أعرف أن الكثير ينتظر هذه الحلقة؛ لأنه حسب الإحصائيات الحكومية التي لا يصدقها معظمنا؛ فإن حوالي 60% من الشباب المصري يرغب في السفر والهجرة للخارج، وظنّي أن النسبة أكبر كثيراً من هذا الرقم؛ فبجانب الدافع الطبيعي -عند كل البشر- في حب التنقل والاكتشاف، هناك عوامل طرد كثيرة للشباب المصري تُجبره على الاندفاع وراء رغبته في الهجرة؛ حتى لو كلّفته حياته ثمناً، كما نسمع يومياً عن قوارب الموت وقتلى المهاجرين غير الشرعيين على حدود الدول الأروبية. وأحياناً كنت أتساءل: لماذا يقومون بالهجرة غير الشرعية، والتي تعتبر باهظة التكلفة؛ في مقابل السفر الطبيعي والشرعي؟ وبعد تفكير وبحث اكتشفت أن معظم هؤلاء من حاملي الشهادات المتوسطة، أو حتى دون شهادة، أو لديه شهادة جامعية؛ ولكنها ليست ذات قيمة حقيقية؛ لأنه في الحقيقة لا يُتقن أي شيء، ويظن أنه بسفره سيجد الفرصة؛ ولكن أية فرصة، وأين؟ فالمهاجرون غير الشرعيين في كل بلاد العالم يعملون في أدنى الوظائف، ويحصلون على ربع الرواتب، ومهددون طوال الوقت إلى أن يجدوا طريقة للمواطنة. وكما قلنا في الحلقة الأولى فقيمة المرء ما يتقنه، وهؤلاء لا قيمة لهم؛ لأنهم لم يتقنوا أي شيء، والغريب هو ثورة أهلهم على الفتوى التي قالت بأنهم ليسوا شهداء؛ في حين أنه لم يثُر أي منهم لنفسه في حياته، ويتعلم شيئاً حقيقياً يجعل له قيمة في مجتمعه أو أي مجتمع آخر. المهم، أن ما سأتكلم عنه هنا هو الطريق الشرعي للسفر؟ سواء للدراسة أو العمل أو الهجرة، وهو مع الأسف طريق طويل، وبه العديد من الحواجز والتحديات؛ فالمقال كالعادة لن يُعلن عن منحة أو فتح باب الهجرة؛ ولكنه سيصف الطريق؛ كما اتفقنا سابقاً. في البداية، الطريق للعمل في الخارج هو العمل في مصر أولاً، والطريق للنجاح والتفوق في أي بلد أخرى لن يكون سهلاً، إن لم تكن ناجحاً في حياتك ودراستك وعملك في مصر.. فإن لم تكن كذلك؛ يجب أن تعيد ترتيب أوراقك الآن، وتنتبه لما تقوم به بالفعل في حياتك؛ فلكي تدرس بالخارج أو تحصل على منحة دراسة، يجب أن تكون معدّلات نجاحك "جيد" فما فوق، وليست أقل. ويجب أن تكون قادراً على استيفاء أوراق وإجراءات، ودفع مصاريف؛ وهذه لن تستطيعها دون أن تعمل في وظيفة توفر لك هذه المتطلبات. لكي تعمل أو تدرس أو تهاجر، قد تأخذ من 3 إلى 5 سنوات كفترة إعداد لنفسك، وترقّب للفرص، ومحاولات قد تنجح وقد تفشل؛ فلا تتوقع أن تأتي الفرصة بسرعة؛ ولكنك كلما بدأت في التخطيط لهذا مبكراً؛ كانت الفرصة أفضل وأقرب؛ بمعنى أنك لو في العشرين من عمرك سيكون هذا رائعاً جداً؛ لأنك في ذلك الوقت ستؤهل نفسك للسفر في سن الخامسة والعشرين، أو بعد انتهائك من الدراسة، وهذا جميل جداً. هل تتذكر عندما قلت في نهاية الحلقة الثالثة قبل أن تتخذ قرار السفر: يجب أن تفكّر في أسباب سفرك، وهل هي متناسبة مع عمرك ووضعك المادي والاجتماعي؟ صديقنا (ص) في الجامعة أو انتهى من الجامعة أو حتى لا يزال في الثانوية العامة، ويرغب في الدراسة بالخارج؛ ولكن هل يملك صديقنا المال الكافي لذلك، أم إنه يريد الحصول على منحة؟! مع وجود المال تكون المهمة أسهل كثيراً؛ لأنه وقتها لن يكون لديك مشكلة سوى إجادتك للغة التي تدرس بها في الجامعة، والتفوّق الدراسي، والمرور ببعض الاختبارات، ومخاطبة الجامعة، وفي حال موافقتها تدفع المصروفات؛ فتعطيك الجامعة أوراقاً تدعمك للحصول على تأشيرة دراسة، وقد تتيح لك العمل أيضاً. وبذلك قد لا تكون في حاجة سوى لمصروفات البداية فقط، وبعدها تستطيع أن تعمل وتُكمل دراستك في الوقت نفسه؛ ولكن حتى هذه المصروفات في العادة لا تكون بسيطة إطلاقاً. لذلك دعني أتخيل معك أن (ص) لا يملك أي مصروفات سوى راتب بسيط، أو مصروف ضئيل؛ فهل يفقد الأمل؟! لا طبعاً. في ندوة من الندوات، كان الملياردير محمد فريد خميس -صاحب مصانع "النساجون الشرقيون"- يتحدث عن قصة كفاحه، وكيف بدأ من الصفر بعد موت والده، وحصوله على بكالوريوس التجارة، وسفره للعراق للعمل في وكالة لبيع السجاد كمحاسب، وكان تفوّقه الدراسي هو بداية كل نجاح وصل إليه.. قال جملة لم أنسها برغم أن هذه الندوة كانت منذ سنوات عديدة، قال "الغني عنده فلوسه؛ لكن الفقير ماعندهوش غير علمه. فما دام أنت فقير؛ فلازم تبقى فقير وشاطر، ماينفعش تكون فقير وخايب".. وقتها قال لنا، وكنا لا نزال طلبة في الجامعة: إنه لا يعيّن في مصانعه أو شركاته أي شخص غير حاصل على تقدير "جيد" على الأقل، وأنه سيقبل أن يوظف أياً منا بعد تخرّجه؛ بشرط حصوله على تقدير "جيد" فما فوق. وبنفس الطريقة التي يفكر بها رجال الأعمال، تفكر الدول الرأسمالية؛ فقبل أن يعطوك المنحة، يتوجب أن يتأكدوا أولاً أنهم لا يزرعون بذرتهم في أرض بور، وأنك يجب أن تكون مستحقاً للاهتمام والرعاية، ولك أن تثبت هذا بشكل أو بآخر، وأهم هذه الإثباتات، أن تكون متفوقاً دراسياً، أو مهنياً؛ وإلا لن ترغب أي جهة في منحك أي شيء، حتى الجهات المسئولة في بلدك. لذلك كنت أقول لك "كلما بدأت مبكراً كلما كان أفضل".. فالجهات المانحة كثيرة، ومعظم الجامعات الأجنبية مستعدّة لعمل تخفيضات للمصروفات، أو مِنَح جزئية لإجراء الأبحاث، أو عمل دراسات؛ ولكنهم يشترطون التفوق؛ لأنهم يريدون الاستفادة منك كما تريد أنت الاستفادة منهم!! فهل صدّقت الآن ما قلته في الحلقة السابقة أن "لكل شيء ثمناً.. حتى ما نظنّ أنه مجاني". كما أن المِنَح عادة ما تكون سنوية؛ بمعنى أنها تفتح بابها في كل عام في نفس التوقيت؛ فلنفترض مثلاً، أن منحة "فورد" -شركة السيارات الشهيرة- تمنح منحة سنوية لدراسة العلوم الإنسانية، وموعد التقديم لها هو فبراير أو مارس، وعادة ما تكون مفتوحة للعام الذي يليه في نفس التوقيت، ونفترض أنها وضعت شرطاً، وهو اجتياز امتحان التويفل بمجموع درجات (500)، ولم تستطيع أن تحصل على هذا المجموع هذا العام.. إذن يمكنك التخطيط لمزيد من الكورسات والتقدّم في العام التالي. للحصول على منحة يجب أن تتعلم التخطيط بعيد المدى، وأن تضع الحصول على المنحة كهدف كبير بعد عام، وقبله تكون متطلباتها من إجادة الإنجليزية، واجتياز التويفل، وخبرة العمل الاجتماعي والتطوعي، وهو شرط أساسي في كثير من المنح؛ ومنهم منحة "فورد" أيضاً.. هذه هي أهدافك الصغرى التي تبدأ في تحقيقها خلال هذا العام. في الحلقة القادمة نكمل، وفي انتظار تعليقاتكم.
اقرأ أيضاً: غيّر حياتك بإيدك: عمارات من بَرّه وعِشش من جُوّه غيّر حياتك بإيدك: نظرية (ع).. عربية وعيادة وعروسة غيّر حياتك بإيدك: للحالمين بالسفر.. طريقكم إلى سلم الطائرة غيّر حياتك بإيدك: عشرون عاماً تحلم بأداء العمرة ولم تدّخر جنيهاً من أجلها!!