متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    الآن بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى اليوم الخميس 23-5-2024    الجيش الإيراني: لا آثار لطلقات رصاص أو ما يشبهها على الأجزاء المتبقية من مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: موقف مصر مشرف وواضح وشجاع    سقوط مصري.. خسارة محمد شريف وطارق حامد في الدوري السعودي    «الأولمبى» يحصد 27 ميدالية ذهبية ببطولة الجمهورية للجمباز فنى وأيروبيك (صور)    ضبط 2490 كرتونة سلع غذائية مجهولة المصدر ب شمال سيناء    نهى عابدين تكشف سر نجاح دورها في «العتاولة» وسبب مقارنتها ب روقة في «العار»    هشام ماجد عن أمينة خليل: «هدفها التغيير وتقديم الدور المختلف»    وزير الاتصالات: توقيع اتفاقية تعاون لتطوير حلول رقمية في مجال الرعاية الصحية باستخدام AI    ماذا قال الحلفاوي عن مصطفى شوبير قبل مباراة الأهلي والترجي؟    أيمن الجميل: مشروع الدلتا الجديدة إنجاز تاريخي    الاتحاد الأوروبي ينتقد مناورات الصين واسعة النطاق قبالة تايوان    ورشة عمل حول تطبيقات الصحة والسلامة المهنية بالمنشآت الحكومية بالمنوفية    إيرادات الأربعاء.. "السرب" الأول و"بنقدر ظروفك" في المركز الرابع    أكثرهم «برج الحوت».. 5 أبراج سيحالفها الحظ خلال الفترة المقبلة (تعرف عليها)    إعلام إسرائيلي: من المتوقع صدور أوامر للوزراء بعدم التطرق لقرارات محكمة العدل    انطلاق المؤتمر السنوي ل «طب القناة» في دورته ال 15    وزارة الصحة: نصائح هامة للمواطنين تفاديا لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة    العثور على جثة متحللة لمسن في بورسعيد    لجنة سكرتارية الهجرة باتحاد نقابات عمال مصر تناقش ملفات مهمة    قرار قضائي جديد بشأن التحقيقات مع سائق «ميكروباص» معدية أبو غالب (القصة كاملة)    محمد نور: خطة مجابهة التضليل تعتمد على 3 محاور    «بوتين» يوقّع مرسوما يسمح بمصادرة أصول تابعة للولايات المتحدة في روسيا    البورصات الأوروبية تغلق على ارتفاع.. وأسهم التكنولوجيا تصعد 1%    الفريق أول محمد زكى: قادرون على مجابهة أى تحديات تفرض علينا    انفجار مسيرتين مفخختين قرب كريات شمونة فى الجليل الأعلى شمال إسرائيل    مسلسل إسرائيلي يثير الجدل والتساؤلات حول مقتل الرئيس الإيراني    20 لاعبًا في قائمة سموحة لمواجهة فاركو بالدوري المصري    محافظ بورسعيد يشيد بجهد كنترول امتحانات الشهادة الإعدادية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    ترامب: علاقتى ببوتين ستساعد فى تأمين إطلاق سراح الصحفى جيرشكوفيتش    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    في ذكرى رحيله...ومضات في حياة إبسن أبو المسرح الحديث    الكرملين: الأسلحة الغربية لن تغير مجرى العملية العسكرية الخاصة ولن تحول دون تحقيق أهدافها    بالفيديو.. خالد الجندي: عقد مؤتمر عن السنة يُفوت الفرصة على المزايدين    خاص.. الأهلي يدعو أسرة علي معلول لحضور نهائي دوري أبطال إفريقيا    متى وكم؟ فضول المصريين يتصاعد لمعرفة موعد إجازة عيد الأضحى 2024 وعدد الأيام    وزير الري: نبذل جهودا كبيرة لخدمة ودعم الدول الإفريقية    من الجمعة للثلاثاء | برنامج جديد للإعلامي إبراهيم فايق    قبل قصد بيت الله الحرام| قاعود: الإقلاع عن الذنوب ورد المظالم من أهم المستحبات    افتتاح كأس العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالمكسيك بمشاركة منتخب مصر    أجمل عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024 قصيرة وأروع الرسائل للاصدقاء    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    عفو السيسي عن عقوبة "البحيري" .. هل عطّل الأزهر عن فتوى جديدة عن "مركز تكوين"    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ أسيوط يناشد المواطنين بالمشاركة في مبادرة المشروعات الخضراء الذكية    تعاون بين الجايكا اليابانية وجهاز تنمية المشروعات في مجال الصناعة    ننشر حيثيات تغريم شيرين عبد الوهاب 5 آلاف جنيه بتهمة سب المنتج محمد الشاعر    تاج الدين: مصر لديها مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 9215 طلب تصالح على مخالفات البناء    الهلال السعودي يستهدف التعاقد مع نجم برشلونة في الانتقالات الصيفية    تعليم القاهرة تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الأبتدائي للعام الدراسي المقبل    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    حماس: معبر رفح كان وسيبقى معبرا فلسطينيا مصريا.. والاحتلال يتحمل مسئولية إغلاقه    الداخلية تضبط 484 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1356 رخصة خلال 24 ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرياتي مع أرسين لوبين وشيرلوك هولمز
نشر في بص وطل يوم 08 - 12 - 2010

على الرغم من نشاطاتي المتعدّدة أيام الكلية، والتي كان من أخطر آثارها الجانبية عدم انتظامي في المحاضرات والدروس العملية، واضطراري إلى العيش تحت ضغط رهيب في نهاية كل عام؛ في محاولة لتحصيل كل ما فاتني، فقد كانت أسعد أيام حياتي تلك التي مرّت في العام الأخير من الدراسة الجامعية، عندما أدركت أن نشاطاتي قد توقّفت بصورة حتمية، مع وجود اتحاد طلاب من الجماعات الإسلامية، مما يعني توقّف الحفلات الطلابية، ومنع معارض الرسم والتصوير، وجميع النشاطات الأخرى، التي لم يكن من المفترض أنني المسئول عنها فحسب، باعتباري أمينا للجنة الفنية، ولكن لأنني أيضا أعشقها حتى النخاع..
في هذه الفترة، استرجعت تجربة مثيرة، مررت بها في عامي الجامعي الأوّل، والتقيت خلالها بواحد من رجال الأمن، أثار الكثير من الانبهار والاحترام والتقدير في نفسي، وبدأت أفكّر في تحويل نشاطي من الفن -الذي كان يحتلّ المكانة الأولى في حياتي- إلى الكتابة، التي كنت أمارسها دوما في الخفاء؛ لأسباب سبق ذكرها..
كنت دوما مغرما بالروايات البوليسية، وخاصة روايات شيرلوك هولمز التي كتبها سير آرثر كونان دويل، وروايات الكاتبة الإنجليزية الأشهر في هذا المضمار أجاثا كريستي، وفي نفس الوقت كنت أعشق روايات المغامرات بكل أنواعها، البوليسية منها، والمخابراتية، والخيالية..
ولديّ حتى الآن عدة كشاكيل، كتبت فيها في تلك الفترة ما يشبه الدراسات، حول هذه الأمور..
لقد لاحظت أيامها أن القصة البوليسية قد مرّت عبر تاريخها بثلاثة منعطفات مهمة؛ ففي البداية، كانت روايات مثيرة، تعتمد على بطولات مبهرة، والكثير من الغموض والإثارة، وتنتهي بحلول أكثر إبهارا، ولكنها كانت حلولا بطولية، أكثر منها منطقية..
ثم جاءت مرحلة أرسين لوبين وشيرلوك هولمز..
كان موريس لبلان -مبتكر شخصية لوبين- شديد التأثر بروح المغامرة، التي كانت لعبة الأثرياء والمغامرين في فرنسا، كما كان لديه تمرّد اجتماعي، تجاه الأمن ونظمه وأساليبه، لذا فقد ابتكر شخصية لصّ مغامر، هو صورة عصرية من روبين هود؛ حيث إنه يمارس السرقة، ليس بدافع الحاجة، بقدر ما هي بدافع المغامرة والتحدّي..
وكان غريم لوبين دوما هو المفتش يل، الذي ما زلت أذكره وأضحك على الوصف التقليدي الشهير له..
"ودخل كرش ضخم، يتبعه المفتش يل"!
في فترة ما عشقت روايات لوبين، لما فيها من خفة وإثارة ومرح، والكثير من الأفكار الجديدة المدهشة، مع قدرات لوبين على مراوغة أعدائه، والفوز دوما بغنيمة، مهما كانت الصعوبات والتحديات..
وبالمصادفة، كشفت أيامها أن لوبين ما هو إلا تطوير لشخصية قديمة، تُدعى روكامبول، ابتكرها قلم بونسوان دي ترايل، وهي لمغامر إجرامي منعدم الرحمة والضمير، لا يتورّع عن ارتكاب أسوأ وأحطّ ما في الوجود، من أجل المال والقوة، ولكنه ينهار ويستيقظ ضميره، عندما يقع في حب عميق، ثم يفقد محبوبته..
وعلى الرغم من قسوة روكامبول فقد عشقت ذكاءه، وقدراته المدهشة، واكتسابه لعشرات المهارات، بالصبر والإصرار..
ثم ظهر شيرلوك هولمز..
وكان هذا هو أوّل منعطف في الرواية البوليسية..
ومنعطف شديد الأهمية والخطورة..
فلأوّل مرة، في تاريخ الرواية البوليسية، تظهر شخصية هادئة، رومانسية إلى حد ما، وتجيد التوصّل إلى الحقيقة، من خلال استدلالات منطقية وعلمية، وفراسة مؤيدة دوما بالبراهين والأسانيد..
وانبهرت حقا بشخصية هولمز، وانبهرت أكثر بمبتكره الطبيب سير آرثر كونان دويل، عندما كشفت من خلال قراءاتي أنه كاتب خيال علمي من الطراز الأوّل، ويكاد ينافس في كتاباته وأفكاره العظيمة، في هذا المضمار، عمالقة الخيال العلمي، مثل جولي فيرن، وه. ج. ويلز..
والعجيب أن عبقرية كونان دويل في الخيال العلمي قد خبت كثيرا، مع الشهرة العالمية الرهيبة، التي حازها بسبب شيرلوك هولمز..
ولقد ضاق كونان دويل كثيرا بهذا، وكره إن يكون ما يراه أبسط أعماله، هو السبب الرئيسي لشهرته، فقرّر ذات يوم التوقّف عن كتابة روايات هولمز، على الرغم من أنها كانت السبب الرئيسي لحصوله على لقب سير، من ملكة بريطانيا، وهو لقب لم يكن يحصل عليه سوى قلة من الناس..
وفجأة، خرج كونان دويل على قرّائه برواية مصرع هولمز التي لقي شيرلوك هولمز في نهايتها مصرعه، مع خصمه الشهير، البروفيسير مورياتي، في لحظة واحدة..
كان كونان دويل يتصوّر أنه بهذا ينهي مرحلة من حياته، ويفسح المجال أمام النقاد والقراء؛ لإدراك موهبته الحقيقية في روايات الخيال العلمي..
ولكنه واجه مفاجأة..
لقد ثار عليه، ليس قراؤه فقط، ولكن الشعب الإنجليزي كله، الذي اعتبر هولمز رمزا بطوليا للإمبراطورية البريطانية، ليس من حقّ مؤلفه نفسه أن ينهيه..
وتمرّد كونان دويل كعادته، ورفض إعادة هولمز..
وتعاظم الأمر أكثر..
الناس انصرفت عن روايات كونان دويل الخيالية العلمية، على عكس ما توقّع، ولم يكتفوا بهذا، وإنما انصرفوا عن عيادته الخاصة أيضا، وطالبوا الملكة بأن تسحب منه لقب سير هذا..
وعانى كونان دويل الكثير..
والكثير..
والكثير..
وفي النهاية، وتحت ضغط من الملكة نفسها، اضطر كونان دويل لكتابة رواية جديدة، تحمل عنوان عودة شيرلوك هولمز..
وهللّت بريطانيا كلها لعودة هولمز، وليس لعودة دويل..
وانكسر الألمعي، عندما أدرك أن الشخصية التي صنعها، صارت أكثر شهرة منه ومن كل كتاباته الأخرى..
أكثر بكثير..
جدا..
ثم جاء عصر أجاثا كريستي..
ولقد كان لأجاثا كريستي أسلوب جديد تماما، في التعامل مع الجريمة..
روايات أجاثا كريستي لم تعتمد على الأدلة العلمية والمعملية، مثل كونان دويل، ولكنها اعتمدت على أمر أكثر إنسانية..
لقد اعتمدت على النفس البشرية، والاستنباط المرتبط بطبائعها، ونفسياتها، وردود أفعالها البشرية..
وانبهرت أنا انبهارا كليا بهذا النوع من الروايات، خاصة أنه كان من شبه المستحيل أن تتوصل إلى الحقيقة، قبل بلوغ الفصل الأخير من الكتاب، وربما الصفحات الأخيرة أيضا..
كانت، والحق يقال، عبقرية في هذا المضمار..
وكانت، كعادة العباقرة، شديدة التمرّد على واقعها، منشدة للتطوّر والكمال طوال الوقت وكل الوقت..
كانت متزوّجة من عالم آثار، ومنه اقتبست العديد من الأفكار المثيرة، ولها مقولة شهيرة في هذا الشأن..
"الزواج من عالم آثار مزية؛ لأنني كلما تقدّمت في العمر، صرت أكثر أهمية بالنسبة له!".
عبارة تدل على طبيعتها الفلسفية المرحة..
والمتمرّدة أيضا..
ولأنها فيلسوفة وشديدة التمّرد، أقدمت ذات يوم على تصرّف عجيب..
للغاية.
لقراءة أعمال د.نبيل فاروق السابقة اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.