من مصراته في ليبيا إلي درعا في سوريا مرورا بمحافظة أبين في اليمن وقبلها مصر وتونس مازال الأطفال "ورد الجناين" والنساء يتساقطون ضحايا المعارك الدائرة بين الثوار والنظم العتيقة،وإذا كانت قصة الطفل حمزة الذي قتل علي يد القوات الأمنية السورية ، وفجرت جمعة أطفال الحرية في 3يونية الماضي لاتزال أصداؤها تدوي في العواصم العربية بسبب بشاعة الاعتداء علي الأطفال المشاركين في التظاهرات العفوية في المدن السورية واستمرارا لمسلسل قتل الأطفال، قتلت قوات الأمن الطفل حمزة بللة (عشر سنوات) في مدينة دوما في ريف دمشق بعد أن صدمته سيارة أمن بشكل متعمد. وأججت الحادثة مزيدا من الغضب علي قوات الأمن التي قتلت حتي نهاية يونية أكثر من 72 طفلا منذ بدء الثورة السورية، من بينهم الطفل حمزة الخطيب.،إلا انه من الثابت تاريخيا أن فتاة هي التي فجرت انتفاضة الغضب في سوريا عندما أعلنت مصادر حقوقية أن الكاتبة السورية الشابة طل بنت دوسر الملوحي استدعيت إلي أحد الفروع الأمنية في نهاية 2010 بتهمة كتابة مقالات علي الفيس بوك مناوئة للنظام وجري احتجازها لفترة طويلة إلي أن تفجرت الأحداث في درعا. عذراء الثورة المصرية أشهر شهيدات الثورة المصرية هي الشابة «سالي زهران»، التي قيل انه تم ضربها علي رأسها بالشوم وهي في اتجاهها لدخول ميدان التحرير، حتي أصيبت بنزيف في المخ ونالت الشهادة. «سالي» تربعت في قلوب جميع المصريين بابتسامتها النقية، وقال عالم الفضاء المصري، الشاب عصام حجي، إنه حصل علي موافقة وكالة «ناسا» الفضائية علي طلبه بوضع اسم «سالي زهران»، التي استشهدت في مظاهرات المصريين في ميدان التحرير، علي إحدي المركبات الفضائية المتجهة إلي المريخ، تكريما لها، وكنوع من مشاركته كشاب مصري خارج وطنه في هذا الظرف التاريخي لمصر. أطفال ضمن كتائب القذافي والمهم هنا أن ثمة نساء وأطفالاً يحصلون علي اهتمام دولي وإقليمي في حين أن هناك أطفالاً في بلاد أخري ومنها الصومال وجنوب كردفان ودارفور منسيون ،يقتلون بدم بارد علي إيقاع موسيقي الدبابات والمدافع، ويضاف إلي ذلك رصيد كبير من النساء اللواتي تم تعذيبهن أو اغتصابهن أو قتلهن خلال الحروب والثورات لاسيما في أفريقيا، وثمة روايات فظيعة تناقلتها وسائل الإعلام مؤخرا عن اغتصاب فتيات في البريقة واجدابيا وزليتن وهي المدن الليبية التي تشهد معارك ضارية بين الثوار وكتائب القذافي. وكشفت صحيفة "التليغراف" البريطانية أن قوات القذافي تستخدم أطفال وتلاميذ المدارس البالغ عمرهم 15 عاماً، في الخطوط الأمامية في المعركة الدائرة لاستعادة السيطرة علي بلدة مصراته. وأوضحت الصحيفة أن هؤلاء "المجندين" أكدوا عقب اعتقالهم من قبل الثوار أن قوات القذافي خدعتهم وأخبرتهم أنهم سيذهبون للمشاركة في تدريبات، ولدي بلوغهم الجبهة الأمامية منحوا بنادق وتعرضوا للتهديد بإطلاق النار عليهم حال محاولاتهم التراجع أو الفرار،وتم الاستعانة بمرتزقة من تشاد والنيجر بأجر شهري قدره خمسة آلاف دولار. وقالت مصادر في المعارضة الليبية ان أكثر من 400حالة اغتصاب تعرضت لها فتيات وسيدات في شرق ليبيا خلال الأيام العشرة الأولي من المعارك الدامية،ويتباري الطرفان المعارضة والقذافي في إظهار اثر المعارك علي الأطفال والنساء ونظم أنصار القذافي جولة لمراسلي الصحف والفضائيات في طرابلس لزيارة أحد المستشفيات حيث يرقد أطفال ونساء تعرضوا إلي القتل أو التعذيب علي يد ميلشيات المعارضة في حين ينفي المعارضون للقذافي ذلك ويقدمون الوجه الآخر لميلشيات ومرتزقة نظام "الكتاب الأخضر". اغتصاب النساء في الجزائر والعراق وفي الجزائر تعرضت عشرات الفتيات إلي الاختطاف والزواج الإجباري لكوادر في تنظيمات إرهابية مسلحة من بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي كما تعرض عشرات الأطفال إلي القتل في مناطق القبائل شرق البلاد،وتشير منظمة هيومان ووتش إلي 450امرأة وطفلاً تعرضوا إلي التعذيب والقتل والاغتصاب علي يد التنظيمات وفي العراق لايمر يوم دون أن يسقط ضحايا من النساء والأطفال جراء أعمال عنف غير مبررة، وأوضح التقرير الذي صدر عن جماعة «اوكسفورد ريسيرش»، وجماعة عراقية مستقلة حول أعداد الضحايا العراقيين المدنيين بين 20 مارس 2003 و19 مارس 2005، أن نحو 10% من الضحايا والبالغ عددهم 24.865 شخصا، من الأطفال. وأن واحدا من كل عشرة من هؤلاء، كان أصغر من 18 عاما. وواحدا من كل 200 من هؤلاء الضحايا، كان رضيعا عمره بين يوم وشهرين. يعني هذا أن قوانين حماية المدنيين في زمن الحرب، اتفاقيات جنيف الأربع، التي وقعت عليها كل دول التحالف الدولي في العراق لا تحترم. لكن هذا ليس مفاجئا في شيء، فالغالبية العظمي من القوي التي تنخرط في الحروب والنزاعات المسلحة، لا تعطي اعتبارا كبيرا لاتفاقيات جنيف، ولا لحماية المدنيين في زمن الحرب. غير أن أرقام الضحايا العراقيين، تكشف علي الأخص، أنه حتي الدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان، مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا واستراليا واليابان وبولندا وايطاليا، لا تعطي أي اهتمام لأوضاع المدنيين. تجنيد الأطفال في الصومال ونددت الأممالمتحدة بارتفاع وتيرة تجنيد الأطفال في الصومال خاصة في صفوف جيش شباب المجاهدين المناهض للحكومة المركزية فضلا عن انتشار العنف القائم علي التمييز بين الجنسين. وأكدت راديكا كوماراسوامي الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال في الصراعات المسلحة "استغلال بعض الأطراف الصومالية الأطفال للضغط علي الآباء للخضوع لهذه الانتهاكات".وقالت إن بعض المليشيات تعمل علي تجنيد الأطفال بصورة واضحة في صفوفها. ونوهت بأن رئيس قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال " أميسوم " أكد أنه سيقوم بوضع وحدة لحماية الأطفال ومراجعة قواعد القتال هناك. وأضافت كوماراسوامي أن قتل وتشويه الأطفال منتشر في الصومال مضيفة أنها التقت مع بعض الأطفال الذين ما زالوا يحملون آثار الرصاص علي أجسادهم،وحذرت الممثلة الخاصة أيضا من انخراط الأطفال إلي جانب الكبار في أعمال القرصنة في بوساسو. مشيرة إلي أنهم يتعرضون لسوء المعاملة كما أن الخطوط الأمامية من القراصنة هم من الأطفال إذ إن الكبار ما عادوا يخرجون للمواجهة لأنهم أصبحوا رجال أعمال فيقومون بإرسال الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة إلي العمل. غير أن الصورة المظلمة في الصومال والسودان والعراق، تعطي إشارات إنذار إلي ما ينبغي علي العالم، أن ينجزه فيما يتعلق بحماية المدنيين في زمن الحرب والثورات والانقلابات خاصة الأطفال منهم. فمنذ تأسست الأممالمتحدة 1945 بهدف إنهاء الحروب في العالم، اندلعت نحو 155 حربا ونزاعا أهليا كبيرا، أدت إلي قتل 23 مليون شخص، وهو ضعف كل ضحايا الحروب في القرن التاسع عشر، وسبعة أضعاف ضحايا الحروب في القرن الثامن عشر. والآن في 50 بلدا في العالم، أغلبها في أفريقيا وآسيا، يعاني الأطفال مخاطر يومية بسبب الحروب والنزاعات الأهلية. ولا يعاني الأطفال في كثير من الأحيان لمجرد وجودهم في البلدان، التي تعاني حروبا أو صراعات أهلية، بل يعانون لأنه في غالبية الحالات، يتم استهدافهم عن عمد، بوصفهم الفئات الأكثر ضعفا والأقل قدرة علي الدفاع عن نفسها. وفي غالبية الحالات، كما في البوسنة والهرسك أو كوسوفو أو الصومال أو العراق أو فلسطينالمحتلة أو أفغانستان أو انجولا ورواندا، قتل آلاف الأطفال، أما من لم يقتلوا فقد شهدوا بأمهات أعينهم، أما مقتل الأب أو الأم أو الأشقاء والشقيقات أو أحد الأقارب أو الجيران. وفي عشر سنوات، سميت «العقد الدامي» بسبب الخراب والقتل، الذي شهدته خاصة في أفريقيا، وهي السنوات بين 1986 و1996، تجسدت الصورة المظلمة في الأرقام التالية: مليونا طفل قتلوا 6 ملايين طفل أصيبوا إصابات بالغة أو إعاقات دائمة، ومليون طفل تيتم بفقد الأم أو الأب أو كل منهما، وهناك 10 ملايين طفل أصيبوا بأمراض نفسية وعصبية من جراء العنف، الذي شاهدوه خلال الحروب التي مروا بها. وحاليا هناك 20 مليون طفل شردوا من منازلهم بسبب الحروب، و300 ألف طفل تم تجنيدهم في الحروب للعمل كمحاربين أو مقاتلين، كما أن هناك 800 طفل يقتلون شهريا فقط، بسبب الألغام الأرضية. وأعلنت منظمة الأونيسكو للتربية والتعليم أن النزاعات المسلحة في العالم تحرم ما يقارب 28 مليون طفل من حقهم في التعليم، بفعل الاضطرابات الأمنية، وتعرض الأطفال لعمليات الاغتصاب والعنف الجنسي، بالإضافة إلي الهجمات المتعمدة علي المدارس. وأوضحت في تقرير ، أن الأطفال والتعليم ليسوا فقط في مرمي النار، بل باتوا يستهدفون بصورة متزايدة في النزاعات العنيفة، وأن «إخفاق الحكومات في حماية حقوق الإنسان، يلحق بالأطفال الكثير من الأذي، ويحرمهم الفرصة الوحيدة المتاحة لهم للانتفاع بالتعليم، وقد آن الأوان لاتخاذ المجتمع الدولي الخطوات اللازمة لمعاقبة مرتكبي الجرائم الشائنة». وقد أطلق المكتب الإقليمي للأونيسكو التقرير من بيروت، في وجه أصحاب القرار في العالم لأنهم لا يسيرون علي النهج الذي يؤدي إلي تحقيق الأهداف الستة للتعليم للجميع في العام 2015، بعدما اتفق عليها ممثلو مئة وستين بلدا خلال مؤتمر عقد في العاصمة السنغالية دكار في العام 2000. إن أخطر آثار الحروب علي الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها تتوقف خطورتها علي قدرة الأهل علي مساعدة أطفالهم في تجاوز مشاهد الحرب. في العراق مثلاً يشير أحد مسئولي اليونيسيف إلي أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي سيكونون بحاجة إلي علاج نفسي من الصدمة النفسية التي تعرضوا لها خلال الحرب. مأساة أطفال الحرب في لبنان أما في لبنان فالأطفال اللبنانيون يواجهون مشكلات صحية ونفسية خطيرة بسبب الحرب التي كان ثلث قتلاها وجرحاها من الأطفال، كما تم رصد تغيرات سلوكية سلبية علي أطفال لبنان في مناطق الحرب، وقد أكدت منظمة اليونيسيف أن الأحداث المروعة التي شهدها لبنان تركت آثارًا بالغة في نفوس الأطفال، وأن آثارًا خفية عن الأنظار بدأت تظهر عليهم، وتوقعت المنظمة عودة أمراض الإسهال والرئة وشلل الأطفال والحصبة بين أطفال لبنان الذين شردتهم الحرب، فمذبحة قانا التي مر عليها حوالي عشر سنوات لا يزال الأطفال الذين عايشوها يعانون اضطرابات نفسية، ففي بحث أجراه صندوق الأممالمتحدة للطفولة "اليونيسيف" بالتعاون مع وزارة التعليم اللبنانية علي 500 طفل لبناني ممن عايشوا أو شاهدوا تلك المذبحة تبين أن 30% من هؤلاء الأطفال لا يزالون يعانون اضطرابات النوم، و14% يعانون الاكتئاب، و40% منهم فكروا في الانتحار.أما ملجأ العامرية الذي قصفته القوات الأمريكية خلال حرب الخليج الثانية قبل 15 عامًا فما زالت الآثار النفسية باقية علي الأطفال العراقيين الذين نجوا من تلك المذبحة أو شاهدوها مازالوا يعانون الصور المرعبة .فأطفال لبنان والعراق وفلسطين ربما لن يشفوا من الاضطرابات النفسية التي تسببها لهم الصور المختزنة في أذهانهم عن مشاهد الموت والدمار التي عايشوها، فالمشاهد التي يراها الطفل بين سن الثالثة والسابعة تشكل شخصيته وتؤثر في سلوكه، ولذلك فإن مشاهد الجثث المحترقة والمنازل المهدمة يختزنها الطفل في عقله الباطن فتفقده طفولته وعفويته.. فالآثار السلبية لتلك المشاهد لا تنتهي بنهاية مرحلة الطفولة، بل تشكل منظارًا يري الطفل العالم من خلاله، ولأن الأطفال لا يفهمون مبررات الحرب كما يفعل الكبار، فإنه لا سبيل أمامهم للتعبير عن تأثرهم بما يعانون ويعايشون ويرون من تلك الحرب إلا الانطواء والتوجس أو التبلد أو العدوانية.