبالطبع فإن دماء شهداء تونس واليمن "غالية" مثل دماء شهدائنا، ولكن "التسخين" الإعلامي مقصود؛ لغسيل "السمعة" ولتحويل أنظار المصريين عن النهوض الحقيقي بمصرنا، واستكمال مطالب الثورة وأهمها العدالة الاجتماعية التي تتطلب "حصار" جذور الفساد التي تتمتع بالحرية الكاملة بمصر، وإلهائنا بمحاكمة مبارك المسجون -أيا كان نوع سجنه- فكما قال بائع متجول: السجن "ذل" ولو كان في قفص من ذهب،وأثبت امتلاكه لوعي لو تم توزيعه على نخبة المخلوع وإعلامه لتغيرت أوضاعنا.. وعلينا طرد تأثيرهم الضار جدا بالوعي وبكل أسباب الانتصار على الثورة المضادة، ولنحقق لمصر ما تريده من تقدّم تستحقه والقصاص العادل من كل من ساعد أعداء الخارج والداخل، وقام بترويع وسرقة أي مصري وليس من قتل أو أصاب مصريا فقط..