السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا بنت عندي 18 سنة في كلية الحاسبات والمعلومات، مشكلتي إني مابقيتش باتمنى أي شيء.. بجد حياتي بقت كلها واقعية عشان كده بجد تعبانة جدا.. أنا بجد اتمنيت حاجات كتير في حياتي وماحصلتش. اتمنيت إن أبويا يكون صاحبي، وبالعكس أبويا مش فاهمني خالص، حتى هو عنده مراته أغلى مني وبيصدّقها عني.. اتمنيت إني أتفوق في الدراسة وأطلع الأولى، وبالعكس عمرها ما حصلت كان دايما يكون الفرق بيني وبين الأوائل نص درجة.. اتمنيت إني أدخل كلية الهندسة، وبالعكس كان الفرق بينها وبين مجموعي نص في المية.. اتمنيت إني تكون علاقة حلوة أوي مع ربنا، هو الحمد لله بس علاقة مش راضياني برضه.. اتمنيت إنه يكون فيه إنسان في حياتي بيحبني ويفهمني ويكون هو أبويا وأخويا وكل حاجة، وبالعكس ما شاء الله كل أصحابي نالوا كده إلا أنا.
يعني أنا ماوصلتش للي أنا فيه ده من قليل، بجد خلاص بقيت مش عايزة أي حاجة من الدنيا، عايشة حياتي وخلاص أهي عيشة والسلام -زي ما بيقولوا- بس الحياة مالهاش طعم من غير أماني وأحلام.
قولوا لي أرجع تاني إزاي لحالتي الطبيعية، بجد حتى كنت قبل ما أنام دايما أقعد أحلم بحياتي والأماني بتاعتي متحققة؛ لكن دلوقتي خلاص بقيت بانام وخلاص. مش عشان أنا عايزة كده لأ؛ لأني لقيت نفسي فجأة كده. يا ريت ردّ واقعي أقدر أطبّقه في حياتي.
Eng.n
أنا مقدّر تماما للحالة التي وصلتِ إليها، وشعور الإحباط واليأس الذي يسيطر على كل جنبة من جنباتك، فأصبحتِ تنظرين إلى العالم من خلال هذه النظارة اليائسة الغائمة فتلقي بيأسها على كل ما حولها.
ولنحاول سويا أن نتعرف على الأسباب التي أدّت إلى هذه الحالة الحادة من الإحباط.
السبب الأول: ويكمُن في أنكِ إنسانة طموحة جدا، مُحبة للنجاح بشكل غير عادي، وترفضين النجاح الجزئي، ولا تقبلين بغير النجاح الكامل بديلا؛ فإذا لم أكن الأولى فلا، رغم أن المركز الثاني يعتبر نجاحا، وإذا لم تكن علاقتي بالله عز وجل علاقة العبّاد الزهّاد فلا، وبالتالي عندما يأتي النجاح منقوصا تحدث لك حالة من الانهيار.
هذا ما حدث عندما أردت أن تكون علاقتك مع أبيكِ علاقة الأصدقاء؛ فجاءت العلاقة كحال معظم علاقات الآباء مع بناتهم، وبالتالي جاء نجاح العلاقة منقوصا وغير كامل؛ فشعرت بالغضب والفشل.
السبب الثاني: أنكِ لا تضعين هدفا ثانيا في حياتك أبدا؛ بحيث يكون بديلا عن الهدف الأول في حال لم تتمكني من بلوغه، وتنهارين بشكل كلي، ويتملكك إحساس الفشل واليأس، ويملأ الشيطان مساحات الفراغ في عقلك باليأس والقنوط والغضب من أي شيء وكل شيء.
وهذا ما حدث على سبيل المثال عندما لم تتمكني من بلوغ الكلية التي كنت تحلمين بها وهي كلية الهندسة؛ فشعرت بحالة انهيار وحزن وغضب، وتملكك إحساس الفشل والإحباط وتثبيط الهمم.
دعينا نتفق على أن حب النجاح والتعلق به هو أمر رائع ومن شيم النابغين، ودعيني أقول لك بأن الطموح هو رغبة مشروعة لا يمكننا أن نلوم صاحبها؛ بل نشدّ على يده ونحثه على التمسك بهذه الصفة الحميدة، ولكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وأي شيء في الدنيا لا بد وأن يكون بالقدر المناسب؛ وألا يزيد على حجمه الطبيعي، وإلا تحول من مصدر نفع إلى مصدر إيذاء.
ومعيار النجاح في حد ذاته هو أمر نسبي، فالمجموع التعليمي على سبيل المثال لا علاقة له بالتفوق في مجال التخصص من عدم التخصص؛ فكم من النابغين الذين لم تكن درجاتهم في موادّهم المختلفة مرتفعة أو مميزة ولكنهم نجحوا في حياتهم العملية بشكل حقيقي.
وعلاقتك بأبيكِ يمكن لها أن تكون أفضل؛ فقط لو أردتِ وأصررتِ على ذلك، ابحثي عن النقاط المشتركة بينك وبينه، ابحثي عن التصرفات التي ترضيه وتحببك إلى قلبه أكثر وأكثر واسلكيه، وستكتسبين ثقته مع الوقت.
أما حبيبك الذي لم يأتِ بعد فأعتقد أنه لم يتأخر، ولكنك أنتِ التي أتيتِ مبكرا، أنتِ ما زلتِ بعدك في عمر الزهور تدقي أبواب الحياة لتفتح لك أبوابها، فهو سوف يأتي في وقت وميعاد حدده الله عز وجل، وسيكون بالشكل والشخصية المحببة إلى نفسك.
كل ما تحتاجينه يا صديقتي العزيزة أن تنظري إلى الأمور بشكل إيجابي نسبيا، وأن تبتعدي عن تلك النظرة السلبية المتشائمة التي سوف تصبغ أي شيء في الحياة بلون السواد، تحتاجين إلى أن تنظري إلى النصف المملوء من الكوب وليس ذلك الكوب المكسور، ما زلتِ بعدُ صغيرة والحياة أمامك واسعة مُقبلة فاتحة ذراعيها، فافتحي لها ذراعيك وتقبلي ما تأتي به بنفس راضية ما دمت قد عملتِ ما عليكِ دون تقصير، فلا تؤنبي نفسك على أشياء حدثت وكانت خارجة عن إرادتك؛ لأن العمل بيد الإنسان ولكن النتائج بيد الله وحده.