يبدو أن الزمن الحالي والقادم سيشهدان حالات كثيرة مما نطلق عليه التحرش الجنسي، وهو لفظ جديد على الثقافة العربية، والتي عرفت الغزل والمعاكسة, والمراودة، وهتك العرض، والزنا، والاغتصاب. وهنا يلزمنا تعريف هذه الأشياء؛ ليسهل التفرقة بينها، وليتمكن الضحايا من معرفة حقوقهم القانونية في الحالات المختلفة.
ولنبدأ بتعريف الغزل وهو ذكر الصفات الجميلة للمحبوب؛ بهدف التودد إليه وإسعاده، ويوجد لفظ عصري آخر وهو المعاكسة وفيه يتلفظ الطرف المعاكس بعبارات الإعجاب بالطرف الآخر، أو بعرض نفسه عليه للحب أو للزواج، وقد تكون تلك العبارات صريحة أو تكون رمزية، وهي في الغالب غير جارحة، وأحيانا كثيرة تكون لطيفة، وقد تعجب الطرف الآخر حتى ولو لم يستجب لها حياء أو خجلا.
أما المراودة فلفظ ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف، واللفظ يصف محاولة امرأة العزيز إغواء يوسف وإغراءه وإثارته؛ لكي يقوم بمواقعتها، ولكنه عليه السلام صمد أمام هذه المراودة، إذن فالمراودة تجمع معاني الإغواء والإغراء والإثارة في كلمة واحدة.
أما هتك العرض فقد عرّفه القانون المصري بأنه: "فعل مخلّ بالحياء يقع على جسم مجني عليه معين، ويكون على درجة من الفحش إلى حدّ مساسه بعورات المجني عليه، التي لا يدخر وسعا لصونها وحجبها عن الناس، أو إلى حدّ اتخاذ المجني عليه أداة للعبث به في المساس بعورات الغير".
ويوجد في القانون المصري مادة تتحدث عن هتك العرض، وتحديدا في قانون العقوبات نصّ على أن "كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سنّ كل منهما 18 سنه كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس ثلاث سنوات".
وفي مادة أخرى ينص القانون على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه كل من تعرّض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل، في طريق عام أو مكان مطروق"، ويسري حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون.
وفي نص قانوني صريح: "كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 16 سنة كاملة يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحدّ المقرر للأشغال الشاقة المؤقتة".
فإذا جئنا إلى الزنا، كما ورد في الشريعة الإسلامية نجد الأقوال التالية: - قال أبو حنيفة: "الزنا هو الوطء الموجب للحدّ، وأنه في عرف الشرع واللسان وطء الرجل المرأة في القبل".
- قال مالك: "الزنا هو تغييب الرجل حشفته في فرج آدمي مطيق عمدا بلا شبهة".
- أما الماوردي فقد جعل الزنا شاملا القبل والدبر، وقال: "تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في أحد الفرجين من قبل أو دبر، ممن لا عصمة بينهما أو شبهة".
غير أن الرأي الراجح في الفقه الإسلامي هو الذي يقصر الزنا على ما كان منه في القبل دون الدبر، وخاصة أن الإتيان في الدبر لا تتوفر فيه الحكمة من التحريم، وهو ما يأخذ به القانون الوضعي الذي يعتبر الإتيان في الدبر هتك عرض وليس زنا، ويعاقب عليه بعقوبة أقلّ شدة.
وتستخدم بعض القوانين الجزائية العربية كلمة "مواقعة" ومعناها المباضعة والمخالطة. كذلك قد تستخدم كلمة "الجماع" ولها نفس المعنى. وعلى ذلك فإن الوطء والمباضعة والمخالطة والجماع هي أوصاف مختلفة لفعل واحد وهو الزنا، الذي قد يوصف أيضا بالنكاح، وإن كان للنكاح معنيان؛ أحدهما عقد الزوجية، والثاني الوطء أو المواقعة أو الجماع، وكلها سواء.
وهناك لفظ آخر في الثقافة العربية وهو "المباشرة"، ويعني الأفعال التي تسبق الوطء مثل اللمس والنظر إلى الأعضاء التناسلية، والتقبيل والعناق والمفاخذة، وقد يؤدي هذا إلى الوطء الكامل بعد ذلك أو لا يؤدي.
فإذا جئنا إلى تعبير التحرش الجنسي Sexual Harassment أو Sexual Assault، ولفظ التحرش يجمع بين القول والفعل، وأنه يحمل معنى الخشونة أو التهييج أو الاعتداء الخفيف.
والحقيقة أن التحرش درجة أقل من هتك العرض بمعناه القانوني؛ فالأول يتضمن إيماءات أو تلميحات أو نظرات أو كلمات أو لمسات أو همسات ليست بنفس درجة الفجاجة والعنف في هتك العرض، ولكنها تجرح مشاعر أي أنثى محترمة تعتزّ بكرامتها الإنسانية وبهويتها الأنثوية. لهذا نقترح هذا التعريف للتحرش سواء كان من ذكر لأنثى أو من أنثى لذكر، أو بين طرفين من نفس الجنس: "التحرش الجنسي هو أي قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه". والتعريف بهذا الشكل يجمع بين الرغبة الجنسية والعدوان من طرف إلى طرف بغير تراضٍ.
والتحرش بهذا المعنى يجمع بعض عناصر المراودة التي ذكرناها من قبل، والتي وردت في سورة يوسف، وبين هتك العرض، ولكنها لا تقتصر على أيهما. والتحرش قد يكون بنظرة فاحصة متفحصة داعرة، ولكن هذا مما يصعب إثباته، لذلك اكتفينا في التعريف بالقول أو الفعل، ومع هذا إذا وجدت طريقة أو شهود يثبت بها تلك النظرة تصبح تحرشا.
وقد نحتاج إلى إضافة شيء في القانون يغطي أعمال التحرش مع ذكر أمثلة لها استجدت في واقع الحياة العصرية، ولم تغطها عقوبات هتك العرض، والتي صيغت في ظروف مجتمعية كانت تتسم بالفصل بين الرجال والنساء في أغلب الأحوال، أما الآن ومع هذا الحضور الأنثوي في كل مكان وكل موقع، ومع هذا الاقتراب بين الجنسين في الشارع والمواصلات وأماكن الدراسة أو العمل المفتوحة والمغلقة، أصبح هناك احتياج إلى ضبط وتقنين السلوكيات بشكل أكثر دقة وتفصيلا.
حجم الظاهرة: في إحدى الدراسات تبيّن أن أكثر من 60% من الفتيات يذكرن أنهن قد تعرضن للتحرش بصورة أو بأخرى خلال حياتهن. وفي دراسة أخرى على المرضى المترددين على عيادة الأمراض النفسية بمستشفى الحسين الجامعي تبين أن 9% من العينة قد عانوا الانتهاك الجنسي في فترة من فترات حياتهم (أو حياتهن).
القيم الإجتماعية والتحرش: يوجد في بعض المجتمعات البدوية ما يعرف ب"صيحة الضحى" وهي تعني أهمية صيحة أي امرأة في وقت الضحى (وقت الخروج للرعي وأداء المصالح)، وسرعة الاستجابة لهذه الصيحة من أقرب شخص يسمعها وهبّته للنجدة، مع العقاب الشديد الذي توقّعه القبيلة على من تعدّى على حرمة المرأة.
وفي التاريخ الإسلامي قام المعتصم بتجييش الجيوش لغزو الروم؛ استجابة لصيحة امرأة قالت في لحظة غبن: "وامعتصماه".
أما الآن فقد تراجعت هذه القيمة كثيرا، ولم يعد الرجل (أو المجتمع) ينتفض لاستغاثة امرأة، (اغتصبت فتاة في ميدان العتبة في القاهرة في وضح النهار ولم يغثها أحد، وحدث تحرّش جماعي بالفتيات في يوم العيد في شارع طلعت حرب في وسط القاهرة ولم يتحرك أحد، أو تحرك القليلون متأخرا جدا)، وربما يكون هذا راجعا إلى نظرة المجتمع المعاصر للمرأة، على أنها مخلوق أدنى أو مخلوق شرير، أو أنها خرجت إلى الشارع وإلى الحياة لتزاحم الرجل، وتخطف منه فرص العمل والتفوق، لهذا يتركها تواجه مصيرها، وربما يشمت فيها الرجل إن تعرّضت لسوء. وقديما كانت الأسرة ترفض أن يعاكس ابنها فتاة في الشارع أو عن طريق التليفون، والآن لا نجد مثل هذا الرفض، بل أحيانا تساعد الأم (ولو بالصمت) على علاقات ابنها العاطفية، أو تفعل ذلك إحدى الأخوات دون حرج.
طرق التحرش: 1- لفظية: واللفظ هنا يختلف عن ألفاظ الغزل الرقيقة والمتودّدة، فهو يميل إلى الفجاجة والصراحة الجارحة، ويميل إلى الدلالات الجنسية، وأحيانا يستخدم المتحرّش ألفاظا سوقية يعبر بها عن أطماعه في الضحية، وأحيانا أخرى تأخذ معنى المراودة بما تتضمنه من إغواء وإغراء وإثارة.
2- جسدية: وجسدية هنا تتضمن النظرة الفاحصة المتفحّصة، أو الإيماءة الفاضحة الجارحة، أو استعراض بعض أعضاء الجسم وخاصة الأعضاء الجنسية، أو أخذ أوضاع معينة ذات دلالات جنسية، أو اللمس أو التحكّك أو الضغط، أو محاولة الإمساك بالضحية أو ضمها أو تقبيلها عنوة.
وإلى هنا تتوقف حلقتنا على أمل أن تستكمل في الحلقة القادمة؛ لنتحدث معا عن الأماكن والبيئات التي تكثر فيها حالات التحرش الجنسي... فتابعونا,,, عن موقع أون إسلام