يوم 25 يناير عندما نزل الشباب الواعي.. خيرة شباب مصر.. كل ميادين وشوارع مصر.. بالرغم من اختلاف أطيافهم.. فإنهم اتفقوا على هتاف واحد يعبر عن مطالبهم، وهو "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية". ثم اتفقوا بعدها على أن يضيفوا إليه هتافا آخر، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام".. طاف الشباب الميادين يهتفون بهذين الهتافين الذين يلخصان مطالب وأهداف ثورة 25 يناير البيضاء.. ومن خلال موقعنا سنقف -بعد مرور عام كامل على اندلاع الثورة السلمية البيضاء- على ما تحقق من مطالبها وما لم يتحقق منها حتى الآن؟؟!!
بالإضافة إلى هذين الشعارين كان ثوار 25 يناير يعلقون لافتات تحمل أهم مطالبهم وهي: رحيل الرئيس سابقا والمخلوع حاليا حسني مبارك عن الحكم. إنهاء حالة الطوارئ فورا. حل مجلسي الشعب والشورى "المزوّرين". محاكمة فورية للمسئولين عن قتل ثوار 25 يناير. محاكمة عاجلة لجميع رموز الفساد وسارقي ثروات الوطن. إقالة الحكومة (حكومة نظيف) وتشكيل حكومة انتقالية من شخصيات مستقلة عن الحزب الوطني الحاكم سابقا والمنحل حاليا. لنرى ما تحقق من جميع هذه المطالب..
فلنبدأ ب"العيش".. كلمة "عيش" التي نادى بها الثوار بمعناها القريب هي رغيف العيش الذي من الصعب الحصول عليه، ولتحصل عليه فعليك بالوقوف في طابور طويل عريض يحدث فيه الكثير من المشاحنات والاشتباكات التي تنتهي بمقتل شخص على الأقل أو محضر في القسم. هكذا كانت الناس تحصل على "العيش" في عهد مبارك
في الحقيقة حتى الآن الناس لا تجد رغيف العيش، وإذا وجدته فتكون هذه هي النتيجة...
للعلم.. هذه الطوابير تم تصويرها في شهر إبريل الماضي، بعد تخلي مبارك عن منصبه على حد قول اللواء عمر سليمان، نائبه سابقا.. هل ترى تغييرا ملموسا؟ هل تلاحظ تغييرا من الأساس؟! وإذا كنت تريد معرفة الوضع حاليا وليس بعد ثلاثة أشهر فقط من قيام الثورة.. فإليك آخر أخبار رغيف العيش.. "أصيب في أول شهر يناير الجاري 4 أشخاص بطلقات نارية في الرأس في مشاجرة بأسيوط؛ بسبب شراء الخبز من أحد المخابز حيث تم نقل المصابين في حالة خطيرة إلى مستشفى أسيوط الجامعي". وخبر ثان يقول: "وقع 5 أشخاص بين قتيل وجريح إثر مشادة للحصول على الخبز بمركز جهينة في سوهاج تم خلالها إطلاق أعيرة نارية من صاحب المخبز".
وعن المعنى البعيد لكلمة "العيش".. فهو تعافي الاقتصاد المصري.. والذي من المفترض بعد تعافيه سينعكس بالطبع على المواطن البسيط، الذي سيحصل على أنابيب البوتاجاز.. والبنزين.. و..... في فترة ما قبل الثورة من أجل أن تحصل على أنبوبة بوتاجاز واحدة، كان يتوجب عليك الوقوف في طابور ليس له آخر.. طابور لا ينتهي أبدا، وكما كان عندنا "قتيل طابور العيش"، فلم نكن محرومين أبدا من "قتيل طابور الأنابيب".. سأترك الصور تصف لك حال أنابيب البوتاجاز في هذه الفترة.
بعد الثورة طرأ تغير كبير على حال أنابيب البوتاجاز، لم نعد نرى طوابير الأنابيب بعد، لكننا أصبحنا نرى أوجه أخرى، وهي قطع الأهالي للطرق؛ احتجاجا على عدم توفر الأنابيب أو احتجاجا على ارتفاع أسعارها في جميع محافظات مصر والذي وصل في بعض المناطق إلى 45 جنيها، وقطعهم أيضا خطوط السكك الحديدية، إضافة إلى الاشتباكات التي تحدث بين الأهالي كلما تيسر لهم رؤية سيارة الأنابيب.. لكن لا نستطيع هنا أن ننكر أن هناك لجانا شعبية يتم تشكيلها في معظم المناطق بالمحافظات لتوفير الأنابيب للمواطنين كما سنرى.
وعلينا هنا أن نذكر أن محافظة المنيا سجّلت أقسى صور أزمة أنابيب البوتاجاز، حيث تجلت أبشع صور الأزمة في تسبب التزاحم والتكالب لتحقيق حلم الحصول علي أنبوبة البوتاجاز في مقتل أصغر ضحايا الطوابير وهو جنين في الشهر السادس في بطن أمه. أما عن مشكلة البنزين فلم نحرم من "ظاهرة الجراكن" التي عادت بكل قوتها لما كانت عليه.
وزاد عليها طوابير السيارات التي تقف من الصباح الباكر للحصول على بنزين 80 و 90 المختفيين من السوق، وهو ما يؤدي بدوره إلى إغلاق شوارع بأكملها.
"حرية" كانت ثاني كلمة في شعار الثورة.. والتي كانت من أهم مطالب الثوار، كانت الحرية قبل الثورة تكاد تكون منعدمة تماما، وكان ممنوعا منعا باتا أن يعترض أي صحفي في مقال له على مؤسسة الرئاسة، وإذا حدث واعترض فيكون مصيره المحاكمة وأبرز مثال على تقييد الحريات في عصر مبارك البائد هو الصحفي إبراهيم عيسى عندما كتب عن مبارك وتم التحقيق معه على الفور بتهمة ترويج شائعات حول صحة الرئيس "سابقا".
وكانت الناس تنظم وقفات ويهتفون..
بعد الثورة فعلا تحققت الحرية بشكل كبير، وأصبح هناك فترة من الانفتاح، ومن الممكن أن ينتقد أي صحفي "أكبر راس في البلد"، لكن سرعان ما تحول الأمر وأصبح هناك تضييق على حريات الأشخاص ومحاكمات عسكرية للمدونين والصحفيين من المدنيين، وأصبح الأمر هكذا.
أما عن العدالة الاجتماعية، والمقصود بها إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، ووضع حد أدنى وأقصى للأجور وتطبيق الضرائب التصاعدية، وتحقيق التوازن بين الأجور والأسعار، وتوفير فرص عمل للشباب، وتعيين الموظفين، والعلاج على نفقة الدولة.
وما زال الوضع باق على ما هو عليه، وحتى الآن لم يتم تحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور، إضافة إلى قطع المتظاهرين للطرق، وظهور مظاهرات للعاطلين عن العمل هكذا.
وعن العلاج على نفقة الدولة فكان الوضع هكذا
وما زال الوضع باقيا على ما هو عليه، إضافة إلى أنه حتى الآن هناك أشخاص من مصابي 25 يناير لم يتم علاجهم على نفقة الدولة، ويعالجون إما على نفقاتهم الخاصة أو على نفقات أهل الخير.
وإذا عدنا إلى باقي مطالب الثورة فسنجد..
بالنسبة لأهم مطلب وهو رحيل مبارك عن الحكم، فقد تم بالفعل إضافة إلى محاكمته في قضية قتل ثوار 25 يناير وتصدير الغاز لإسرائيل.
كان وضع مبارك في السابق هكذا..
وأصبح الآن هكذا، مع وجوب القول بأنه وبعد مرور عام بأكمله على الثورة المجيدة إلا أنه لم يصدر ضد مبارك حكم في هذه القضية، ربما يرجع السبب في ذلك كما قال وزير العدل الحالي إلى طلب "رد هيئة المحكمة"، ولكن الشيء الحقيقي الملموس هو أن قلوب آباء "شهداء" الثورة ما زالت مكلومة، ولم تلتئم جراحها بعد.
وعن مطلب إنهاء حالة الطوارئ فبعدما تعهّد المجلس العسكري في ثاني بياناته أنه سيتم وقف العمل بقانون الطوارئ قبل موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر الماضي، عاد المجلس لتفعيل هذا القانون بموجب المرسوم رقم 193 لسنة 2011 مع إجراء بعض التعديلات عليه مثل تطبيقه على حالات محددة لمواجهة حدوث اضطرابات في الداخل؛ وجميع أخطار الإرهاب، والإخلال بالأمن القومي، والنظام العام في البلاد، أو تمويل ذلك كله وحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار بها، فضلا عن مواجهة أعمال البلطجة، وتخريب المنشآت وتعطيل المواصلات وقطع الطرق، وبث وإذاعة أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة.
في عهد مبارك البائد كان بموجب قانون الطوارئ تستطيع الشرطة القبض على أي مواطن في أي وقت بسبب أو من غير سبب، مثلما رأينا ما حدث مع خالد سعيد والسيد بلال اللذين أصبحا شهيدي الطوارئ، وغيرهما من الذين لا نعرف أسماءهم.
أما في هذه الأيام التي نعيشها فما زال هناك الكثير ممن ينادون بإنهاء العمل بهذا القانون سيئ السمعة، إلى أن أعلن المشير طنطاوي إنهاء حالة الطوارئ يوم 24 يناير 2012 إلا في حالات البلطجة. وعن أحد أهم أسباب قيام الثورة الذي يتمثل في حل مجلسي الشعب والشورى "المزورين" فقد تحقق هذا المطلب بعد ما كان يحدث هكذا.
صحيح أننا لم نحرم من رؤية طوابير العيش والأنابيب بعد مبارك، لكننا رأينا أخيرا طوابير الانتخابات "النزيهة" التي كنا نتمنى رؤيتها في يوم من الأيام.. وأصبحنا نرى هذه الصورة المشرفة..
وهنا علينا أن نتذكر قرار المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني وتصفية جميع ممتلكاته وأمواله وأن تؤول للدولة.. وتعدد الأحزاب على الساحة بعد إصدار المجلس العسكري لقانون تكوين وتشكيل الأحزاب الجديد رقم 2 لسنة 2011 اعتبارا من إبريل الماضي، وأصبح الوضع هكذا.. ورأينا برلمانا جديدا نأمل أن يحقق أهداف الثورة المجيدة. وعندما طلب الثوار إقالة حكومة نظيف آنذاك وتشكيل حكومة انتقالية من شخصيات مستقلة عن الحزب الوطني الحاكم سابقا والمنحل حاليا، تم إقالتها قبل رحيل مبارك، لتأتي بعدها حكومة شفيق وحكومة شرف وأخيرا حكومة الجنزوري، وبهذا نستطيع القول بأن شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" قد تحقق وإن كان يظن البعض أنه لم يتحقق بالشكل الكامل.
أما عن محاكمة جميع رموز الفساد وسارقي ثروات الوطن، فصحيح أنها تمت وبعضهم حكم عليه بالسجن لسنوات
كالعادلي..
وأحمد عز..
ورشيد محمد رشيد الذي لا يزال هاربا حتى الآن بالرغم من الحكم الصادر ضده.. وغيره من الهاربين...
بعد أن عرضنا أمامك بالصور ما كان عليه حال مصر قبل ثورة 25 يناير وبعدها.. وأهم ما تحقق حتى الآن من مطالبها.. نتركك -عزيزي القارئ- لكي تقرر بنفسك إذا كنت ستحتفل بهذا اليوم أم ستقول "الثورة مستمرة"..
سواء كنت ستحتفل أو ستطالب ببعض الحقوق فمكان اجتماعنا واحد.. وهو الذي وقفنا فيه في نفس اليوم.