يجب أن نؤكد: العالم لن ينتهي يوم 21 ديسمبر من عام 2012، إلا لو أراد الله له ذلك بالفعل. لن أناقش الموضوع من باب ديني؛ فهذا ليس مكاني على الإطلاق، بل سأناقش الموضوع من باب منطقي جدًا، أسطورة "نهاية العالم" في ثقافة شعوب المايا القديمة لم تكن موجودة من الأساس، بل هي أسطورة غربية أصيلة ظهرت بعد اندثار شعوب المايا بسنوات وقرون طويلة، الأمر ببساطة أن الأجندة أو الروزنامة أو ال Calendar التي كانت شعوب المايا قد صممتها لربط حياتها بحياة آلهتها قد انتهى مع يوم 21 ديسمبر 2012، وهناك بكل تأكيد عالم أحمق ما قد شاهد هذه الأجندة فنظر إليها بخطورة وقرر: يا إلهي.. العالم سينتهي مع عام 2012. المضحك في الموضوع أن الأمر ببساطة هو: نحن لم نجد الأجندة التالية بعد، فتمامًا كما نقوم نحن برمي أجندة العالم الماضي (2009) على سبيل المثال، لنشتري أجندة عام (2010) ونضعها مكانها، الأمر ببساطة تكرر مع المايا، فلابد بأن هناك أجندة جديدة تحل محل الأجندة القديمة مع نهايتها. الأمر ببساطة هو واحدة من الخدع القديمة التي لن يستطيع أحد أن يصدقك لو كذّبتها، ومنها خدعة أن الإله أطلس الإغريقي يحمل الكرة الأرضية على كتفيه كما نشاهده في كثير من الرسوم الجديدة، في الواقع أطلس الإغريقي كان يحمل السماء على كتفيه كما يعرف كل محب للميثولوجيا الإغريقية.
استطاعت المؤثرات البصرية أن تجذب الأنفاس لأقصى الدرجات بعيدًا عن هذا الهراء، من المعروف أن المخرج Roland Emmerich واحد من المتحمسين لأفلام الكوارث، أفلام نهاية العالم تلك، إنه المخرج وراء 10,000 BC وأيضًا The Day After Tomorrow وGodzilla وIndependence Day وStargate. دائمًا ما تحمل أفلامه فكرة أن العالم سينتهي في لحظة من اللحظات لسبب أو لآخر قبل أن يحاول مجموعة من البشر أن ينجو من الكوارث المختلفة، وغالبًا ينجو بعضهم في حين يموت الآخرون لأسباب مختلفة. الأمر ليس مختلفًا هنا على الإطلاق؛ فلا داعي لأن نحكي الحكاية من جديد، إنها كارثة ضخمة؛ براكين تنفجر وعواصف تقتل وموجات تاسونامي تنهي حياة الآخرين، وهناك مجموعة من البشر لن تجدهم مجتمعين على طاولة عشاء واحدة حتى تحت تحديد الأسلحة اجتمعوا في محاولة مشتركة للنجاة بكل السبل. في البداية، يجب بكل تأكيد أن نؤكد على جمال المؤثرات البصرية وروعتها في هذا الفيلم وقدرتها على جذب أنفاسك إلى أقصى الدرجات، لعل أهم تلك المشاهد هو مشهد رائع الجمال وجيد الرمزية يقف فيه الرئيس الأمريكي (وهو أسمر البشرة على سبيل المزاح مع باراك أوباما) والرماد البركاني يغطي كل شيء من حوله، يقف أمام البيت الأبيض بعد عاصفة رهيبة، ويشاهد موجة كبرى تحمل سفينة حربية وتتجه نحو البيت الأبيض نفسه، لتسحق السفينة الحربية بكل أدوات الحرب التي عليها البيت الأبيض وتفنيه. مشهد شديد الجمال أيضًا هو مشهد ولادة بركان جديد؛ إذ يقف أحد أبطال الفيلم، وهو مذيع أخبار مجنون يكاد يكون أول العالمين بالكارثة، على قمة تلة صغيرة، ينظر إلى الجبال من حوله وأشجارها تسود من الحرارة، قبل أن تبدأ الأرض بالتحرك كأنما هي أمعاء تتلوى، ليصعد البركان كأنما يولد من بين التلال، وينفجر مطلقًا الكثير من الحمم البركانية المتطايرة.
النيران ستكون هي اللغة الوحيدة لو لم يهرب الفيلم متميز من الناحية البصرية إلى أقصى الدرجات، ويكاد يكون أفضل أفلام الكوارث التي شاهدناها على الإطلاق؛ ولكن من المضحك أن فيلمًا بهذه الضخامة يعتبر مشاهديه أغبياء بهذا الشكل، ومن الممتع أن تدرك ذلك بمجرد جلوسك في قاعة السينما المظلمة بانتظار انتهاء أحداث الفيلم. الفيلم، ورغم جماله الأخاذ ونجاحه في نقل حكاية نهاية العالم بدقة متناهية، استطاع أن يؤكد لنا أن منتجي هوليود لا يستطيعون النظر إلى ما أبعد من أنوفهم في مثل هذه الأفلام، لا يستطيعون أن يحبكوا الحكايات أفضل أو يقدموا شخصيات جديدة. إن منتجي هوليود متعلقون جدًا بالنجاحات السابقة، ويمتلكون إحساسًا عامًا بالنوستالجيا (أو الحنين) تجاه الأفلام القديمة؛ لدرجة أنهم لا يدركون قدرتهم على إنتاج شخصيات جديدة، وقدرة تلك الشخصيات الجديدة على خلق أفلام أفضل بكثير. لا تستطيع أن تدرك ما أتحدث عنه؟! تعال لأقول لك لماذا.
التراب يكاد يتناثر على عينيك وأنت تشاهد ففيلم "2012"، ورغم ضخامة إنتاجه، لا يمتلك قصة تدفعك لأن تجلس في مقعدك وتتابعها، لا يمتلك شخصية واحدة تتمنى بقاءها على قيد الحياة، جميع الشخصيات كلها كلاسيكية إلى درجة بعيدة، تجعلك تدرك مصير كل واحدة من تلك الشخصيات قبل نهاية الفيلم؛ فلا تتأثر بموتها أو نجاتها، ولا يتحرك لك جفن بضحكها أو بكائها، ولا يهمك عودة المياه إلى مجاريها بين الأحباب. الفيلم بكل تأكيد يمتلك قدرة كبيرة على جذبك عبر المؤثرات البصرية الهائلة والرائعة التي قدمها، بين المباني التي تتحطم فيكاد التراب يتناثر على عينيك وأنت تشاهد، والموجات البحرية التي تحطم جبال الهمالايا فيكاد الرذاذ يبلل ثيابك، أو الطائرات التي تنفجر فيأخذك الانفجار مترين إلى الوراء؛ ولكن هذا لا يمنع على الإطلاق أن الفيلم فشل فشلاً ذريعًا في رسم قصة أي من الشخصيات الموجودة في الفيلم أو دفعنا للتعاطف معها بشكل كافٍ كي نتأثر بحياتها أو موتها، نحن جميعًا دخلنا الفيلم كي نشاهد مجموعة من البشر الذين يحاولون النجاة؛ ولكننا شاهدنا أسباب هربهم وتابعناها وتعلقنا بها أكثر بكثير من محاولاتهم للهرب نفسها. ومن ناحية أخرى، فشل السيناريو أيضًا في استخدام نظرية "الإنقاذ على آخر لحظة"، أو في الواقع، فشل في تكرارها بشكل يكاد يصير ساذجًا، كل موقف مرعب أو دامٍ يتم حله في اللحظات الأخيرة من المشهد، كل طائرة تريد الإقلاع تبتعد عن الأرض والأرض تتفتت من تحتها، وكل سفينة تكاد تصطدم بجبل أو تنفجر انفجارًا مروعًا يتم إنقاذها في الثانية الأخيرة وعلى بعد سنتيمترات من الجبل.
أفضل أفلام الكوارث التي شاهدناها على الإطلاق تكرار يكاد يكون مملا للإنقاذ في اللحظات الأخيرة، كأنما الأمر بمجمله عبارة عن فيلم كامل من ال Cliffhangers أو المشاهد المرسومة على الحافة، كأنما المخرج يستجدينا لكي نجلس على أطراف الكرسي ونشاهد الفيلم بتوتر. خبر صغير: كاد مخرج الفيلم في مرحلة من مراحل الفيلم أن يصور واحدا من مشاهد الدمار وهو ملايين الحجاج حول الكعبة الشريفة يدعون الله أن يمنع الكوارث من حولهم، لتأتي موجة ضخمة وتسحقهم، ليضمها إلى جانب مشهد آخر لتحطم الفاتيكان، مركز حج المسيحيين، وتحطم تمثال السيد المسيح على قمة أحد الجبال في البرازيل، ولكنه حسب كلامه لإحدى المجلات العالمية كان خائفًا من أن تأتيه فتوى باستباحة دمه؛ فقرر أن يأخذ الأمر من قصيره ويبتعد عن هذه المنطقة المحرمة. ولكن من المضحك أنه مع آخر مشاهد الفيلم، تشاهد الكرة الأرضية من بعيد، لتدرك بأن القارة الوحيدة التي نجت دون أي دمار هي القارة الإفريقية، في حين غرقت آسيا وأوروبا والأمريكتين تحت أطنان من المياه. الفيلم يستحق المشاهدة بكل تأكيد، بل هو واحد من أفضل الأفلام التي شاهدتها مؤخرًا، ولكن هل ستخرج من الفيلم متذكرًا اسم أي واحد من الشخصيات؟! هل ستدمع عيناك مع وفاة أحدها؟ هل ستحس بأي ارتباط نفسي مع آخر؟ لا أعتقد على الإطلاق.