أبرز ما في الشأن الإيراني، هو مستهل الجولة التي بدأها الرئيس (أحمدي نجاد) بزيارته لدول أمريكا الجنوبية، حيث قابل الرئيس البرازيلي (لويس إيناسوا لولا دا سيلفا)، وسط نذر دولية متبرمة من زيارته وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وعلى أصداء تظاهرات من المعارضة البرازيلية قدر عدد المشاركين فيها بما لا يقل عن 500 فرد احتجاجاً على زيارة الرئيس الإيراني لبلادهم للمرة الأولى. وبعيداً عن المخطط الرسمي للزيارة الذي يشمل توقيع (نجاد) لاتفاقات تجارية -حيث يصحب الرئيس 150 من أبرز رجال الأعمال الإيرانيين- والحديث أمام الكونجرس البرازيلي وجامعة (برازيليا)، فإن أهداف الزيارة وتجاوب الحكومة البرازيلية معها هو ما يدفعنا للبحث قليلاً أعمق مما يدور على السطح أمام الكاميرات! البرازيل: الرقص قبل الانفجار النووي! في البداية، أكد (دا سيلفا) دعم البرازيل للحق الإيراني في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية، كما انتقد محاولات عزل إيران بسبب طموحاتها النووية، لكنه حث على البحث عن "حل عادل ومتوازن" للأزمة مع الغرب. وما قاله (دا سيلفا) بالنص هو ما يكشف السياسة البرازيلية وذلك أثناء مخاطبته (أحمدي نجاد) في المؤتمر الصحفي: "أشجعك على مواصلة إدخال البلدان المهتمة في البحث عن حل عادل ومتوازن للقضية النووية الإيرانية". أي أن البرازيل -كما وصفتها صحيفة إلباييس الإسبانية- لا تزال مصممة على ممارسة دورها المنوط بها في السياسة الدولية خاصة فيما يتعلق بصناعة دور عالمي لها في معالجة الصراعات الكبرى في العالم. أما الرئيس الإيراني فقال في المؤتمر الصحفي ذاته إن بلاده لا تزال مهتمة بشراء اليورانيوم المخصب من الخارج أو استجلابه وفق برنامج تبادل تشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن دون أي شروط. وأضاف نجاد: "ما زلنا مستعدين للتوصل إلى حلول، لكن الدول الغربية لم تظهر أي رغبة سياسية للوصول إلى اتفاق". وهي تعبيرات تستشف منها موقف (نجاد) -كما وصفته صحيفة كورير دي لاسيرا- بأنه يبحث عن شرعية يفتقدها داخل إيران نفسها، وأن الجولة في أمريكا الجنوبية هدفها الأساسي كسر طوق العزلة الدولية المفروضة على إيران. أما ردود الأفعال الأمريكية والإسرائيلية فيمكن للمتابع أن ينتبه إلى لهجة الارتياب من الموقف الإيراني ولهجة العتاب حيال الحفاوة البرازيلية في استقبال (نجاد)؛ فقد صرح النائب في الكونجرس الأمريكي عن مدينة نيويورك (إليوت إينجل) أن الرئيس لولا دا سيلفا قد ارتكب "خطأ كبيرا بإضفاء الشرعية" على (أحمدي نجاد)، كما وصفت إسرائيل استضافة البرازيل لأحمدي نجاد ب"الخطأ" حسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية. يُذكر أن الجولة الحالية للرئيس الإيراني تشمل زيارة فنزويلا وبوليفيا مع توقف في السنغال وجامبيا من بلدان غرب إفريقيا في طريق عودته إلى بلاده. موقف إيران من برنامجها النووي.. الرقص على السلم! يبدو أن الرفض الإيراني لمسودة اتفاق فيينا، حول إرسال اليورانيوم إلى الخارج مقابل استلام الوقود النووي، مع اعتبار (تركيا) وسيطاً مقبولاً بين الطرفين، قد أعيد التفكير فيه مجدداً، فإيران لا يزال في جعبتها المزيد من الشروط التي تضعها أمام المجتمع الدولي لقبول الاتفاق. وكشفت تصريحات أمين المجلس الأعلى للأمن القومي (علي باقري) يوم الاثنين الموافق 23/ 11 أن إيران لا تمانع في إرسال اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج لتحويله إلى وقود نووي، لكن بشرط "بحث طريقة خروجه"، كما اتهم الغرب بأنه يتلكأ في المفاوضات مع إيران حول الضمانات وآلية المبادلة. أما يوم الثلاثاء 24/ 11 فكانت الشروط الإيرانية مختلفة بعض الشيء، فالمتحدث باسم الخارجية الإيرانية (رامين مهمانبرست) قال بالنص: "لم نرفض الاتفاق وإنما نريد ضمانات بأننا سنحصل على الوقود الذي نحتاجه عندما يخرج اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد"، وأضاف: "ولهذا السبب فإننا نريد أن يتم التبادل على الأراضي الإيرانية"، مشيراً إلى توفر بدائل أخرى للحصول على الوقود النووي اللازم مثل شرائه أو قيام إيران نفسها بتخصيب اليورانيوم. ويبدو أن عدّاد الزمن لا يسير لمصلحة الإيرانيين، فقد حذرت القوى العالمية إيران من المزيد من العقوبات المالية إذا لم تقدم إيران ردا واضحا قبل نهاية العام. الإصلاحيون: ملف شائك يدمي قبضة النظام الحديدية! نددت (جبهة المشاركة الإسلامية) بأحكام اعتقال الكثير من الإصلاحيين، وذلك على خلفية ما يُعرف بالثورة المخملية، وهي المظاهرات التي تفجرت غضباً في إيران ضد نتائج الانتخابات الرئاسية في البلاد، والتي وصفتها المعارضة بالتزوير. وكانت محكمة الثورة قد أصدرت حتى الآن أحكاما بسجن أكثر من ثمانين إصلاحياً بينها خمسة أحكام بالإعدام شملت ثلاثة من خارج حركة الاحتجاج على نتائج الانتخابات. ودعت جبهة المشاركة، التي اعتقل معظم قادتها الكبار، إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين دون قيد أو شرط، كبداية تساهم في إنهاء الأزمة المستمرة، والعودة بالأوضاع إلى حالتها الطبيعية، لكنها هددت أن الشعب الإيراني لن يستسلم لأساليب القمع والاستبداد. ومن بين هذه الأحكام، كان حكم السجن على الإصلاحي البارز (أحمد زيد آبادي) خمس سنوات والنفي إلى كناباد في إقليم خراسان شرق إيران، وكان (آبادي) قد اعتقل بوصفه قياديا طلابيا بارزا وأمين عام مكتب تعزيز الوحدة الطلابية أثناء دراسته الجامعية. وفي نفس السياق أعلن مهدي رفسنجاني، نجل رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني، استعداده المثول أمام المحكمة في أي وقت تراه مناسبا للرد على الاتهامات الموجهة بحقه وتشتمل المشاركة في الثورة المخملية. وكان (عباس جعفري دولت آبادي) مدعي عام طهران قد دعا إلى محاكمة (مهدي) الموجود حالياً خارج البلاد بتهمة الفساد والمشاركة في الثورة المخملية. وذلك على خلفية اعترافات بعض المتهمين في محاكمات بثها التلفزيون، أشارت إلى تورط نجل رفسنجاني في الاحتجاجات التي قال الادّعاء العام أنها كانت تهدف إلى تغيير النظام. يبدو أن طبيعة المحاكمات في تعقّب الإصلاحيين قد هزت من صورة النظام الإيراني في الخارج، وهو ما يسعى الرئيس حالياً إلى إضفاء بعض الرتوش عليه لتجميل الديكور السياسي وتمرير مشروع الحلم النووي الإيراني!