أكد رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة في اليمن أحمد القرشي أن تنظيم القاعدة يقوم بتجنيد الأطفال للعمليات الانتحارية باستخدام الجانب الأيديولوجي والعقائدي لغسل أدمغتهم، مشيرا إلى أن نسبة الأطفال المجندين تصل إلى 40 في المائة من مجندي القاعدة في أبين.
ولفت القرشي إلى أن نجاح القاعدة في استخدام الأطفال في تنفيذ عمليات إرهابية يكمن في سهولة إمكانية انقيادهم وإقناعهم، إضافة إلى تنفيذ الأطفال للعمليات الموكلة إلهم بدون اعتراضات.
وتأسست منظمة "سياج" في أواخر العام 2008 من أجل حماية الأطفال ضحايا العنف، إضافة إلى رصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات التي تتم بحق الأطفال وتقديم الدعم القانوني لهم في المحاكم.
موقع الشرفة التقى بالقرشي وتحدث معه عن تجنيد القاعدة للأطفال. الشرفة: كيف تقيّم وضع الأطفال في ظل المواجهات المسلحة بين عناصر القاعدة وقوات الجيش في أبين؟
أحمد القرشي: هناك حرب عبثية في أبين تدور بين جميع الأطراف والأطفال هم الأكثر تضررا سواء الأطفال المجندون الذين يذهبون ضحايا المواجهات المسلحة وخاصة من يجندهم تنظيم القاعدة، أو الأطفال المدنيون.
حسب إحصاءات فرق "سياج" في المنطقة، هناك أكثر من 50 ألف أسرة نزحت من مدنها وقراها ما أنتج مدن خالية من السكان أو تكاد تخلو. في أبين هناك جماعة تسمي نفسها "أنصار الشريعة" تقاتل من داخل المدن في مشهد يشبه حرب الشوارع بما تخلفه من مآسي أخطرها استخدام الأطفال كمجندين.
"أبشع الجرائم ضد الإنسانية" الشرفة: هل لدى "سياج" إحصاءات عن عدد المجندين من الأطفال من قبل تنظيم القاعدة؟
القرشي: لا يستطيع أحد أن يقدّم رقما معينا عن عدد مجندي القاعدة من الأطفال أو الكبار؛ لأن الأمر في غاية الخطورة، لكن المؤكد لدينا أن نسبة الأطفال المجندين من هم دون سن الثامنة عشرة لا يقل عن 40 في المائة من عدد المجندين عموما. وارتباط المجندين بالتنظيم هو ارتباط عقائدي أكثر مما هو مصدر للرزق، بعكس تجنيد من هم دون سن الثامنة عشرة في القوات الحكومية والمرتبط بالحصول على مصدر رزق.
الشرفة: هل يعني ذلك أن التنظيم لا يستغل فقر الأسر لتجنيد الأطفال؟
القرشي: لا ليس كذلك، بل إن غالبية مجندي القاعدة هم من الفقراء والبسطاء، لكن طاعة القيادات والانصياع لأتباع القاعدة مرتبط بالجانب العقائدي والديني على أساس أن الانخراط في التنظيم هو جزء من تأدية العبادات أو الجهاد.
وأود الإشارة إلى أن التنظيم لا يستهدف بالتجنيد فقط أبناء الفقراء فهو سعى لتجنيد أنور العولقي وهو ليس من أسرة فقيرة، كما أنه يعتمد على تجنيد أبناء القبائل وأبناء الشخصيات الاجتماعية المهمة لاستثمار ذلك في إقناع الأسر الفقيرة وتشجيعها حتى لا تمانع في تجنيد أبنائها عندما ترى أن أبناء المشايخ أو الشخصيات المهمة في مقدمة الصفوف.
كما أن التنظيم بعد أن فرض سيطرته على جعار ثم زنجبار وفرض أنظمة خاصة به، بات حضوره الأقوى في المنطقة ما سمح له أن يجند من يشاء، خاصة أنه لا أحد يستطيع أن يخالف تعاليمه؛ لأن من يخالفها سينال العقاب الذي يحدده التنظيم وفي محكمة خاصة به. وكل هذه التصرفات هي انتهاكات ضد الإنسانية وخاصة الأطفال.
الشرفة: هل بالإمكان أن تعطينا فكرة شاملة عن هذه الانتهاكات؟
القرشي: التنظيم يمارس أبشع الجرائم والانتهاكات ضد الإنسانية وحقوق الإنسان في محافظة أبين والناس هناك مغلوبون على أمرهم.
وقد قام تنظيم القاعدة أو ما يعرف بجماعة "أنصار الشريعة" بممارسات تثير السخط بين المواطنين، ومنها إعدام شخص اتهم بقتل أحد أعضاء الجماعة، وكذلك إعدام طفل عمره 15 عاما في محكمة خاصة بالجماعة وفي محاكمة مستعجلة تفتقد إلى أدنى معايير المحاكمة العادلة، والمشكلة تكمن في وجود خوف شديد وتكتّم من الأسر ولذلك لا تستطيع الاعتراض.
كما أن الجماعة قطعت يد طفل عمره 15 سنة بتهمة سرقة كابلات كهربائية، وقطعت يد شخص آخر توفي متأثرا بجراحه.
هذه الممارسات تعيد للأذهان ما كان يحدث في أفغانستان. وأؤكد هنا أن مسألة تجنيد الأطفال جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب بحكم الأعراف الدولية السائدة، فما بالك بإعدام طفل أو قطع يده على يد منظمة إرهابية ليس لديها الحق بالقيام بذلك.
كما أشير إلى أننا في "سياج" لا نستبعد وقوع انتهاكات جنسية بحق الأطفال المجندين، إلا أن أسرهم والمجتمعات القبلية في اليمن لا يمكن أن تظهر مثل هذه الجرائم؛ لأن تقاليد المجتمع وأعرافه تعتبر البوح بهذه الجرائم نوعا من العيب وأنها تجلب العار للقبيلة.
القرشي: الأطفال أو المراهقون دون سن ال18 ينفذون العمليات الموكلة إليهم دون تذمر أو اعتراضات، والقاعدة ترتكز على جانب عقائدي وديني ينطلق من منظومة قيم سائدة في المجتمع ومقبولة جدا من أجل تجنيد الأطفال. كما أن التنظيم يستهدف الأطفال؛ لأنهم أكثر انقيادا لتنفيذ التوجيهات وأكثر حماسا ولدينا معلومات تؤكد أن الكثير ممن نفذ عملية انتحارية ليس هو من ضغط على زر التفجير، بل كان هو حامل العبوة فقط، بحيث يتم التفجير عن طريق شخص آخر عن بعد أو باتصال هاتفي. لذا يمكن القول إن الطفل الانتحاري قد لا يكون مدركا لما سيقوم به.
أضف إلى ذلك أن التنظيم يكني الأطفال الانتحاريين بأسماء الصحابة (وهم الرجال الذين رافقوا الرسول محمدا في أيامه) مثل أبو دجانة أو أي كنية أخرى لزيادة جرعة الحماس عند الطفل وحتى لا يتراجع عن تنفيذ العملية الانتحارية.
أما أسر هؤلاء المجندين فهي في الغالب لا تعلم أن ابنها منخرط في جماعة مسلحة، لكنها تلاحظ سلوكيات ابنها وكيف أنه ملتزم دينيا ويمارس الشعائر الدينية، لذلك تطمئنّ ولا تدرك المصير المجهول لابنها.
الشرفة: هل جرائم القاعدة وانتهاكاتها ستكون ضمن تقرير "سياج" لهذا العام؟
القرشي: كل الجرائم التي تحدثنا عنها ورصدتها المنظمة ستكون محتوى تقرير المنظمة لهذا العام، و"سياج" تصدر تقريرا سنويا، وهذه التقارير حققت نجاحات وأصداء على مستوى العالم حيث انعكست معلومات تقارير عام 2009 وعام 2010 في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والذي تحدثنا فيه عن استغلال الأطفال في النزاعات والحروب المسلحة في حرب صعدة.
وأنا أدعو المجتمع الدولي للمسارعة في مساعدة اليمن لأن يكون دولة نظام وقانون وأن يعود إليه الاستقرار؛ لأنه في حال استمر الوضع كما هو عليه فإننا سنرى اليمن أكثر سوءا مما كانت عليه أفغانستان ويبقى المستفيد الأكبر من الأحداث الجارية هو تنظيم القاعدة.