"الله أكبر الله أكبر.. أخيرا الجامعة استعادت استقلالها".. "إيه المسخرة دي؟ جامعة من غير حرس يعني دعارة وفساد وبلطجة وسلم لي على العملية التعليمية".. هكذا جاءت ردود الأفعال -الشعبية- على قرار المحكمة الإدارية العليا، التي قضت بطرد الحرس الجامعي من جامعة القاهرة، وإنشاء وحدات أمن مدنية تتبع الجامعة، وتتولى هي تنظيم العملية الأمنية داخل الحرم الجامعي. جدير بالذكر أن هذا الحكم يأتي تأييدا لحكم سابق، كانت قد أصدرته محكمة القضاء الإداري يقضي بالمعنى ذاته، ولكن وزير الداخلية قام بالطعن عليه فجاء هذا الحكم تأييدا للحكم السابق. وتعود بدايات القصة من الأساس إلى قضية كانت قد رفعتها حركة جامعية مؤلّفة من عدد من أعضاء هيئة التدريس تحت مسمى "مجموعة 9 مارس.. أساتذة من أجل التغيير" طالبوا فيها بطرد الحرس الجامعي من داخل الجامعة. المثير في الحكم أنه يأتي بعد أيام من نشر مقطع فيديو على مواقع الإنترنت لضابط شرطة بجامعة الأزهر بمدينة الزقازيق أثناء اعتدائه على طالبة رفضت أن يقوم الضابط بتفتيشها ذاتيا، وتطوّر الأمر لسباب متبادل من الطرفين، ثم تعدٍّ بالضرب من قبل ضابط الأمن على الفتاة، وهو ما أثار حفيظة قطاع واسع من الجامعيين على المستويين، أعضاء هيئة التدريس والطلاب. وكما أسلفنا أعلاه فإن الحكم قد لقي ردود أفعال متباينة على المستوى الشعبي أو مستوى الطلاب والخرّيجين، ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للحقوقيين الذين أكدوا أن الحكم إنما هو انتصار بالأساس لاستقلالية الجامعة، بل ويعيدها إلى أصحابها، وإن أبدوا قدرا من التشاؤم حيال جدية الحكومة في المضيّ قُدُما في تنفيذ هذا الحكم على أساس أنها "تجيد التحايل على قرارات القضاء". إبعاد ضباط الداخلية يعني بلطجة ودعارة 100% ربما فاجأ البعضَ أن بعضا من ردود الأفعال كانت غير راضية عن الحكم على الإطلاق واعتبروا أنه سوف يفتح الباب واسعا أمام تحويل الجامعات الحكومية إلى بؤر وأوكار لممارسة الدعارة والمخدرات والبلطجة بلكل أنواعها دون رقيب. وهذه الفرضية تستند إلى أساس أن الحرس الجامعي له هيبته الخاصة التي تمنع بأي حال من الأحوال أيا ما يكون من المضيّ قُدُما في أي شيء تخشاه هذه الفئة من دعارة أو مخدرات أو بلطجة، ولكن الأمر لن يكون بنفس الدرجة لو تمّ تعيين حرس مدني تابع لإدارة الجامعة. والسلامة التي تتحدّث عنها هذه الفئة، ويرون أن الحرس الحالي يضمنها هي سلامة الفتيات من الاعتداءات من بعض بلطجية الجامعة، وكذلك أعضاء هيئة التدريس ممن لن يأمنوا على أنفسهم من أن يفتك بهم أحد الطلبة لأي سبب من الأسباب. وبخلاف ذلك فإن الشخصيات المهمة لا تتوقّف عن زيارة الجامعات الحكومية بين الفينة والأخرى، وهو ما يتطلب تأمينا ضروريا وقويا من قبل ضباط حقيقين تابعين لوزارة الداخلية، ولن يفلح الأمن الجامعي في القيام بهذه المهمّة. والاستقلالية التامة التي ستنعم بها الجامعات عقب خروج الحرس الجامعي منها هي أكثر ما يخيف هذه الفئة المعارضة للحكم، حيث يرون أن باحة الحرم الجامعي سوف تكون أقرب وقتها لشوارع وسط البلد، حيث المظاهرات المستمرّة والاشتباك بين الأطياف السياسية المتعارضة، مع توحّش أكبر للجماعات الإسلامية، ولا تكتفي بدورها السياسي داخل المساجد، بل ستخرج به بصورة أكثر جرأة إلى الحرم، وإلى قاعات الدراسة، ونخصّ بالذكر هنا جماعة الإخوان المسلمين تحديدا. فهذه الفئة رغم تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين -في بعض الأحيان- ترى أن حصولها على القوة سوف يكون نموذجا لما يمكن أن يحدث لو وصلوا إلى السلطة في مصر، فسيكون التحكّم -من وجهة نظرهم- أكبر، والفرض هو الأساس في كل تصرّفاتهم. مرحباً بالجامعة مستقلّة لكن قطاعا أوسع من القطاع السابق رأى في هذا القرار حكما تاريخيا يعيد لواحدة من أعرق جامعات مصر -أي جامعة القاهرة- استقلاليتها التامة، عقب إصابتها ب"إنفلونزا الأمن" الذي أثّر على مستواها العلمي والأكاديمي، وتسبّب في تراجع ترتيبها بصورة واضحة بين الجامعات العالمية. وترى هذه الفئة أن وجود الأمن داخل الجامعة كان أكثر من مجرد وجود داخل الحرم وبوابات الجامعة، بل كان يتعدّى الأمر لأكثر من ذلك من خلال تدخّلهم في تعيين عمداء الكليات والمعيدين وترقيات الأساتذة واتّحادات الطلاب التي يتمّ شطب أغلب قوائمها، وتحديد الانتخابات في مواعيد غير معلومة سوى للطلاب المرغوب فيهم فحسب، وهو ما يعضّض من نظرية قديمة تسبّبت في تخلّفنا -من وجهة نظرهم- إلى الآن، وهي تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة، وبالتالي سادت حالة من التخلّف والركود العلمي، الذي أثّر على مستوى الجامعة الأكاديمي، وبالتالي أثّر سلبا على مستوى الخرّيج. هذه الأصوات المعارضة لوجود الحرس الجامعي داخل الجامعات على مواقع الأخبار وفيس بوك لم تكن ترى في وجوده -أي الحرس الجامعي- تحقيقا للأهداف التي وُجِد بالأساس من أجلها، وهي حفظ الأمن والسلوكيات العامة داخل الحرم الجامعي، بل إن الانحراف الأخلاقي داخل كثير من الجامعات ما زال قائما، وإن كان بصورة غير علنية، بينما انصبّ الاهتمام الأكبر من قبل الأمن على كبح جماح الفصيل المعارض من بين الطلبة، سواء الجماعات الإسلامية أو المعارضة بصفة عامة، وهو ما يؤثر على جانب آخر فيما يتعلّق باستقلالية الطالب نفسه داخل جامعته، فالطالب في الجامعة مثله مثل عضو البرلمان أسفل القبّة، يحق له أن يقول ما يشاء تحت الحماية الكاملة، وهو بالطبع ما لم يكن يحدث على الإطلاق. جامعة القاهرة من غير حرس.. كيف تكون؟ السيناريوهات المتوقّعة لما بعد الحكم تنوّعت واختلفت، فالبعض يرى أن الحكومة سوف تلجأ للتحايل على هذا القرار من خلال الإبقاء على الحرس الجامعي داخل الجامعة كما هو، ولكن على أن تنقطع تبعيّته المباشرة بوزارة الداخلية، ويصبح تابعا للجامعة، مثله مثل الموظفين العاديين. وسيناريو آخر يرى أن الحكومة سوف تضطر إلى الإذعان للحكم، حيث إن خياراتها محدودة في هذا الشأن، ولكن مع إنشاء وحدة حرس جامعي تابعة لإدارة الجامعة، ولكن يتم تدريبها تدريبا عسكريا يمكن أن يحقّق نفس الهيبة والانضباط، الذي اعتاد أن يحقّقه ضابط الشرطة "الميري". السيناريو الثالث ويكون من خلال توكيل مهمّة حفظ الأمن داخل الجامعة لشركات حراسة خاصة، وهو ما يراه البعض تكلفة كبيرة جدا على ميزانية الجامعة المتهالكة بالأساس، ولن تستطيع تدبيرها. وبين الإلغاء أو الإبقاء تبقى الجامعات الحكومية تحتضر علميا وأكاديميا، وإن رأى البعض في إبعاد الحرس عن الجامعة طوقا لنجاتها رآه البعض الآخر مسمارا أخيرا في نعشها.