يا ناس، حد يقول لي أعمل إيه، أنا عايزة أموّت نفسي من العيشة الزفت اللي أنا عايشاها، قرّبت أتجنن.. أنا بجد دلوقتي ماسكة موس، وعايزة أقطع شراييني، والمشكلة مش مشكلة عاطفية لأن أنا أصلاً عمري ما هحب حد خالص لأن أنا كرهت الدنيا بسبب أهلي. كلهم بيعاملوني وحش جداً، وبيقولوا عليّ أفظع الكلام؛ مع إني مؤدبة جداً؛ بس هم مش بيحبوني؛ مع إني طيبة جداً معاهم وبحب لهم الخير أكتر من نفسي، وعمري ما آذتهم في حاجة خالص.. لكن هم بقى فاكرين إن أنا صايعة؛ مع إن أنا مش كده خالص والله العظيم؛ كل ده بسبب إني مرة وأنا صغيرة في أولى إعدادي عرفت شاب زي بقية البنات، ومن ساعتها وهم ماسكينها لي ذلة، وكل شوية بيعايروني، ومش عارفة أتفاهم معاهم خالص، وخايفة أموّت نفسي وأموت كافرة.
yoyo
أتمنى أن تطردي للأبد التفكير في الانتحار؛ ليس لأنه حرام فقط؛ ولكن لأنه ليس من الذكاء أن تخسري فرصك الرائعة للاستمتاع بحياة ذكية وجميلة، ترشّحك للفوز بحياة أجمل في الآخرة.. أليس هذا أفضل من حياة غير سعيدة ونهاية كافرة؟!
وأكاد أسمعك تصرخين: ولكن أهلي لا يحبونني، ويضايقونني، ويحرمونني السعادة.
وأردّ عليك بكل الود والاحترام: أقسم لك أن أهلك يحبونك، ولا بد أن تصدقي ذلك، مثلما أصدق أنا أنك فتاة طيبة وتحبين أسرتك.
كل ما في الأمر أن هناك سوء تفاهم متبادل بينكما؛ بناء على خبرات سيئة متراكمة، وكما يقول المثل الشعبي الرائع "اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي".
فلا شك أنك تتذكرين دائماً غضبهم الشديد عند اكتشافهم علاقتك مع الشاب وأنت في الصف الأول الإعدادي؛ أي أن عمرك كان حوالي 13 عاماً، أو ربما أصغر قليلاً، ولا شك أنهم تعرضوا لصدمة بالغة عندئذ، وغالباً تصرفوا بحدّة وانفعال زائد؛ ليس لأنهم لا يحبونك كما يوسوس لك إبليس اللعين ليحرمك أولاً من الاستمتاع بحب أهلك، ثم ليحرضك عليهم، وأخيراً ليوقعك في دائرة عقوق الوالدين اللعينة.
وأرجو ألا تقولي: ولكني أتعامل معهم باحترام.. وأردّ عليك بأمانة؛ فهذا دورنا: لا يمكن أن تتعاملي معهم جيداً وبداخلك كل هذا الغضب المتراكم الذي أخاف عليك منه كثيراً؛ لأنه يسرق صحتك النفسية ويعرّضك لمتاعب صحّيّة قد تظهر في سنوات لاحقة، حماك ربي وأسعدك، كما يغتال -بالتأكيد- كل فُرَصك في رضا الرحمن عنك؛ فلا شك أنك تردّين عليهم بصورة غير لطيفة، أو على الأقل فإن تعبيرات وجهك تُظهر رفضك الشديد لهم.
وصدقيني، أقول هذا لخوفي البالغ عليك؛ فالعقوق من الكبائر، وعقابه في الدنيا والآخرة، وقد قيل إن تقطيب الجبين (التكشير) في وجه الوالدين من العقوق.. ومن المؤكد أنك تفعلين ما هو أكثر؛ ليس لأنك سيئة؛ فأنا أصدّق حبك لأسرتك؛ ولكن لأنك تحملين الغضب بداخلك، وحرّضك إبليس اللعين على تضخيمه.
وصدقيني أن أسرتك تحبك؛ ولذا يخافون عليك من العلاقات العاطفية المبكرة؛ فلا شك أنك لم تكوني موفّقة عندما أقمتِ علاقة مع شاب في هذه السن المبكرة.. وليس صحيحاً أن باقي البنات تفعل ذلك؛ فالأغلبية ترفضها، وما يظهر على السطح هو الأقلية.. وحتى لو فعلَتْ ذلك كل البنات؛ فهذا لا يبرر الخطأ؛ فهل إذا تناولَتْ جميع البنات طعاماً مسموماً هل ستشاركين في ذلك؟ أم ستقولين إنهن غافلات ويخاصمهن الذكاء؟
وهذا حال كل فتاة تُعرّض سمعتها للضرر، وتؤذي قلبها؛ فلا شك أن العلاقات الفاشلة تُفسد حياة البنات، وتُحَمّلهن ذكريات سيئة، وتشوّه مفاهيم الحب لديهن، وتحطّم ثقتهن بأنفسهن وبجدارتهن بالحب؛ فضلاً عن العقاب الديني الذي ينتظرهن.
كما أن معظمهن لا يستطعن الاستمتاع بمباهج الزواج؛ لأنهن اعتدن الإشباع الكاذب والمزيّف، وحرمن أنفسهن من انتظار الإشباع الحقيقي، الذي لا يعقُبُه شعور بالذنب أو الخوف من انكشاف الأمر أو عدم احترام النفس، أو اكتشاف أن الشاب كان يتسلى بها ليتباهى بعدد الفتيات اللاتي أقام معهن علاقات.
لذا أؤكد أن أهلك يحبونك؛ ولذا شعروا بالرعب لإقامتك علاقة في هذه السن المبكرة.. وأنا بالطبع أرفض أسلوب المعايرة بالخطأ، وقد يفعله الأهل ليتذكّر الأبناء الخطأ فيكرهونه ولا يكررونه؛ ولكني لا أحبه أبداً.
والآن.. أمامك خياران لا ثالث لهما، ووحدك صاحبة الحق في الاختيار؛ لأنها حياتك، ومن حقك اختيار ما يناسبك وما ترين أنه الأفضل لك على المدى البعيد.. وأتمنى التأكد من أن القرار مفيد لك وأنك لا تتخذينه بسبب الرغبة في الانتقام من أهلك أو معاقبتهم على ما ترينه مضايقات لك؛ فليس من الذكاء الدخول في عداء وخصومة مع الأهل.
الخيار الأول: الاستمرار في شحن نفسك ضد أهلك وتصويرهم بأنهم الشياطين الذين يتربصون بك ليلاً ونهاراً، وأنت البريئة التي لم تخطئ يوماً في حقهم؛ مع أننا جميعاً نخطئ كما يقول الحديث الشريف "كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون".
وميزة هذا الاختيار هو شعورك بأنك لم تتسببي في سوء العلاقة مع أهلك، وأنهم وحدهم المخطئون طوال الوقت؛ مما يُشعرك بأنك أفضل منهم، وأنك لست مطالبة بتحسين العلاقة، وقد يُسعدك هذا الإحساس مؤقتاً.
أما عيوبه فكثيرة، ومنها: زيادة المشكلات مع أهلك؛ مما سيُحرّضك على المزيد من ردود الفعل التي لا تعجبهم، وبالتالي تتضاعف حدة المضايقات، وقد تصل إلى الإهانات -التي أرفضها بالتأكيد- أو مختلف أشكال العقوبات؛ فضلاً عن غضب الخالق عزّ وجل.. وبالطبع لا يمكن أن نتخيل أن يرزقنا الرحمن بما نحب، ونحن نُصِرّ على المعصية؛ فما بالنا بالإصرار على ارتكاب الكبائر ومنها عقوق الوالدين.
أما الخيار الثاني: فهو بدء صفحات جديدة مع أسرتك، وأن تقولي لنفسك: من مصلحتي تغيير كافة أقوالي وتصرفاتي مع أهلي، وأن أغيّر تفكيري بأنهم أسوأ بشر في الكون وأنني أفضل إنسانة في الدنيا، وأن أعترف بأنني قد أخطأتُ وأنا صغيرة، وأنهم يخافون من تكرار الخطأ؛ لذا يذكّرونني به بطريقة لا أحبها.. ومن الذكاء الفرح باهتمامهم وعدم التوقّف عند الأسلوب، وعليّ أن أمحو من ذاكرتهم هذه الصفحة السيئة، وأن أتوقّف عن إنكار الخطأ أو تبريره بادعاء أن كل البنات تُقيم علاقات في هذا السن المبكرة جداً، وأن أغيّر نظرتي إليهم، وأتّخذ قراراً بأن أحبهم كما هم، دون شروط مسبقة، وأن أتعامل معهم باحترام مع تجنّب إظهار الضيق إذا استمتعتِ لكلام لا يعجبني؛ سواء بملامح وجهي أو يدي أو بالصوت.
وأنت لا تكرهين الدنيا؛ ولكنك لا تحبين تعامل أسرتك معك، وبِيَدك وحدك الفوز بتعامل أفضل والاحتفال بأي تقدّم ولو كان بسيطاً؛ من خلال التوقف عن التعامل مع نفسك على أنك ضحية؛ فهذا أسوأ ما يمكن أن تفعلينه بنفسك.. ولا تسمحي لأحد بتحريضك ضد أهلك سواء إبليس أو صديقاتك، ولا تعيشي يتيمة وأهلك على قيد الحياة.
وأتمنى قراءة الردّ عدة مرات بهدوء، وصلّي ركعتي الحاجة؛ ليرزقك ربي حياة أفضل تستحقينها، ولتسحقي إبليس اللعين أيضاً.. وفّقك ربي وأسعدك.