في مشهد تاريخي سيذكره العالم، انتصرت إرادة المصريين، وأجبرت الرئيس مبارك على التنحي، في واحدة من أروع الملاحم الثورية في التاريخ المعاصر، في لحظة أريقت في الطريق إليها دماء ثلاثمائة شهيد على الأقل من خيرة شباب البلد، وأصيب المئات تحت وطأة نظام قاهر مستبد لم يُصغ لآلام الناس، وتعامل بتكبّر وتعالٍ مع مطالبها العادلة. فقد أعلن نائب الرئيس عمر سليمان في بيان للشعب أمس (الجمعة) تخلي الرئيس محمد حسني مبارك عن منصبه "كرئيس لجمهورية مصر العربية". وبعد ليلة أمس، التي ستكتب في التاريخ؛ إذ رجّت هتافات 3 مليون مصري ميدان التحرير مساء أمس.. هتفوا وغنوا ورقصوا، ولم يمنعهم الازدحام الشديد ولا برودة الطقس من اصطحاب أطفالهم.. بدأ الجيش المصري اليوم في إزالة الحواجز في محيط ميدان التحرير؛ فيما نزل الآلاف إلى الشارع للاحتفال باليوم الأول لهم بعد تنحي الرئيس مبارك. وقام متطوعون من المعتصمين في الميدان بمساعدة الجيش في إزالة الحواجز وحطام السيارات وتنظيف الميدان، كما بدأ المعتصمون في مغادرة الميدان والتوجه إلى منازلهم، وبدأ الجيش منذ الصباح الباكر بتحريك دباباته وفتح الطرقات المؤدية إلى الميدان، وفُكّكت كذلك الحواجز المحيطة بالمتحف المصري.
بعض المتطوعين يحملون أمتعتهم استعداداً للرحيل وبدأت مظاهر الحياة تعود إلى طبيعتها تدريجياً، في مختلف المصالح الحكومية بالقاهرة والمحافظات؛ حيث شوهد الموظفون يتوجهون إلى أماكن عملهم؛ فيما فتحت المحال التجارية أبوابها أمام المواطنين. وقد حرص عدد كبير من المتظاهرين "سابقاً" على التعاون فيما بينهم، من أجل إزالة آثار الأحداث التي شهدها الميدان خلال الثمانية عشر يوما الماضية، وإزالة جميع المخلفات الموجودة في ساحة الميدان؛ ما عدا صور شهداء الثورة، وعمل لوحات تذكارية من الرخام لصورهم، تكون على شكل أعمدة إنارة، بعد أن روت دماؤهم الطاهرة ساحة الميدان. وصباح اليوم أذاع التلفزيون المصري بياناً هنّأ فيه الشعب والجيش على نجاح "الثورة العظيمة"، وأعلن أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يهنئ الشعب المصري بثورته العظيمة التي قادها خيرة شباب مصر، ويقدّم كل التحية للقوات المسلحة لدورها العظيم في حماية الثورة وحفظ الوطن والمواطنين"، وتعهّد بأن يكون "أميناً في رسالته". وتحدثت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية عن "ارتياح يسود البلاد"؛ إثر تنحي مبارك.. ونقلت وجود احتفالات في مختلف نواحي البلاد.