رغم الرداء الديمقراطي الأنيق للولايات المتحدةالأمريكية، خاصة فيما يتعلّق بمحاسبة الحكومات والرؤساء، فإنه في واقع الأمر هناك في واشنطن حكومتان، الأولى مجلس الوزراء، وهذا جهاز تنفيذي يحاسبه الكونجرس الأمريكي، أما الحكومة الحقيقية أو كما يحلو للبعض تسميتها ب"الحكومة السرّية"، فهي هيئة مستشاري الرئيس الأمريكي. ويضمّ البيت الأبيض بشكل دائم ما لا يقل عن 100 مستشار في شتى المجالات، بالإضافة إلى مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي لا يوجد أي نصّ دستوري أمريكي قادر على محاسبته. وبجانب المستشارين ومجلس الأمن القومي هنالك مجموعة يمكن تسميتها "رجال الرئيس"، وهم عبارة عن مجموعة من الساسة المقرّبين من الرئيس الأمريكي، سواء كانوا أعضاء في الوزارة أو مسئولين سابقين أو حتى أعضاء في الكونجرس، ولعل أبرز رجالات هذه المجموعة في إدارة الرئيس باراك أوباما هو "زبجنيو بروزنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، مثلما كان هنري كسينجر هو المستشار السري لإدارة جورج بوش الابن. استقالة "رئيس الحكومة السرّية" في الأيام الماضية، وقبل بضعة أسابيع من انتخابات الكونجرس وحكام الولايات في الثاني من نوفمبر المقبل، تلقّى أوباما سلسلة من الاستقالات داخل المجموعة المحيطة به، أو بالأحرى داخل "الحكومة السرية". "رام إيمانويل" -كبير موظفي البيت الأبيض- أو كما يطلق عليه "رئيس وزراء الحكومة السرية" قدّم استقالته من أجل الترشّح لمنصب عمدة شيكاجو العام المقبل، استقالة "إيمانويل" كانت مفاجأة للبعض الذي يرى أن الخطوة المقبلة للرجل ستكون في وزارة الخارجية كنائب للوزيرة أو حتى بديلاً لها، وسارع أوباما بتعيين "بيتي روس" الذي يعدّ واحداً من أخلص مستشاري أوباما مكانه. ثم فاجأ مستشار الأمن القومي "جيم جونز" الجميع بالاستقالة، وسارع أوباما بتعيين نائبه "توم دونيلون" في هذا المنصب الصعب. كما قدّمت كريستينا رومر -رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس- استقالتها، وقام أوباما بتعيين صديقه "أوستن جولسبي" على رأس هذا المجلس الذي يخوض معركة كبرى لإعادة الاقتصاد الأمريكي إلى عافيته، وسط أكبر أزمة اقتصادية يمرّ بها العالم منذ ثمانية عقود. وزير الدفاع يغادر منصبه في 2011 كما قدّم أربعة من المسئولين بالبيت الأبيض استقالتهم بالفعل، وهم: المستشار الخاص للرئيس "ديفيد أكسلرود"، و"فاليري جاريت" وهي المستشارة السياسية للرئيس، إضافة إلى السكرتير الصحفي "روبرت جيبس" وكبير المستشارين الاقتصاديين "لورانس سومرز". وإذا ما خرجنا عن إطار البيت الأبيض سنجد أن وزير الدفاع روبرت جيتس أعلن على الملأ أنه سوف يغادر منصبه خلال عام 2011، وأكدت بعض المصادر داخل البيت الأبيض أن أوباما يحضّر مفاجأة للحزب الجمهوري، تتمثل في تعيين وزير خارجية بوش الابن الجنرال "كولين باول"، خاصة في ظل التقارب الذي جرى بين "باول" وأوباما أثناء ترشّح الأخير للرئاسة عام 2008، وقيام "باول" بدعمه علناً على حساب جون ماكين مرشّح حزبه. "بايدن" قد يغادر البيت الأبيض وبالإضافة إلى ذلك تشير تسريبات داخل الحزب الديمقراطي إلى أن نائب الرئيس جوزيف بايدن لن يترشّح لدورة ثانية، وأن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون سوف تترشّح نائبة لأوباما في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نوفمبر 2012، بينما يظلّ مصير "بايدن" غامضاً؛ إذ تقول بعض الآراء إنه سوف يتولى حقيبة الخارجية، بينما أقوال أخرى تقول إن الرجل سوف يعتزل الحياة السياسية. وقد خرجت مصادر رسمية تكذّب هذا السيناريو، ألا أن مسئولين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم داخل الحزب الديمقراطي أكّدوا أن أوباما اعتمد بالفعل خطة تصعيد كلينتون نائبة له في الانتخابات المقبلة. مأزق أوباما ويتّضح لنا مع هذا الكمّ من الاستقالات العلنية والسرّية، أن رفاق أوباما الذين حكموا معه الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تركوه وحيداً بالبيت الأبيض، وعلّل رفاقه الأمر بالإرهاق الشديد؛ نتيجة العمل للمرة الأولى في هذه المناصب الحكومية. وبالإضافة إلى الإرهاق، فإن أوباما رجل لا يستمع كثيراً إلى من حوله إلا في أضيق الحدود، ولعل هذه هي الشكوى الرئيسية لكبير موظفي البيت الأبيض السابق "رام إيمانويل"، ومستشار الأمن القومي السابق "جيم جونز"، وكانت السبب الأساسي في استقالتهما، ويشاركهما الشكوى نائب الرئيس جوزيف بايدن. ومن الصعب على أوباما أن يقوم بتعديل كبير في إدارته قبل الانتخابات، لذا يحبس الرئيس الأمريكي أنفاسه آملاً في النصر؛ حتى لا تجبره الهزيمة على التضحية بوزير كبير في حكومته مبكراً، كما جرت العادة حينما يخسر حزب الرئيس انتخابات الكونجرس.