"انتخب" لغويا تعني "اختار"، وعلّمتنا الحياة أن من يتنازل عن حقه في الاختيار سيضع نفسه رهينة لاختيارات الآخرين التي غالبا ما ستضرّه كثيرا.. ويؤكد الواقع أن من لا يُحسن الاختيار يلقى المصير السيئ..
فلنتقن مهارات الانتخاب في مجلسي الشعب والشورى ولرئيس الجمهورية..
ومؤخرا سألني البعض عمن سأنتخب فرددت: الأفضل أن يختار كل منا وفقا لرؤيته الخاصة، وبعد دراسة واعية لكل المرشحين؛ فالانتخاب نعمة يجب حسن استخدامها، وألا نترك غيرنا يؤثر علينا فلا نحولها لنقمة، وعلينا الاهتمام بها بكل جدية..
والجدية لا تقتضي الهم والاستنفار اللذين يستنزفان الطاقات، ولكنها تعني الاهتمام بذكاء وبمثابرة، وباليقين أننا الرابحون من حسن الاختيار والعكس صحيح..
ولنبدأ بالاختيار بالسلب باستبعاد كل من استغفلونا، ونرفض توسلاتهم لمنحهم أصواتنا؛ فنحن لا نتصدّق على من لا يستحق بالأموال، فكيف نعطيهم أحلامنا وأعمارنا وحقوقنا المشروعة لنعيش أحرارا ونتمتع بحياة كريمة، وبمعاقبة لصوص الوطن وسارقي أرزاقنا؟!
ولا مجال للحديث عن المجاملات أو العصبية لأي اتجاه فالانتخاب مثل الشهادة، فمن يقبل بأن يكون شاهد زور يخسر في الدنيا؛ لأنه لن يشعر بالحرية الحقيقية والتي ترفض أية قيود سوى ضمير الإنسان، وسيخسر في الآخرة لأنه يضع إنسانا في مكان ومكانة لا يستحقها، ويحرم نفسه وكل المصريين من نائب أفضل يمكنه إعطاء الأفضل لمصرنا، ويساعد بجدية في إزالة تلال الفساد الرابضة بغالبية أنحاء بالوطن..
وجمعني مؤخرا لقاء بالعديد من مستويات مختلفة منهم رجل بالأربعينات كان الإحباط يحتل ملامحه وقال بيقين: لا فائدة من مجلس الشعب فسيأتي بكذا وكذا... وذكر شتائم وخفت من نشره للإحباط، فرددت عليه: ولماذا لا تحارب ما تكره ولا تكتفي من تنفس المرارة والإحباط وتصديرهما لغيرك؟
هذا ليس قدَرا لترضخ له؛ فبإمكانك المشاركة بإيجابية، ولا تقل صوتي لن يغيّر شيئا، فكثيرا ما تتغير النتائج بأصوات قليلة، وأحيانا بصوت واحد، وبإمكانك عدم الاكتفاء بصوتك بالتحرك بلطف وبإيجابية مع معارفك؛ لتخبرهم بمن تراهم الأفضل وتحذّرهم من الأسوأ، ولتنشر الوعي بضرورة ألا نعيش أرقاما يدير الآخرون شئونها وفقا لمصالحهم، وأن نكون بشرا نحترم إنسانيتنا فنختار من يمثلنا بعد التأكد من جدارتهم بذلك..
فإذا كنا عندما نرغب في شراء ثلاجة أو سيارة نتحرى جيدا عن أفضل المتاح بالسوق قبل الشراء، فما بالنا بمن سيتولون أمورنا الداخلية والخارجية لعدة سنوات؟
ولنتحرَّ بدقة عن كل الأحزاب لنتأكد أنها ليست من الفلول، وإن ارتدت ثوبا حزبيا مختلفا، وأن رؤساءها وأعضاءها البارزين ليسوا من الفلول، وليسوا من سارقي الشعب، وأن نتأنى قبل الاختيار ولننظر في الأسماء الموضوعة أعلى القائمة؛ ففرصها أكبر في الفوز..
ولنتمهل في الانتخاب الفردي فلا ننبهر بشهرة البعض ونبحث عن سيرتهم الذاتية بتأنّ ودون تعجّل ونتحرى عنهم وعن مواقفهم، ويمكن ذلك بالبحث عن أسمائهم عبر الإنترنت؛ لنعرف كيف كانوا قبل الثورة وفي بداياتها، وليس من يخدعوننا اليوم ببطولات زائفة، وبعضهم كانوا بلجنة الحكماء التي تشكّلت أثناء الثورة، وكانت تقاتل ليظل المخلوع في الحكم لإجهاض الثورة..
وأتمنى ألا نسمح لأحد بخداعنا بالصوت العالي؛ فالطبل صوته عال لأنه أجوف من الداخل!
وهناك صفحات على فيس بوك تنشر أسماء الفلول، وبعضهم ما زالوا يتصدرون الفضائيات..
فقاطعتني سيدة قائلة: هناك البعض يتحدثون بعنجهية ويتعاملون معنا على أننا أغبياء، وهم يحتكرون العقول ونحن عجول لا تفهم شيئا..
وبدا عليها الألم عند نطقها للكلمات الأخيرة..
فربّتّ عليها وطالبتها بالبخل عليهم بالألم وبصوتها أيضا وبأصوات من تحب، بإخبارهم بحقيقتهم؛ فمن يتعالى على الشعب هل يتخيل عاقل أن يقوم بخدمته وبرعاية مصالحه؟
فمن المنطقي أن يفرض أجنداته عليه..
ولنمنع أي مرشح من امتهان عقولنا بوعود غير واقعية؛ فهذا يدل إما على كذبه أو على نقص كفاءته وحسن تقديره للأمور وقدرته على قراءة الواقع قراءة صحيحة..
ولنرفض من يحاول شراء أصواتنا بالمال؛ لأنه سيقوم بالحصول على أضعافها من الشعب، وسندفع الثمن غاليا جميعا فضلا عن امتهانه لكرامتنا بهذا العرض، ويقينه بعدم جدارته بالفوز إلا بالرشوة، وهو ما يدفعنا لرفضه مجددا..
ولنرفض من يسخرون من الشعب أو ممن يسمونهم الأغلبية الصامتة ويرمزون لهم بحزب الكنبة، مما يدل على عدم احترام ونقص اللياقة وسوء الأدب والتعالي غير المبرر على الشعب، ولم يحدث له سابقة بالدنيا، لذا ننصحهم بتسجيله في موسوعة جينيس، وسنطبق عليهم المثل الشعبي الرائع "اديني حسنة وأنا سيدك"..
وأبدى البعض تخوفه من يوم الانتخابات وحدوث اشتباكات دموية، ورددت بأن هناك تعمدا إعلاميا لإثارة الفزع لدى الشعب، وعلينا تذكر كيف مرت الأيام التي خفنا فيها من الدماء مثل يوم الاستفتاء الذي مر بسلام رائع، ويوم شم النسيم وعيدي الفطر والأضحى، وكيف قلّت نسبة التحرش، ولا بد أن نكون أذكياء وألا نسمح لأحد بترويعنا، وأثق أن أيام الانتخابات ستكون أعيادا وطنية بمشيئة الرحمن بالطبع، ثم بتحلّينا بالذكاء والتنبه إلى مصالح من يريدون تأجيل الانتخابات وإشاعة الفوضى، وتذكّر أن إجراء الانتخابات هو البوابة الوحيدة للفوز بحياة ديمقراطية نستحقها جميعا، فلنتسابق في إنجاحها وإغلاق كل أبواب التراجع، أو خذلان النفس بعدم التصويت لمن نثق في أنه الأفضل..
وأتمنى أن نعرف مبكرا الدائرة الانتخابية التي سندلي فيها بأصواتنا من خلال الاتصال برقم 140 في الدليل وإعطائه الرقم القومي؛ ليخبرنا بمكان التصويت، مع ضرورة اختيار قائمة حزبية واحدة فقط وعدم الشخبطة أو كتابة الاسم أو أي شيء على البطاقة الانتخابية؛ حتى لا يبطل الصوت، وضرورة اختيار اثنين فقط من المرشحين الفرديين أحدهما من العمال أو فلاح والآخر فئات..
ولنرفض الادّعاء بأن البرلمان لن يمثل الشعب المصري، وسيضم الفلول ومن يمتلكون الأموال؛ فهذا غير صحيح فالقوائم الحزبية تضم غالبية الأحزاب الجديدة والقديمة، وتعطي التحالفات الحزبية الفرص للأحزاب الصغيرة بالوجود بمجلسي الشعب والشورى، وأكد د. وحيد عبد المجيد أن المجلسين سيضمان أكبر تمثيل لفئات الشعب المختلفة طيلة تاريخها بالمقارنة بما قبل ثورة يوليو..
ولنتوقف طويلا عند من يبالغ بالإنفاق المالي على الدعاية أثناء الانتخابات، ولا ننبهر بها؛ فالانبهار يعطل العقل الذي لا بد أن يكون الأداة الوحيدة للحكم وللاختيار وطرد أي تأثيرات سلبية، سواء أكانت بالتخويف أو بالترغيب، ولنصنع الديمقراطية التي نستحقها باختيار أصحاب النزاهة والأمانة والكفاءة؛ لأننا ومصر نستحق، ولأن العكس مؤلم للغاية..