في كل مرة سنقرأ قصيدة، أو جزءاً من قصيدة، أو حتى بيتاً واحداً فقط لأحد الشعراء المعروفين أو غير المعروفين اسماً، وإن بقيت أشعارهم هذه أبداً.. نفعل ذلك بحثاً عن "شوية هوا" نتنفّسهم عبر كلمات معطّرة يبقى رحيقها طويلاً طويلاً. قد يرفض الكثيرون شخصه، ويتناقش المهتمون طويلاً حول بعض قصائده.. لكنك أبداً لا تجد من يختلف حول ذائقته وفنه الشعري الراقي، الذي امتطى به جواد الشعر الحر في العصر الحديث، إنه نزار قباني الشاعر السوري الذي نقتطف من قصيدته الشهيرة "يوميات امرأة لا مبالية" بعض لمحات رأينا أنها تناسب ما نعيشه هذه الأيام كعادتنا من هذه النافذة التي نطلّ بها عليكم، وهنا تكمن قيمة الشعر وروعته؛ أن تجد كلّ ما تفكر به، يدور بخلدك، تريد أن تصرخ به، يُخرجه الشاعر في نظم بديع.. ونُخرجه نحن في "شوية هوا".. فمع أيات القصيدة،،،
على دفترْ.. سأجمعُ كلّ تاريخي على دفترْ.. سأرضعُ كلّ فاصلةٍ حليبَ الكلمةِ الأشقرْ.. سأكتبُ لا يهمُّ لمن سأكتبُ هذه الأسطرْ.. فحسبي أن أبوحَ هنا لوجهِ البوحِ لا أكثرْ.. حروفٌ لا مباليةٌ أبعثرها على دفترْ.. بلا أملٍ بأن تبقى.. بلا أملٍ بأن تُنشرْ.. لعلّ الريح تحملها فتزرع في تنقلها.. هنا حرجاً من الزعتر.. هنا كرْماً.. هنا بيدرْ.. هنا شمساً وصيفاً رائعاً أخضرْ.. حروف سوف أفرطها كقلب الخوخة الأحمرْ لكلّ سجينةٍ تحيا معي في سجنيَ الأكبرْ.. حروفٌ سوف أغرزها بلحمِ حياتنا خنجرْ.. لتكسرَ في تمرّدها جليداً كان لا يُكسرْ.. لتخلعَ قفل تابوتٍ أُعِدَّ لنا لكي نُقبرْ.. كتاباتٍ أقدّمها لأيّ مهجةٍ تَشعرْ.. سيسعدني إذا بقيتْ غداً مجهولةَ المصدرْ.. *** أنا أنثى.. أنا أنثى.. نهارَ أتيت للدنيا وجدتُ قرار إعدامي.. ولم أرَ بابَ محكمتي ولم أرَ وجهَ حكّامي.. *** عقاربُ هذه الساعة.. كحوتٍ أسودَ الشفتين يبلعني.. عقاربها كثعبانٍ على الحائط.. كمقصلةٍ كمشنقةٍ كسكّينٍ تمزّقني كلصٍّ مسرع الخطوات يتبعني ويتبعني.. لماذا لا أحطّمها؟ وكلّ دقيقةٍ فيها تحطّمني أنا امرأةٌ بداخلها توقّفَ نابضُ الزّمنِ.. فلا نوّارَ أعرفهُ.. ولا نيسانَ يعرفني.. *** أنا بمحارتي السوداء.. ضوءُ الشمسِ يوجعني وساعةُ بيتنا البلهاء تعلكني وتبصقني مجلاتي مبعثرةٌ.. وموسيقاي تضجرني مع الموت أعيش أنا.. مع الأطلال والدّمنِ جميعُ أقاربي موتى.. بلا قبرٍ ولا كفنِ أبوح لمن ولا أحداً مِنَ الأمواتِ يفهمني؟ أثور أنا على قدري.. على صدئي.. على عفني وبيتٍ كلُّ مَنْ فيه يعاديني ويكرهني أدقُّ بقبضتي الأبواب.. والأبوابُ ترفضني بظفري أحفر الجدران.. أجلدها وتجلدني أنا في منزل الأموات.. فمن من قبضة الموتى يحرّرني؟ *** أفكّر أيّنا أسعدْ.. أنا أم ذلك الممدود سلطاناً على المقعدْ أفكّرُ أيّنا حرٌّ ومن منّا طليق اليدْ أنا أم ذلك الحيوان.. يلحسُ فروه الأجعدْ أمامي كائنٌ حرٌّ يكادُ للطفهِ يُعبدْ لهذا القطّ عالمهُ، له طردٌ، له مسندْ له في السطحِ مملكةٌ وراياتٌ له تُعقدْ له حريّةٌ وأنا أعيشُ بقمقمٍ موصدْ *** أبي صنفٌ من البشرِ مزيجٌ من غباءِ التّرك من عصبيّة التّترِ أبي أثر من الآثار.. تابوتٌ من الحجرِ تهرّأ كل ما فيهِ..كبابِ كنيسةٍ نخرِ كهارون الرشيد أبي، جواريه، مواليه، تمطّيه على تخت من الطّررِ ونحن هنا.. ضحاياه.. سباياه.. مماسح قصره القذرِ *** خرجتُ اليوم للشّرفة على الشّباك جارتنا المسيحيّة تحيّيني فرحتُ لأنّ إنساناً يحيّيني لأنّ يداً صباحيّة.. يداً كمياهِ تشرينِ تلوّحُ لي.. تناديني أيا ربّي متى نُشفى تُرى من عقدةِ الدّينِ؟ أليسَ الدّين كلّ الدّين إنساناً يحيّيني ويفتحُ لي ذراعيهِ ويحملُ غُصنَ زيتونِ