في الوقت الذي تأكل فيه السياسة أوقاتنا، وتفرض سيطرتها على أغلب حواراتنا ومناقشاتنا اليومية، لم ينسَ أحمد حلمي أزمة فئة أخرى من البشر تتضخّم مشكلاتهم وحالاتهم النفسية أضعاف ما تتضخّم أجسادهم البدينة، وصارت أزمتهم أزمة عالمية تتشارك فيها كل الجنسيات، بعد أن أشارت أحدث الإحصائيات إلى أن السمنة المفرطة تُصيب حاليا أكثر من 30% من تعداد سكان العالم، غير أن هذه النسبة في ارتفاع مستمرّ، لتُشكّل ظاهرة خطيرة تصاحبها الإصابة بالعديد من الأمراض. أدرك تماما أنها مقدّمة مملّة ما دام بدأنا نتحدَّث بلغة الأرقام والإحصائيات؛ حتى إنك تشعر أن الكاتب يصلح للكتابة في مجلة "طبيبك الخاص"، ومن هنا تأتي أهمية وعبقرية "إكس لارج" الذي يدخلك في لُب المشكلة، ويجبرك على الإحساس بها والتفاعل معها بنعومة ورفق، ليسرق اهتمامك بالظاهرة، ويدخلك في هذا العالم "الواسع" بالضحك أحيانا، والبكاء أحيانا أخرى، دون أن تشعر بأي ملل أو ضيق، بغض النظر عن وزنك. في ثوب جديد تماما وبذكاء معتاد تشاهد في "إكس لارج" "نيو حلمي" غير الذي اعتدت مشاهدته في كل أعماله السابقة، لتشعر فور رؤيته بحنين للراحل علاء ولي الدين الذي عزّ على قلوبنا فراقه، بعد أن تربّع عليها بطيبة قلبه، وموهبته الحادة، وخفة ظلّه الشديدة، والأهم من هذا وذاك بدانته المفرطة التي مثلما كانت سر نجاحه كانت سببا في وفاته، غير أن حلمي هنا لا يملك تلك السمنة بشكل طبيعي، ولم يجرب يوما أن يعيش حبيسا في كل تلك الدهون. من هنا كانت صعوبة الأداء والدخول في هذه الشخصية الصعبة، وإعطاء الانطباع للمشاهد بأن "مجدي" (بطل الفيلم) هو شخص بدين حقا ينهج لمجرد التفكير، ويعرق لمجرد ارتداء ملابسه، لكنه فعلها، ونجح في أن ينسيك -وأنت تشاهده- أنه حلمي الرفيع الذي طالما ضحكت على جسده الرفيع وحركاته الرشيقة، ودفعك لتتوحّد مع معاناته كشخص بدين، وقع في حُب زميلة الطفولة بعد عودتها من الخارج بعد أن أصبحت رائعة الجمال، مرهفة الإحساس، ليعيش معها طوال الوقت منتحلا شخصية خيالية دون أن يخبرها أنه هو زميلها القديم الذي كانت تُحبّه في الابتدائي؛ خوفا من أن تصدمه وتبتعد عنه بسبب بدانته، مستندا في نجاحه على خلطته الذكية التي تجمع بين الكوميديا والإنسانيات، فتحقق معادلة الضحك دون أن تغفل عن مخاطبة حواسك ومشاعرك الداخلية، محققا نجاحا جديدا يضاف إلى نجاحاته السابقة، ويخطف المشاهدين إلى أبعاد هذه الشخصية الجديدة، ليجبرهم على التعاطف معها، والتفكير في حل مشكلاتها، ويُذكّرنا في ثنايا الأحداث بكل البدناء الذين حتما ما صادفناهم في حياتنا العامة، لكننا نتذكّرهم هذه المرة بمنظور آخر غير المنظور السخيف حين كنا نسخر منهم؛ سواء كان هؤلاء البدناء أقاربنا، أو جيراننا، أو زملاء الدراسة والعمل، أو حتى نحن. ستكتشف أن أزمة السمنة المفرطة ليست هي الأزمة الوحيدة التي يُناقشها الفيلم، بل يعتمد عليها كأرضية واسعة يُؤسس عليها تعريف الحب، وكيفية حدوثه، ومهارة الإيقاع بالمحبوب، ومعنى الإرادة القوية، وكيف تكتشفها في نفسك وتستغلّها في تحقيق أحلامك... وغيرها من المعانى الإنسانية النبيلة التي صاغها بحرفية عالية السينارست أيمن بهجت قمر بحسّ الشاعر الغنائي، وعَبّر عنها ب"حرفنة" معظم أبطال الفيلم؛ وعلى رأسهم الثنائي المتألّق حلمي ودنيا سمير غانم اللذان تشعر بينهما بكيمياء خاصة، رغم أنه التعاون الأوّل فنيا، وقدرة كل منهما على اكتشاف مهارات تمثيلية جديدة في هذا الفيلم؛ خاصة مشهد الرقص الذي تألّق فيه حلمي بطريقة غير عادية، مفجّرا ضحكات الجمهور بشكل هيستيري وسط دهشتهم من هذا الأداء العالمي، ولا ننسى أيضا عودة إبراهيم نصر الموفّقة، ومسخرة إيمي سمير غانم وخالد سرحان اللذين أضافا لمسة كوميدية مختلفة بنكهة خاصة، رغم صغر مساحة الدور، وبالطبع كان كل ذلك بقيادة المايسترو شريف عرفة صاحب الإبداع الإخراجي مع كل النجوم وبكل الأوزان. لم يخلُ الفيلم من بعض الثغرات الدرامية التي كان من الممكن تلافيها؛ مثل ذهاب "مجدي" مع "دينا" لدفن قريبتها في الشرقية، واضطراره للسفر معها؛ لأنها لا تجد أحدا تسافر معه، رغم أنك في المدافن ستكتشف أنها ستعود مع أقاربها في سيارتهم، بخلاف أنه من غير المنطقي أن يتم عمل سرادق العزاء نهارا بعد الدفن مباشرة، بجانب أن خال "مجدي" -الذي دائما ما يذهب إليه بما لذّ وطاب من المأكولات- هو نفسه الذي سيطلب من "مجدي" أن ينقص من وزنه؛ خوفا على صحته، حتى إنه يهدده بقطع علاقته به إذا لم يستجِب للأمر. كان من السهل تلافي هذا التناقض الدرامي في شخصية الخال، بأن نرى الخال يأكل الكثير من الطعام، لكنه لا يعزم على "مجدي" حتى لا يصبح مثله ويعيش بدينا حتى آخر العمر، وكان هذا جديرا بصنع مواقف كوميدية حين نرى معاناة البطل البدين، وهو يُشاهد خاله يأكل أمامه ولا يعزم عليه، أو الاستمتاع بحيلة البطل لخدعة الخال، والحصول على الأكل من وراء ظهره، وبخلاف هذا وذاك لا ننسى أن الفيلم يتشابه في "تيمته" مع "تيمة" الفيلم الأمريكي nutty professor بطولة النجم الأمريكي الأسمر إيدي ميرفي عام 1996، لكنه التشابه في "التيمة" فقط، وليس النقل بالمسطرة مثلما يفعل الآخرون؛ حيث هناك اختلافات كثيرة بين الفيلمين أدعوكم لملاحظتها بأنفسكم. لكن السؤال المهم هنا هو: لماذا يحدث ذلك حين يتعاون حلمي مع أيمن بهجت قمر مثلما حدث ذلك من قبل في فيلمهما "آسف على الإزعاج" الذي تشابه في "تيمته" مع "تيمة" فيلم Beautiful Mind للنجم راسيل كرو؟! كلمات أخيرة: • أكثر ما أضحكني في الفيلم كان مشهدا واقعيا شاهدته في دار العرض بعد النهاية، حين خرج بعض الجمهور يتحسس كرشه. • أعتقد أن الرعاة الإعلانيين لهذا الفيلم يجب أن يكونوا كل أطباء التخسيس المتخصصين في القضاء على السمنة المفرطة، فقط إذا لم ينتبهوا أن "مجدي" (أحمد حلمي) قالها من بين السطور أنهم لا فائدة لهم دون إرادة المريض، بدليل أنه الوحيد الذي نجح في إنقاص وزنه، بينما ظلّ كل أصدقائه البدناء كما هم.