حقاً مثلما قال الكثيرون، وكتبت الجرائد؛ إن مشهد الاستقبال الحافل لمحمود أحمدي نجاد -الرئيس الإيراني- في لبنان في أكتوبر الماضي، يشبه كثيراً مشهد استقبال نفس البلد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عام 1958.. لكن هل هذا يعني أن نجاد وعبد الناصر لهما نفس درجة التأييد، أم هناك فرق؟ سنتعرف على ذلك خلال السطور القادمة. للوهلة الأولى أسلوب تحدّث المسئولين الإيرانيين عن شعبية نجاد يوحي لك بأنه صورة طبق الأصل من عبد الناصر؛ بل إن البعض منهم رفع شعبية نجاد فوق عبد الناصر، والشاهد على ذلك تصريحات غضنفر ركن آبادي -السفير الإيراني في لبنان- التي قال فيها: "إن شعبية الرئيس الإيراني نجاد فاقت شعبية جمال عبد الناصر، وإن حفاوة الاستقبال الذي تمتّع به نجاد خلال زيارته إلى لبنان، فاق الاستقبالات التي كانت تُصاحب عبد الناصر". تصريحات السفير الإيراني تدلّ على أنه لم يشاهد حجم الاستقبالات الشعبية لجمال عبد الناصر في الدول العربية أو الإفريقية أو الآسيوية، كان الملايين يخرجون له بعفوية ودون ترتيبات، وإذا كان غضنفر لم يشاهد تسجيلات لتلك اللقاءات؛ فالمؤكد أنه -بحكم وجوده في العاصمة اللبنانية بيروت- سمع من السياسيين اللبنانيين عن خروج الملايين في سوريا لاستقبال عبد الناصر، بعد إعلان الوحدة المصرية السورية عام 1958، وفي هذه الأثناء عمّت المظاهرات لبنان تأييداً لعبد الناصر، وزحف عامة الشعب اللبناني إلى سوريا؛ للاستماع إلى أول خطاب لعبد الناصر في سوريا بعد الوحدة؛ صحيح أنني لم أعِش في هذه الفترة ولم أرَ بعيني هذا؛ لكن تشهد الصور على هذا الكلام؛ فالصورة الواحدة أصدق من ألف كلمة. والتسجيلات والمشاهد التي تدلّ على حفاوة الاستقبال لعبد الناصر في كل الأقطار من المحيط إلى الخليج لا تحتاج لبراهين، ولا تحتمل أية محاولات من أي مسئول لمجرد التشبّه به وليس المقارنة؛ فعبد الناصر لم يعتمد على الكلام، أما نجاد؛ فهو دائم الحديث دون أي تنفيذ، ويعتمد على حزب الله. وهْمُ تفوّق شعبية نجاد على عبد الناصر الزعم بأن شعبية نجاد تفوق شعبية عبد الناصر أمر لا يمكن قبوله؛ فالإيرانيون أنفسهم أول من يعلم مكانة عبد الناصر جيداً؛ فهو رجل لا يستمدّ قيمته من مجرد تصريحات أو حدث عابر؛ وإنما يستمدها من مجموعة سياسات ومشروع عربي كامل، عاش من أجله، وتمكّن على مدار سنوات حكمه من تحقيق العديد من الإنجازات التي لا يمكن حصرها. والمقارنة بين الزعيم جمال عبد الناصر والرئيس الإيراني أحمدي نجاد ستكون ظالمة؛ لأن عبد ناصر كان زعيماً ملأ تأثيره العالم، أما نجاد فلا يتحدث إلا باسم بلاده فقط، ولا يمكن القول بأن نجاد هو من صنع إيران؛ وإنما العكس؛ فإيران -كدولة- هي ما يعطي لنجاد ثقله؛ فنجاد يستمدّ قوته من إيران، وليست إيران هي من تستمدّ قوتها من نجاد، كما أن هذه المقارنة ما هي إلا محاولة لسلب جزء من شعبية عبد الناصر قسراً، ومنحها لِمن لا يستحقها وهو أحمدي نجاد، ولا يمكن استبعاد وجود أَيَادٍ لحزب الله في أن يخرج استقبال نجاد بهذا الشكل؛ حيث سبق له أن زار السعودية ولم يُعِره أي من السعوديين اهتماماً، وكذلك الحال في زياراته لكل من قطر والإمارات. والحقيقة أن الرئيس أحمدي نجاد ليس أكثر شعبية في لبنان والمنطقة مما كان عليه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1958، ولا أقل طموحاً إقليمياً مما كان عليه الزعيم الراحل.. كذلك ليس وضع لبنان اليوم أقل حرجاً؛ مما كان عليه أواخر الخمسينيات، ولا انتماؤه العربي أقل مما كان عليه آنذاك. شعبية نجاد في أدنى مستوى لها داخل إيران على عكس ما كان يتمتع به الرئيس الراحل من شعبية داخل بلاده، نجد أن الرئيس الإيراني يتعرض لانتقادات واسعة؛ بسبب مهاجمته للمسئولين الفاسدين؛ في حين اشتراكه في "المحسوبية والمحاباة السياسية"؛ إذ إن الكثيرين من المقربين له تمّ تعيينهم في مواقع ليسوا مؤهّلين لها. فيما نظّم الشعب المصري مسيرات حاشدة ترفض تنحّي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن الحكم وتطالبه بالبقاء والاستعداد للحرب، بعد أن أعلن ذلك في خطاب له على التليفزيون بعد نكسة 1967 بأربعة أيام. وفي يونيو 2007 تعرّض أحمدي نجاد لانتقادات من قِبَل بعض أعضاء البرلمان الإيراني حول تصريحاته عن المسيحية واليهودية، واعتبروها بمثابة وقود لإشعال الفتنة الطائفية؛ حيث قال نجاد: "في العالم هناك انحراف عن الطريق الصحيح: المسيحية واليهودية، وهناك دولارات تمّ تخصيصها لنشر هذه الانحرافات، كما توجد أيضًا ادّعاءات كاذبة أن هذه الأديان سوف تُنقذ البشرية؛ ولكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكن أن ينقذ البشرية". كما قاطع بعض الطلاب الإيرانيين خطاب أحمدي نجاد، الذي ألقاه بجامعة أميرقبير للتكنولوجيا في طهران، وأشعلوا النار في صور نجاد، وهتف المتظاهرون "الموت للدكتاتور".. كانت هذه أول وأكبر مظاهرة احتجاجية شعبية منذ انتخاب أحمدي نجاد؛ حيث أعلن الطلاب في بيان نُشر على موقع لهم على الإنترنت أنهم تظاهروا احتجاجاً على تزايد الضغط السياسي في عهد أحمدي نجاد، واتهموه بالفساد وسوء الإدارة والتحيز. وأضاف البيان أن "الطلاب قالوا إنه على الرغم من الدعاية الكبيرة للرئيس؛ فإنه لم يتمكن من خداع الأوساط الأكاديمية". في النهاية لم أجد أَصْدَق من كلام الكاتب الصحفي صلاح منتصر، عندما قال في المقارنة بين خطاب نجاد الثوري في لبنان وخُطب عبد الناصر: "الواقع أنه لا وجه للمقارنة بين عبد الناصر ونجاد.. فخُطب عبد الناصر كانت في وقتها، أما خطب نجاد؛ فهي مثل أذان الفجر في وقت العصر!".