هل تخيلت نفسك يوما قريبا من مكان عملك السابق، وقلت تعدي تشوف زملاءك بتوع زمان وتسلم عليهم؟ هل صرخ أحدهم بفرحة حين وجدك بالباب، وهتف: مش ممكن.. فلان يا جماعة جاي يزورنا؟ هل شعرت بحرارة الأحضان المفعمة بالحب، وضغط الأيدي أثناء المصافحة تعبيرا عن الوحشة والافتقاد؟ هل تلقّفك الفريق يحييك ويطمئن على أحوالك ويحكي لك بصفاء وسرور بالغين عن أحواله؟ هل ودّعوك بنفس البسمة والنظرة الممتنّة والروح المبسوطة؟ بالتأكيد حدث.. فقط لو كنت زميلا خفيفا، وعاملا فاعلا.. لو كنت حبوبا أحبك الناس؛ ليس فقط لكونك زميلا بل لأنك أخ وصديق، ليس لمنصبك أيا كان، ولكن لإخلاصك لهم ولرسالة العمل الذي تؤديه، ولهذا أحبوك وودوا لو يرونك كثيرا، يستقبلونك بالأحضان، ويودعونك بالأحضان، ويذكرونك فيما بينهم بكل خير وحب.. فما بالك لو كنت غِتت ودمك تقيل، وكابس على أنفاسهم مش عايز تحلّ عن سماهم؟! ما ظنك بمشاعرهم تجاهك وهم مرغمون على قبولك بينهم سنين طوالا، وأنت غير عابئ بحقّهم في التنفس، ولا الاستمتاع بالتغيير والترقي الطبيعي في درجات الحياة؟ ما ظنك وأنت ترسّخ أقدامك على أكتافهم، وهم يبذلون ويجتهدون لأعمالهم بينما أنت لا تحسّ ولا تقدّر؟ بل تسعى لإذلالهم أكثر والسيطرة عليهم بشكل أكبر؟ ما بالك إذا انتفضوا يوما عليك، وأعلنوا رغبتهم في رحيلك؟ وقالوا لك بصريح العبارة: "مش عايزينك مش طايقينك".. ماذا؟ تعمل نفسك مش واخد بالك؟ فإذا أعلنوها أكثر صراحة وقالوا: "المدير" لازم يرحل، تقول مش فاهم يعني إيه ارحل؟ وقتها سيواجهونك بأعلى صوت: "ارحل يعني إمشي.. شكله ما بيفهمشي". بالله عليك.. أيهما أفضل لك؟ أن تحتفظ بالحب والودّ في الحضور والغياب أم بالكره والبغض والدعاء عليك ليل نهار؟ أسمعك تقول: ربما هم لا يعرفون مصلحتهم، ولهذا لا بد أن أبقى حتى أحفظ استقرارهم وأمانهم "الوظيفي"؛ فهناك ملفات كثيرة في "العمل" لا يعرفها أحد غيري.. سيواجهون كوارث لا حد لها بدوني.. صديقي المتسلّط اعتبر نفسك متّ.. نعم اعتبر أنك متّ، فماذا كان سيحدث بعد ذلك؟ سيضيعون؟ سيُلقون بأنفسهم من النوافذ والشرفات؟ عبد الحليم حافظ حضرتك؟! وقتها سيرتّبون أمورهم ويتدبّرون شئونهم وربنا يتولاهم.. هل ستصير مثل السياف العربي الذي حكى عنه نزار قباني: كلما فكرت أن أعتزل السلطة ينهاني ضميري من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟ كلما فكرت أن أتركهم فاضت دموعي كغمامة وتوكلت على الله وقررت أن أركب الشعب من الآن.. إلى يوم القيامة! ستدافع عنه من جديد وتقول إن من حقه أن يتولى هذا المنصب في هذه "الشركة" مدة محددة، فبأي حكم يترك عمله قبل أن يستوفي مدته؟ فأقول لك: لقد فصل الذي تدافع عنه الموظفين بتعسّف بالغ، وتسبب في خسائر فادحة للشركة، والقرار الذي أتى به من حقه أن يُخرجه، ثم هل يقبل على نفسه هذا "المدير" أن يكون مسئولا عن قوم هم له كارهون، بأي وجه سيخطب فيهم، ويغني عليهم ويعمل نفسه مش واخد باله إنهم قالوا له ألف مرة: غوووور بقى يا عم.. خلّي عندك دم!!! ستتحدّث عن احترام قانون العمل ودستور التشغيل، وإن هذا القرار يحتاج إلى الإجماع، فأخبرك بأنه لم يتحقق إجماع مثل هذا من قبل، ستقول هل يمكن لمجموعة من الموظفين أن يتحدثوا باسم الجميع؟ سأجيبك بأن المجموعة التي تتحدث هي الأغلبية الفاعلة، ولا تقارنها أرجوك برأي الأغلبية الصامتة، بل برأي الفئة الموالية، وهي بالتأكيد أقل بكثير؛ بدليل فشلها الدائم في تغيير إرادة فريق التغيير، رغم استخدامهم لمختلف الوسائل "الواطية" في تحقيق ذلك في مقر الشركة؛ لإفشال خطة التغيير. أخيرا يا صديقي إذا كان لك عنده خاطر انصح رئيسك "في العمل" بأن يستقيل، ويترك الناس تتنفس، عشان يذكروه بالخير، ويستمتع هو بحياة مسالمة صحية.. انصحه أن ينقل مهامه إلى أي أحد؛ فوجهه أصبح كريها لذاته.. ودعنا من دور الأب الذي يتلبسه، فالأب هو اللي ربّى مش هو اللي قتّل..