أنا عندي مشكلة مؤثرة عليّ نفسياً وصحياً واجتماعياً، وهي إني متجوز واحدة أنا ما اخترتهاش، وما كُنتش مقتنع بيها، وما كنتش عايز أرتبط بيها، وأهلي -الله يسامحهم- ضغطوا عليّ بكذا طريقة لغاية ما اتجوزتها فعلاً. وبعد الجواز صارحتها بالحقيقة؛ فاتصدمت، وفضلت تبكي، وقالت لي: ما قلتليش ليه كده من الأول وإحنا مخطوبين وكنا على البر؟ كان أهون وأرحم من دلوقتي؛ على الأقل كان فيه حل إن إحنا نسيب بعض من غير ما تجرحني. أنا محتار أتجوز عليها ولا أطلّقها.. أرجو من سيادتكم الردّ، ولكم جزيل الشكر. Hessen صديقنا.. أمور الحياة تجري كما هو مقدر لها وكما هو مكتوب عند الله تعالى، وقد تتوافق أحداث الواقع ونتائجه مع ما اخترنا أو تختلف؛ ويبقى على المرء أن يشكر على البأساء والضراء، ثم أن يحاول التغيير قدر المستطاع. صديقي.. ذكرت في رسالتك عدة نقاط دعنا نتأملها قبل البحث عن الجواب: 1- أن هناك حاجزاً نفسياً بينك وبين زوجتك، سبب هذا الحاجز أن أهلك قد أرغموك عليها، ولم تملك ساعتها النقاش أو الجدال أو الرفض. إذن فقد كان الأمر -على نحوٍ ما- رغماً عنك وعن إرادتك.. وأتساءل معك قليلاً عن كمّ الأمور في حياتنا التي لم نملك اختيارها، بل وكم منها اضطررنا كي نتعايش معه؟ أليست أعمالنا مفروضة علينا -في معظم الأوقات- من أجل لقمة العيش؟ أليست نوعية الدراسة في مجتمعنا يؤهل لها المجموع لا الرغبة والقدرات؟ ألست مضطراً أن تتعايش مع جيرانك المحيطين لأنهم كذلك؟ والأهم والأوضح من ذلك: أليس أهلك مفروضين عليك ولا تملك التملّص منهم ومن نسبهم؟ أنا الآن لا أغلق أمامك أبواب الحل لأطلب منك أن ترضى بالأمر الواقع؛ بل أنا فقط أعرض أمامك كمًّا من الأمور المفروضة علينا، والتي نضطر إلى تقبّلها والتعايش معها؛ بل وربما وجدنا فيها جوانب إيجابية أعمانا عنها غبار الغضب وحب التغيير. ونخلص من هذا إلى أن التغيير هو حل من بين الحلول المطروحة وليس هو الحل الأوحد في أية مشكلة؛ بل هناك طرح آخر مثلاً يسمى التعايش أو التكيف أو التقارب.. سمها ما شئت لكن جوهرها واحد؛ فلو أن كل مدير تَعِب من موظف عنده قام بإقالته وجاء بغيره؛ فإن وابلاً من الخسائر ينهال عليه لأسباب أخرى، في الوقت الذي يمكن له فيه أن يستفيد بهذا الموظف بحيث يُنجز العمل المطلوب ولا يؤثر بشكل سلبي عليه. 2- ذكرت كذلك أنك صارحتها بأنك كنت مجبراً عليها وأنك لا تحبها، وأنها انهارت لذلك.. وأتساءل لماذا لم تُواتِك الشجاعة قبل إتمام الزواج فأخبرتها بذلك؟ على الأقل كانت وفّرت عليك مجهود الزيجة وقدّمَتْ هي الرفض من قِبلها.. فهل يا ترى ظهرت لك هذه الشجاعة مرة واحدة أم هي محاولة للانتقام من أهلك في شخصها؟ أم إنك أردت التغيير لكنك تشعر أنك تحمل ذنبها فأردت أن تبرر لنفسك وتبرأ منها، ففعلت ما فعلت؟ 3- وأخيراً تضع أمام نفسك وأمامنا خياراً من اثنين: إما أن تطلقها وتتزوج بأخرى، وإما أن تُبقي عليها حتى تريح ضميرك منها وتأتي لها بأخرى. صديقي.. بعيداً عن حواجز الشرع التي لا تفتح الباب على مصراعيه لهذا الأمر كما لا تغلقه؛ فالشرع نزل عاماً وكل إنسان يختار من هذا العموم ما يناسبه، وليس كل المباح مباحاً ولا كل المكروه مكروهاً.. بعيداً عن كل ذلك أقول لك: إذا كان أهلك قد جنوا عليك، ولم تملك أن ترد ما فعلوه بك فألحقت أخرى بمشقتك.. أفلا تكون على درجة المسئولية الآن وتحمل معها عبأك وعبأها؛ فإذا كان الله قد جعلك رجلاً ومكّن لك شرعاً أن تعدد؛ فأين نصيبها من الأنس بزوج يحبها ويحوطها بعد أن هدمْتَ آخر أمل لها فيك؛ فغيرها من النساء الضرائر يمتلكن على الأقل نصف أو ثلث أو ربع أزواجهن عند المشاركة مع أخرى أو أخريات، أما هي فقد خسرت فيك كل شيء، ثم ضيّعت عليها الفرصة بتجديد حياتها بعد حصولها على لقب "مطلقة". أفلا يُحمّلك الضمير والمسئولية وخوف الظلم، مهمة أن تحمل مشقتك ومشقتها لتقضيا ما بقي في عدل ورحمة قد تُنبت يوماً حباً؟.. أم إن الانتقام من شخص أهلك سيجعلك تعيد شريط الظلم لتكون فيه الجلاد وتنهال عليك الدعوات من المظلوم وآهات القلب ترتفع لأبواب السماء؛ فيضيع طعم الحياة من فمك ويظل الندم يغرس رمحه فيك ليقتلك آلاف المرات. حاول صديقي اتباع شيء جديد وهو أن تنظر إليها بنظرة جديدة؛ نظرة وكأنها ليست من فرضها أهلك عليك، بل نظرة لمن هي زوجتك وشريكتك وحبيبتك التي اختارها الله لك يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}؛ أفلا ترضى باختيار الله؟؟ فإن رأيت فيها عوجاً حاول إصلاحه باللطف واللين والرحمة والحب؛ تلين في يدك وتنسى كل ما سلف منك، يقول تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. أما إن كان الشيطان لا زال يسيطر عليك والأنانية يفوح عبيرها من قلبك فلا أقل من أن تُشركها معك في قرارك؛ فإن لها الحق في اختيار مصيرها. هداك الله وأصلح حالك ودنياك وأبعد عنك نزوات النفس ونزغات الشيطان.