هو ذلك اللاعب الاستثنائي الذي صنع لنفسه تاريخًا سيظل يتحاكى عنه كل مَن نظر في وجه ذلك النجم الخلوق، أو سمع عنه من والده، أو طفل يهواه منذ الصغر، أو أمّ تتمناه في شخص نجلها حين يكون الكبر، أو قلب قد دعا له ففتحت أمامه أبواب من نجاه بالآمال.. إنه ذلك النجم الذي يثبت كل يوم أنه أسطورة، الوصول إليها صعب المنال، أو محاولة الاقتراب منه ضرب من المحال.. فهو نجم يسبح في كون الله الفسيح، يحمل في قلبه حب الناس، وتحمل الناس له في قلوبها أسمى معاني الحب والتقدير.. يصعب على الحب أن يفارق قلبه ويصعب على قلبه ألا يدرك كل هذا الكم من الحب المتناثر من كل قلوب وعقول وعيون مَن عرف محمد محمد محمد أبو تريكة. لم يكن لتريكة -صاحب ال32 ربيعًا- أن يحلم بكل هذا الحب الذي وصل إلى حد العشق، فنصّب نفسه ملكًا على عرش القلوب؛ ليست الأهلاوية فحسب؛ بل المصرية كلها.. وليست المصرية فحسب؛ بل العربية كلها.. وليست العربية فحسب؛ بل امتدت إلى جذور وأقطار العالم السحيق. محمد أبو تريكة لاعب لعب فأقنع، وأقنع فأبدع، وأبدع فأمتع، وغلّف كل هذا بأخلاق المحترمين ورزانة العقل والرصانة في لعبه وأدائه؛ فلم يتضجر يومًا، ولم ينزعج يومًا.. إن كان أساسيًا فهو موجود، وإن كان على بنك الاحتياط فهو قانع؛ فلذلك نصّب نفسه ملكًا متوّجًا على عرش هذا الجيل.. لا يحدوه منافس. هو ذلك الامتداد الطبيعي لأعظم من أنجبت الكرة المصرية (محمود الخطيب) حين عشقته كل الجماهير، ونادت على اسمه، وغنوا له الأغاني، وأنشدوا له الأهازيج؛ فهو ذلك الشخص الذي ظل على مدار 10 سنوات يغرّد فوق أرض المستطيل الأخضر. أبو تريكة.. من كان بهذه الأخلاق والبطولة والرجولة على مدار 10 سنوات قضاها في رحاب الأضواء، وما بين ثماني سنوات ونصف قضاها داخل جدران القلعة الحمراء لم يُسمع فيها ضجيجه، ولم نرَ فيها قباحته، ولم نمسك يومًا جريدة تروي فحشاء، أو تقصّ له صورة "من إياهم"، أو تحسبه الأخرى من القوم الفاسدين. من كان بكل هذا فعليه أن يسعد بالحصاد؛ فحصادك اليوم تجنيه فنعم الحصاد.. لقد زرعت في أرضك الطيبة نفسًا طيبة تحترم الجميع، ترسم على وجهها ابتسامة الرضا، وتحفظ في قلبها حب الله وحب الناس.. وتقتل في نفسها الكره والبغضاء والغضب والحقد.. وتساعد غيرها ما بين السر والكتمان. لن أتحدث عما قدمه تريكة في مباراة أمس (الأحد) أمام فريق الوداد المغربي، وعن أنه كان أفضل لاعب بالمباراة حين نسج سيمفونية من نوتة المايسترو، واحدة من أسمى معزوفاته الموسيقية الكروية؛ ليس هجوميًّا فقط بل دفاعيًّا أيضًا. عليك أن تجني اليوم ما رأيناه عند تصفيق الجمهور المغربي الذي قارب عدده ال40 ألف متفرج، تركوا فريقهم وهو يلعب في الدقيقة 90 من عمر المباراة، وراح كل منهم يُمطر تريكة بوابل من التصفيق الحار، ولم يلهُ أحد منهم بتشجيع فريقه أو النداء على لاعبيه، ولم يأخذهم التوتر أو عصبية الدقائق الأخيرة والرغبة في انتزاع الفوز من فريق "تريكة" نفسه من تحية لاعب بقدره وقيمته وحب الناس له؛ فبعد جمهور الجزائر كان جمهور المغرب هو الآخر صاحب اللقطة البيضاء في مباراة الأمس، ومكانة سيظل تريكة راسخًا فيها. عليك أن تفرح بحصادك وإن استمر بك العمر حتى وصلت إلى أرذله؛ فأنت ذلك البطل الأسطوري للقرن ال21 الأهلاوي والمصري حتى الآن في 11 عامًا، لم نرَ فيها مثلك، ولم نسمع فيها غيرك، ولم نستمتع بكرة القدم سوى من قدمك.. فوربي وربك أنت من استطعت أن تعلم الجميع دروسًا بعقلك وقلبك ولسانك؛ وحتى قدمك. وكان أبو تريكة قد شكّل الاستثناء في رحلة الأهلي بالمغرب، بعدما تجمعت الجماهير المغربية حوله منذ وصول بعثة الفريق إلى مدينة الدارالبيضاء. وقدم صانع الألعاب الدولي مباراة هي الأفضل له منذ زمن بعيد، وساهم في تعادل الأهلي مع الوداد بهدف لمثله، وكان بوسعه ترجيح كفة الفريق القاهري عندما ضيّع انفرادًا هامًّا في الشوط الثاني. يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها صاحب الرقم 22 التحية من جماهير شمال إفريقيا؛ حيث سبق وحيته جماهير مولودية الجزائر في الجولة الماضية.
خروج تريكة من مباراة الوداد.. وتصفيق حار من الجمهور إضغط لمشاهدة الفيديو:
الجمهور الجزائري يصفق لأبو تريكة أثناء خروجه إضغط لمشاهدة الفيديو: