الرئيس السيسي يشارك في احتفالات ذكرى عيد النصر بموسكو    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط تشكيل عصابي انتحلوا صفة لسرقة المواطنين بعين شمس    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    ارتفاع سعر الجنيه الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    سعر الأسمنت اليوم الجمعة 9 -5 -2025 الطن ب 4000 جنيه    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    السيفيتشى ولحم الماعز .. أبرز الأطباق المفضلة لبابا الفاتيكان الجديد    المستشار الألمانى يطالب ترامب بإنهاء الحرب التجارية وإلغاء الرسوم الجمركية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    محمد صلاح يواصل كتابة التاريخ مع ليفربول.. رقم قياسي بجائزة لاعب العام    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    حافلة الزمالك تصل إلى ستاد المقاولون العرب لمواجهة سيراميكا    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    إصابة 10 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص على طريق الواحات بالمنيا    في «دورة الأساتذة».. تكريم «حنان مطاوع ورياض والغرباوي» بالمهرجان العالمي للمسرح    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    ملتقى الثقافة والهوية الوطنية بشمال سيناء يؤكد رفض التهجير والتطبيع مع الكيان الصهيوني    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    الزمالك في جولته الأخيرة أمام المقاولون في دوري الكرة النسائية    دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا    مصر أكتوبر: مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات موسكو تعكس تقدير روسيا لدور مصر    ضبط لصوص الهواتف المحمولة والمساكن في القاهرة    دون وقوع إصابات... سقوط سلك كهرباء تيار عالي على 3 منازل بكفر الشيخ والحماية المدنية تخمد الحريق    ضبط شخص بالوادي الجديد لقيامه بالترويج لبيع الأسلحة البيضاء بمواقع التواصل    إدارة شئون البيئة بالإسماعيلية تعقد حلقات حوارية للصيادين ببحيرة التمساح (صور)    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    رئيس مصلحة الضرائب: رفع نحو 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    وزير الري يؤكد سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ دعما للمستثمرين    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز توت عنخ آمون استعدادا للافتتاح الرسمي    محمد رياض يعلن تشكيل اللجنة العليا للدورة ال18 للمهرجان القومى للمسرح    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    قصة وفاء نادرة.. كيف ردّ النبي الجميل لامرأتين في حياته؟    صادرات الصين تتخطى التوقعات قبيل محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    «الصحة» تُطلق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد والجهاز الهضمي    لطفل عمره 13 عامًا وشقيقته هي المتبرع.. نجاح أول عملية زرع نخاع بمستشفى أبوالريش المنيرة    إطلاق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد ومراكز الجهاز الهضمي باستخدام تكنولوجيا التطبيب «عن بُعد»    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    وزيرة البيئة: التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا عوامل مُمكّنة وحاسمة للعمل المناخي    ضبط دقيق مجهول المصدر وأسطوانات بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء بالمنوفية    سنن النبي وقت صلاة الجمعة.. 5 آداب يكشف عنها الأزهر للفتوى    سقوط شبكة دولية لغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات بمدينة نصر    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا بالدوري    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رداً على رفض تجسيد الأنبياء والصحابة وآل البيت
نشر في بص وطل يوم 19 - 10 - 2010

سعدت كثيراً بردّ الزميل والأخ الأكبر الأستاذ "عاطف حسانين" في مقاله السابق "ظهور الرسول على الشاشة"..تلك هي المشكلة التي يمثّلها الجانب الرافض لمقالي: متى يظهر الرسول الأكرم على الشاشة؟ وهو الرفض العقلاني المحترم، الذي يقارع الحجة بالحجة، ويدحض المنطق بالمنطق، بعيداً عن صرخات التشنّج، والسباب غير الكريم الذي لا يليق -أبداً- بأتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حتى وإن كان هذا من قبيل الحب والغيرة عليه؛ إذ إن الدين الحنيف يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والرسول نفسه رَفَض غيرة سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عليه حين همّ بقتل ذلك الأعرابي الذي قال للرسول المصطفى بغلظة وفظاظة: "أعطني المال فليس المال مالك ولا مال أبيك"؛ ليتبسم النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً: "صدقت يا أخا العرب، إنه مال الله"، ثم يزيد الأعرابيَّ عطاءً، وحين يقول سيدنا "عمر": "يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا الأعرابي"؛ فهذا الإنسان تجاوز حده، فيردّ عليه البشير النذير قائلاً: "يا "عمر"، دعه فإن لصاحب الحق مقالاً".
تلك هي أخلاق الرسول الحبيب، وهذا مشهد ضمن مشاهد لا حصر لها في صفحات النبوة، حلمت -بحسن ظن- أن أراها بالصوت والصورة، كوسيلة جديدة للدعوة بمفردات العصر.
ولما كان هناك اعتراض جدير بالاحترام من بعض العقلاء الأفاضل، ولما كانت إثارة مثل هذه الفكرة الجريئة التي تسبح ضد التيار، وتخالف ما نشأنا عليه وألِفْناه، وبالتالي لا يكفيها مقال واحد لما تحمله من مبررات، ووجهات نظر لا يتسع المقام لاختصارها في مقال واحد؛ فأطمع من الإخوة القراء، والأخ الأكبر "عاطف حسانين" أن تتّسع صدورهم لجزء ثانٍ وأخير، أردّ به على إجمالي التعليقات والردود، ولْيوفّقنا الله تعالى لما فيه الخير والقرب من رسوله الحبيب في الدنيا والآخرة.
يقول الأستاذ "عاطف" في مقاله السابق حول فتاوى علمائنا الأجلاء برفض تجسيد الأنبياء والصحابة وآل البيت أن منطقهم في هذا أربعة محاذير:
1- ما قد ينتج عن تمثيل أشخاصهم من الامتهان والاستخفاف بهم، والنَّيل منهم، والإنزال من مكانتهم العالية التي وهبهم الله تعالى إياها؛ إذ يقوم بدورهم -غالباً- أناس بعيدون كثيراً عن التديّن والالتزام بأوامر الله، وهو ما قد يولّد السخرية من الأنبياء، مع ما في ذلك من ظهور سبّ للأنبياء بتمثيل دور المشركين معهم.
2- أن غرض التكسّب والتربّح سيطغى على تقديم الصورة الصحيحة، وهو ما يدفع القائمين بالإنتاج والتمثيل للتلاعب في سيرتهم، والاتّجار بما يناسب الربح، وهو ما يكون بعيداً عن الدقة العلمية.
3- أن القدرة على تمثيل الأنبياء بأشخاصهم عمل صعبٌ فنياً؛ إذ إنّ الله تعالى وهب الأنبياء قدرات خاصة كي يكونوا أهلاً للدور المناط بهم، وهذا لا يمكن تصوّره في العمل الفني.. ولا يجوز التعرّض بالتمثيل له.
4- أن هؤلاء الكتاب والفنانون ينقصهم أدنى فنّيات وأدوات كتابة التاريخ؛ فضلاً عن كتابة سيرة الأنبياء والمرسلين، ومن هنا فالرأي بالتحريم جاء مبنياً على أسس يقبلها العقل وليس من باب التحريم لمجرد التحريم.
وهو ما أرد عليه بأن علماءنا الكرام لو أشرفوا على عمل فني بدءاً من مرحلة كتابته، مثلما يراجع حالياً فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي -رئيس اتحاد العلماء المسلمين- أوراق مسلسل "عمر بن الخطاب"، مروراً بمرحلة تصويره، وصولاً لمرحلة مونتاجه ومكساجه، ليتمّ درء هذه الفتنة، أما فيما يتعلق بخطورة تجسيد الأنبياء والرسل والصحابة وآل البيت، من خلال أناس بعيدين كثيراً عن التديّن والالتزام بأوامر الله، وهو ما قد يولّد السخرية من الأنبياء؛ فقد ذكرت في مقالي السابق أننا يمكن أن نختار وجوهاً جديدة ليس لها خطايا فنية، أو مشاهد خليعة، أو أعمال مبتذلة، وبالتالي نتحاشى الإساءة لأشخاص لهم القداسة والحظوة بتجسيدهم على يد أناس ليسوا على الخُلُق الكافي، كما أن الاعتراض على ظهور الأنبياء والصحابة؛ خوفاً من سبّهم ولعنهم ممن يجسدون دور الكفار والمشركين في العمل الفني، لا أجده سوى منطق غريب لا أقبله؛ خاصة أن القرآن نفسه يسوق السخريات والاستهزاءات بالرسل والأنبياء من المشركين والكفار في أقوامهم، وكيف عانى هؤلاء الرسل والأنبياء لتوصيل كلمة الله وشريعته؛ فهل القرآن ينتقص من قدر الرسل والأنبياء بذكر وصف قومهم لهم بالجنون مثلاً؟ أم أنه ينقل لنا صورة حية لمعاناة هؤلاء الأنبياء الكرام والرسل العظام في توصيل دعوة الله؟ كما أن كل الأعمال الدينية -التي لم يظهر فيها الرسول أو الصحابة ووافق عليها الأزهر والعلماء الأجلاء- ظهرت فيها سخرية كفار قريش، واستهزاءاتهم، وإلقاؤهم الحجارة على النبي الحبيب؛ فلماذا لم يعترض حينها نفس العلماء الأفاضل؟!
أما عن التخوّف من غرض التكسّب والتربّح الذي قد يطغى على تقديم الصورة الصحيحة، وهو ما يدفع القائمين على الإنتاج والتمثيل للتلاعب في سيرتهم، والاتجار بما يناسب الربح، وهو ما يكون بعيداً عن الدقة العلمية، فيدرؤه أيضاً متابعة العلماء الموقّرين لكل صغيرة وكبيرة في العمل؛ بل من الأجدر أن تتشارك الجهات الدينية "الغنيّة" لإنتاج مثل هذا العمل بأموال المسلمين في سبيل دعوة العالمين لدين سيد المرسلين في مشارق الأرض ومغاربها.
وإذا كانت القدرة على تمثيل الأنبياء بأشخاصهم عملاً صعباً فنياً؛ إذ إنّ الله تعالى وهب الأنبياء قدرات خاصة كي يكونوا أهلاً للدور المنوط بهم، وهذا لا يمكن تصوّره في العمل الفني، فأنا أعترف أنه ما من بشر في هذا الزمان ولا حتى العصور السابقة لديه سمات الرسول، ولا باقي الرسل والأنبياء؛ لكن التجسيد يكون أقصى درجات الاجتهاد لتخليد مواقف دينية وإنسانية رفيعة مأخوذة من قبس النبوة؛ لتقريبها إلى أذهان المشاهدين؛ فنحن يا سادة لا نقول للمشاهد إن هذا الفنان هو سيدنا "محمد" بعينه، وليس على الفنان الذي يجسّد الرسول أن تكون له قوة بأس وتحمّل الرسول وباقي قدراته الخاصة، بل هو سيمثل التمتّع بتلك القدرات فقط وهذا سهل، أما الصعب أو المستحيل هو أن يمتلك الفنان السمات نفسها بشكل شخصي، وليس شرطاً مثلاً على من يجسّد صبر الرسول الرهيب أن يحظى بنفس الصبر، وبالمثل ليس شرطاً على من يجسّد السيد المسيح أن يحيي الموتى بإذن الله؛ لأن من يحييهم على الشاشة ليسوا بموتى في الواقع؛ فالفنان -أولاً وأخيراً- مجرد أداة بشرية لتجسيد مواقف عظيمة ومؤثرة في حياة الرسول سيد ولد آدم، وليس ادّعاءً بأنه صورة طبق الأصل من الرسول في الشكل والقدرات.
من هنا وجدت أن مبررات الرفض والتحريم -مع كامل احترامي لها وتفهّمي لخطورتها- مجرد مخاوف يمكن اتخاذ الحيطة، والحذر، والاستعداد الكافي للتغلب عليها، وهو نفس الردّ الذي أسوقه حول تخوّف آخر لأخي الكريم الأستاذ "عاطف" حين يقول: "إن الذي يجسّد شخصية يكاد الناس يعتبرونه هو.. وماذا لو استغلّ أعداء الرسول صورة هذه الشخصية بعد ذلك في تهكّمهم وسخريتهم.. وماذا لو أظهروه عارياً أو يرافق فتاة ليل؛ باعتباره شخصاً عادياً؛ فهل سنعطي لهذا الشخص الذي حاول أن يجسّد شخصية الرسول درجة من القداسة تحمي الرسول الكريم من الإسقاط الذي سيستغله أهل الكراهية؟".. وأنا هنا أطلب منه أن يعود لجزئية في مقالي السابق، فيها الردّ على هذا التخوف عندما قلت: "أما عن الذي يستحقّ شرف التجسيد فهو حتماً شخص سيوقّع على إقرار يؤكد فيه أنه سيعتزل العمل الفني تماماً بعد تجسيد مثل هذه الشخصية، وهو ما حدث في الغرب مع معظم الفنانين الذين جسّدوا شخصية السيد المسيح عليه السلام"، كما أن أعداء الإسلام -يا إخواني الكرام- لن ينتظروا ظهور الرسول الكريم ليسخروا من الشخص الذي يجسّده حتى ينالوا من هيبة الرسول، وكفانا بحادث الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول خير شاهد ودليل على أن للكراهية والتهكم طرقاً كثيرة.
أما تساؤل أخي الأكبر الأستاذ "عاطف" في مقاله السابق: "وهل هناك عمل فني بلا أخطاء؟" فالردّ عليه أن أي عمل بشري لا يخلو من الأخطاء، بما في ذلك المحاضرات والكتب الدينية التي تتحدّث عن الرسول، وكفانا بمقولة سيدنا الإمام الشافعي -رضي الله عنه- حين قال لتلامذته ومريديه حول كتبه ومذهبه: إذا وجدتم فيها ما يتوافق مع كتاب الله وسنة رسوله فخذوه، وإذا وجدتم ما يخالف فألقوا به عرض الحائط، وحتماً ستجدون أخطاء؛ لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، فهل على علماء الدين والمشايخ عدم تأليف الكتب والاجتهاد في الدين خوفا من الوقوع في الخطأ؟ أم يجتهدون ويطلبون من الله المغفرة على السهو والخطأ بغير عمد؟ أعتقد إن الخيار الثاني هو المنطقي، وهو نفس ما يجري على الفكرة التي أدعو إليها.
أحد القراء ترك تعليقاً على المقال السابق قال فيه: "الرسول لا ينطق عن الهوى، في حين الممثل ده أكيد مخطئ ولا يليق تشبيهه بالنبي حتى لو كان مجرد تمثيل"، فهل من يجسّد سيرة الرسول في مسلسل لا بد أن يكون رسولاً في الحقيقة؟ وهل من يجسّد شخصية شريرة ينبغي أن يكون في الواقع شيطاناً رجيماً؟ إننا في الفن نحاكي ولا نستنسخ..
تعليق آخر يقول: "مين قال لك إن الرسول محتاج مسلسل يليق بيه؟ الرسول مكرّم من الله"، نعم هذا صحيح، لكن في الواقع نحن الذين في حاجة لمثل هذا العمل الذي سيعرّف المسلمين أكثر برسولهم الكريم، ويُغرقهم في التأثر بأقواله وأفعاله، ويجذبهم إلى دينهم بنفس الجهاز وذات الوسيلة التي أبعدتهم، بخلاف غير المسلمين من العرب والغرب الذين سيردّ لهم هذا المسلسل عن الشبهات التي تصل إليهم من أعداء الدين المتعصبين الذين يسعون دوماً لإذاعة الأكاذيب، وإلصاقها بالرسول الأكرم؛ بخلاف آخرين لا يعرفون عن الرسول إلا أقلّ القليل.
تعليق آخر يؤكّد أننا سنتذكر الرسول بالصورة التي ظهر بها الفنان الذي جسّده، وأن هذا سيفتح الباب لرسم صور ولوحات فنية للرسول؛ مما يضعنا في احتمالية أن نحصر الرمز في شكل معين مادي وملموس، بدلاً من انشغالنا بالروحانيات وتخيّل الرسول بقلوبنا، وأؤكد هاهنا أني ضدّ رسم الرسول في لوحات فنية تحصر شكله وملامحه في شكل محدد، حتى وإن كان مبنياً على ما كُتب عنه من وصف، حتى تظلّ صورته الحقيقية مجرد خيال نراه في قلوبنا وبأرواحنا، وهذا ليس تناقضاً من الكاتب الذي يؤكّد أن الأمر يختلف في العمل الفني الذي نعرف جميعاً أن الذي نشاهده فيه مجرد فنان يجسّد هذا الرمز، وليس الرمز نفسه، والدليل واضح وموجود على أرض الواقع؛ إذ إن معظم من شاهد مسلسل "يوسف الصدّيق" لم يشعر أن هذا هو سيدنا يوسف الحقيقي -عليه السلام- الذي لا يوجد بشري يضاهي جماله وهيئته؛ لكن المشاهد عاش مع العمل ليتعرّف على المزيد من المعلومات والحقائق في قصة هذا النبي الذي لا نعرف عنه الكثير؛ بينما تبقّى في النهاية صورة سيدنا يوسف الحقيقية في خيالنا، وبالمناسبة فإن إنتاج عمل فني عن الرسول لا يعني أن يكون هو العمل الوحيد، وبالتالي ستكون هناك الفرصة لإنتاج المزيد من الأعمال الفنية، سواء مسلسل أو فيلم مع اتخاذ نفس الحرص والدقة والاهتمام بكل التفاصيل التي تبطل إلزامية المنع والتحريم، بناء على المحاذير الأربعة التي ذكرتها سلفاً، ومن هنا فلن يكون هناك صورة فنية واحدة للرسول؛ لكن ستبقى هناك حقائق مؤكدة حول حياته ورسالته الشريفة.
أما عن أطرف تعليق أثار دهشتي فكان من قارئ أو قارئة قال مستنكراً: "الأعمال السينمائية والدرامية تصل لقلب المشاهد بأسرع مما تصل إليه الكلمة المكتوبة أو المسموعة؟ يا سلام.. "ما تقول بعد شوية إن النبي كان من الأفضل ليه يدعو عن طريق المسرح".. وهي سخرية ليست في محلها؛ لأن وجود النبي بجسده وذاته وسط قومه الذين بُعث فيهم يُغني عن أي عمل فني يؤثّر في الناس، ما دام الرسول سيّد المؤثرين بما ينطقه من "وحي يوحى علّمه شديد القوى"، موجوداً بين ظهرانيهم؛ بينما نحن الأتباع نعيش من بعده بأكثر من 1400 سنة، في عصر الفتن والمفاسد والوسائل الإعلامية التي تجرّ الناس بتأثير سحري إلى الخطيئة والرذيلة؛ فلماذا ما دامت تلك الوسائل بهذه القوة والتأثير لا تُستخدم في الجانب الإيجابي الذي يجذب الناس نحو الهدى والنور؟
لست أسعى لفرض الرأي، ولكني أجتهد لنصرة رسولي، وحبيبي، وشفيعي، بطريقة -أحسبها- تلائم هذا الزمان، وأقدّر تماماً في الوقت نفسه من يخالفني، وأعلم أنه يعترض بل ولا يتردّد في قول "حسبي الله ونعم الوكيل" في كاتب هذه السطور، من نفس المنطلق والحب لذات الرسول.
وبالمناسبة كان هذا رأيي حتى وقت قريب؛ لكن الأفكار ليست مسلّمات، وكل فكرة قابلة للنقاش والتفنيد مع مرور الزمن؛ خاصة مع ما لمسته في إقبال المسلمين على مشاهدة مسلسلي "يوسف الصديق" و"مريم المقدّسة"؛ فضلاً عن نجاح فيلم "الرسالة"، وأعلم أن معظم من تابع مثل تلك الأعمال الفنية لو كانوا سُئِلوا قبل إنتاجها عن رأيهم في تجسيد الرسل والأنبياء والصحابة وآل البيت، لكان الرفض والسباب واللعن على المشاركين فيها أو الداعين إليها هو جوابهم؛ مما يؤكد أن المعظم وقع في دائرة تأثير وسائل الإعلام وسحر الدراما، وها نحن اليوم نتابع الدراما الإيرانية التي تجسّد أشخاصاً لهم القداسة والحظوة، رغم أن منتجيها هم من الشيعة الذين يخالفوننا في المذهب والطائفة؛ فلماذا لا نفكّر في عمل من إنتاج السّنّة بفكرنا ومذهبنا؟
لن يُجدي الرفض يا إخواني ما دامت هناك جهات أخرى تفكّر وتعمل، ولا أستبعد أن يتمّ إنتاج مثل هذا العمل عن سيرة سيد الخلق الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من جهة إنتاجية إيرانية شيعية، بما يكنّون للصحابة الكرام -وخاصة أبو بكر وعمر وعثمان- من كراهية أو خلاف، أو حتى من جهات أجنبية من المسلمين الغربيين!
إن رأيي ودعوتي لإنتاج مثل هذا العمل مجرد اجتهاد، أستغفر الله من ذنبه إن كان قد جانبه الصواب، وأتمنى أن يقبلني به، ويقرّبني من رحمته إن كان صواباً؛ لكنه على أي الأحوال، رأي أشعر بصوابه في قلبي وقرارة نفسي، وأكّدته لي نفس الحجج والمبررات التي تحاول أن تنكره، ورأيت أن تفاديها ممكناً بشكل يبطل قوة وإلزامية المنع، وكذلك فإن رفض رأيي ودعوتي من آخرين، مجرد اجتهاد عقلي وفكري له ما يؤيده، وعليه ما ينفيه، وأؤكد في نهاية كلامي أن الإساءة إلى الرسول لا تنتظر عملاً فنياً لتنفذ منه إلى مقامه الرفيع بعد كل ما قيل، ويقال، وسيقال عنه من أكاذيب، وافتراءات شرقية وغربية، أتمنى أن نرد عليها في هذا العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.