عصر "خربش واكسب" انتشرت في الآونة الأخيرة قنوات دينية متشددة، وهذه القنوات لها إيجابيات.. ويجب ألا ننكرها كي يكون هناك توازن نقدي.. فهذه القنوات علمت الناس علوما شرعية.. وتسببت في حالة حراك ديني.. ولكن لها أضرارها.. فقد تسببت في تأخر حال المسلم حتى صار المسلم يرى أنه لا حل إلا ارتداء الزي الخليجي.. وأثرت على تفكير الناس؛ فنحن الآن في عصر "خربش واكسب".. بمعنى أنك تجد من يقول أرسل هذه الرسالة لعشرة غيرك وإلا فسيحدث لك كذا وكذا.. تصلني هذه الرسالة فأسأل نفسي كيف يستجيب مسلم متعلم التحق بمدرسة بهذا الكلام.. أعتقد أن السبب هو أن هذه القنوات صنعت مسلما منعزلا عن الحياة رغم ما بها من مميزات إلا أن عيوبها كثيرة ، ونتمنى أن يتخلصوا منها..
التركيز على جسد المرأة وإهمال القضايا الجوهرية.. لقد ركزت هذه القنوات في فتاواها على جسد المرأة؛ لأن هذا هو حدود ما يمكنهم الكلام فيه، والمرأة مستضعفة هناك؛ فلا شك في هذا وفي الريف في مصر أيضا. وأنا أعتقد أن سبب الخير الذي نقص والغلاء الذي زاد والدعاء الذي لا يستجاب هو ظلمنا للنساء، في البيوت وفي الحياة؛ فالرجل ذئب والمرأة مسكينة، وهي لا تريد في حياتها إلا الأمان وتاريخها في الحياة البشرية مشرف جدا، وأصبح نتاج الأمة سيئا؛ لأننا صنعنا امرأة سيئة؛ فنحن تربية نساء في زمن لا يربي فيه الرجل؛ فالأم هي من تربي، وأنا أمي كانت أمية ولكنها علمتني كيف أمشي، وما زلت أتذكر أين ومتى قالته لي، وهي من علمتني التحيات في الصلاة وليس والدي الذي كان قدوتي ومَثَلي.
وبالتالي ففقهاؤنا أصبحوا فقهاء نساء، وبالتالي هم أخرجوا كل ما فيهم من عقد لدرجة أنهم عزلوها عزلاً تاماً في تفسير وأحاديث وخطب.. إلخ؛ فالمرأة في العصر الإسلامي الأول كانت تخرج لصلاة الفجر والآن لا يمكنها حتى أن تخرج لصلاة العشاء، وبالتالي فالمجتمعات هي مجتمعات مهترئة فالمرأة محتاجة حماية دولية عالمية وإعادة تكوين ثقافة الناس فيما يتعلق بها، وقال تعالى {مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ} ولم يقل الذكور.
أنا تعلمت الدعوة من مبشر مسيحي فقه الأمة وفقه الفرد.. هناك فارق بين فقه الأمة وفقه الفرد.. فقه الفرد يجنح إلى التصادم.. فقه الأمة يجنح إلى المهادنة.. فقه الفرد يجنح إلى العزيمة.. فقه الأمة يجنح إلى الرخصة.. فقه الفرد لا يجنح إلى التماس العذر.. فقه الأمة يجنح إلى التخفيف.. فمثلا دار الإفتاء تعلن أن زكاة الفطر أربعة جنيهات.. فأنت تتعجب من قلّتهم.. لكنهم يتحدثون عن شخص لا يجد الأربعة جنيهات.. فلو أننا عشرة نسير جنبا إلى جنب وبيننا شخص أعرج.. فقه الأمة يقول إن علينا أن نسير بسرعة أضعفنا وهو الأعرج.. ولذلك فالقاعدة تقول "إن أمير القوم أضعفهم".. فالأمير عندما يقرر المهادنة أو الصلح يراعي أقل الناس وأضعف الناس.. لكن المتحمسين على النت أفراد يرفضون المهادنة والمسايسة والرخصة والتماس العذر.. بينما إذا أردت ردا من الأزهر ستجد شيئا عقلانيا؛ لأنه مؤسسة تراعي فقه الأمة.
بين المتشددين والدعاة الجدد هناك من يميل للدعاة المتشددين، ويظن أنه كلما ازداد تشددا ازداد حفاظا على الدين؛ ذلك لعدم العزو، وأعني أننا عندما نفتي بفتوى ما، لا بد أن نعزوها فنقول قال الأحناف كذا والحنابلة كذا والرأي الراجح كذا؛ وهكذا كان يفعل الشيخ عطية صقر؛ ولكن لا يمكن أن نعطي رأيا هكذا بدون عزو، كما فعلت وقالت إحدى أساتذة الأزهر عندما قالت إنها تشمئز من مشهد النقاب!
فلا يمكن أن نهاجم النقاب ونترك "الهوت شورت"؛ حتى من باب الحرية الشخصية، ومن باب التوازن؛ فلتحذر عندما تكون رجل دين أن تقول رأيك الشخصي؛ حتى لو كان عن انتمائك الكروي للأهلي أو الزمالك، وبالتالي فالفتوى موقف، وإذا أردت أن تكسب حب الناس فلتبتعد عن الفتوى أو انقل الفتوى مع العزو.
أما عن الدعاة الجدد؛ فإن الارتباك يحدث عندما يخوض بعضهم في أمر الفتوى.. أما الدعوة فلا حرج فيها.. بارك الله فيهم.. فأنا شخصيا يجذبني كلام بعضهم.. فأجلس أمامه مشدودا.. أشعر فيهم بنبرة صدق وأستشعر فيهم أنهم صادقين.. ولكننا نحن من نحمّلهم ما لا يطيقون.. فلا يجوز أن تتعامل مع الواحد منهم باعتبار أنه عالم.. فتسأله عن فتاوى لا علاقة له بها..
أنا تعلمت الدعوة من مبشر مسيحي.. فهناك قناة تبشيرية كان اسمها قناة أم درمان.. قناة تبشيرية إرسالها كل يوم أحد حتى الثالثة عصرا.. فكنت أفتح التلفزيون فأجده أنيقا ومريحا عصبيا، ويتحدث عن الخلاص، وكان أسلوبه جديداً تماما.. ولما كنت مؤمنا أن تقليد هذا الرجل في طريقة العرض غير التقليدي للحديث الديني أنفع للدعوة فعلته.. وهذا ما فعله محمد الغزالي عندما أعاد أفكار كتاب ديل كارنيجي "دع القلق وابدأ الحياة" -وهي أفكار جديرة بالتنفيذ- في كتابه "جدد حياتك".
إضغط لمشاهدة الفيديو: لو كلب عض إنسانا؛ فهذا خبر عادي لكن لو إنسان عض كلبا فهذا هو الخبر خطبة الجمعة والبعد عن الواقع.. في الحقيقة: المشكلة ليست في المشايخ؛ فهم في الواقع يتناولون كل الأمور؛ ولكن المشكلة هي مشكلة الإعلام؛ فمن المعروف أنه لو كلب عض إنسانا؛ فهذا خبر عادي لكن لو إنسان عض كلبا فهذا هو الخبر، وعليه عندما يتحدث شيخ ما في النظافة لا يتم تسليط الضوء عليه؛ ولكن عندما يقول شيخ ما إن استخدام الأقلام الشيفر حرام، هنا يسلط الضوء عليه؛ لأن الإعلام يبحث عن الأخبار المثيرة التي تثير النقاش والجدال حولها، ومن منا لم يسمع أخبارا تافهة طوال الوقت؛ ولكن هذه الأخبار يتم إقحامها في أماكن هامة، وبالتالي فالإعلام يسلط الضوء على الموضوعات التافهة فحسب.
ولنتخيل سويا أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يعيش بيننا هذه الأيام؛ هل كانت لتتركه الصحافة في حاله؛ فالنبي في واحد من أحاديثه يقول: "لا تأكل بشمالك فالشيطان يأكل بشماله"؛ فكانت الصحف ستخرج اليوم التالي بالعناوين التالية: (محمد بن عبد الله يحرم استخدام اليد الشمال)، وتقول نوال السعداوي: (هل نقطعها يا محمد)، ويقول نجاد البرعي: (أعتقد أن محمدا يعتدي على الحقوق الإنسانية، ولا بد من رفع أمره إلى الأممالمتحدة)، وسيخرج واحد من الكنيسة المصرية يقول: (إحنا عندنا في الدين نرحب باستخدام اليد الشمال)، ومحمد الباز يتساءل: (ماذا بينك وبين اليد الشمال يا محمد؟ يبدو أن لديه عقدة من اليد الشمال)، و... إلخ.
صدقيني هذا ما سيحدث؛ فالحديث مر مرور الكرام وسط ناس محترمين؛ ولكن ليس بيننا؛ فالرسول كان يشرح كيفية التطهر أيام الصحابة ولم يتكلم أحد، أما الآن فسيعتبرونها خدش حياء عام، فنحن في زمان عجيب يهيج فيه الناس على لا شيء.
وبالتالي فتعمد الإعلام "تتفيه" القضايا التي تتناولها، جعل من التفاهة صفة عند الناس؛ فأتذكر شخصاً أحضر لي كتاباً في المدينةالمنورة، وأكد لي أنه استمر 7 سنوات يؤلف في الكتاب، وأكد أنه بحث فقهي نادر، وعندما فتحت الكتاب وجدت العنوان (كشف المخبوء في حكم القبلة بعد الوضوء)!! هل يمكن أن يضيع شخص 7 سنوات من حياته في هذا الكتاب؛ فالمسألة بسيطة لا تحتاج الهياج الذي يحدث في الإعلام على أقل الأشياء، فما المشكلة أن صرخ شيخ الأزهر في فتاة في سن ابنته؟ هل تحول المجتمع جميعه أصبح (فافي)؟ وكأننا في عالم آخر.
المظهر مهم للداعية المظهر مهم للداعية فالملبس لسان؛ لأنه لغة؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، والدليل على ذلك لمن لا يصدق أن يلبس جلباباً ويحاول دخول فندق سميراميس مثلاً، ثم يجرب الدخول مرة أخرى مرتدياً البذلة، بالتأكيد فارق شاسع.
واقرأ أيضا الشيخ خالد الجندي يفتح ملفات القدس والنقاب والفضائيات في حوار جريء استخدام الدين في السياسية أخرج لنا أمير مؤمنين جديد!!!! شيخ الأزهر صح.. وجيل الشباب هذه الأيام مظلوم!