عندما شاهدتُ فيلم Avatar منذ عدة أشهر لم تبهرني القصة بقدر ما أبهرني الإخراج والموسيقى؛ ربما لأني قد شاهدتُ مثلها في فيلمين رائعين؛ هما: Dances With Wolves (الرقص مع الذئاب)، وThe Last Samurai (الساموراي الأخير) التيمة المشتركة في الأفلام الثلاث هي أن أمريكا هنا تلعب دور "شرير الفيلم"، بينما خصومها يمثّلون الجانب الطيب الذي ينبغي للمشاهِد التعاطُف معه، والعامل الثاني المشترك هو رسالة اللوم للسياسة الأمريكية، وتحميلها مسئولية رؤية الكثيرين لها على أنها "شيطان استعماري بغيض". ودعونا نأخذ فيلم Avatar كنموذج لهذه النوعية من الأفلام.. منذ أيام قليلة كنتُ أجمع بعض المعلومات عن النشاط العسكري والاستخباراتي الأمريكي في الخارج. حصيلتي من هذا البحث أعادت لذهني Avatar، ففي ضوء تلك المعلومات تغيّرت رؤيتي للفيلم ووجدتني أكتبُ عنه كنموذج قوي لوجود ما يمكن تسميته "سينما الإحساس بالذنب" في أمريكا، فالفيلم ليس مجرد تكرار لتيمتين سابقتين -أو أكثر- في إطار من الخيال العلمي، بل هو توظيف لواقع تمارسه أمريكا مع الأمم الأضعف ذات الثروات الطبيعية التي يسيل لها اللعاب. Avatar يختلف عن "الرقص مع الذئاب" و"الساموراي الأخير" في أن الفيلمين المذكورين يناقشان قضايا تاريخية ترتبط بتأسيس أمريكا وصعودها، وفات أوان أي تحرك فعلي بصددها, بينما Avatar يناقش عدة قضايا أمريكية تمثل واقعا حاليا أنظر له باعتباره تصعيدا لسينما الشعور بالذنب تجاه سياسات أمريكا مع الآخرين؛ لأنه يمسّ أمرا ما زال باب الحديث فيه مفتوحا. التدخّل في شئون الشعوب الأخرى - عدم احترام الخصوصية الثقافية والمقدّسات المهمة لتلك الشعوب - محاولات سلب الثروات من أصحابها - استخدام المرتزقة في العمليات المشينة؛ كي لا تتحمل أمريكا مسئوليتها أمام العالم - سيطرة رأس المال على السياسة - تحويل العلم من وسيلة سعادة للبشرية إلى وسيلة لخدمة أحطّ المخططات الاستعمارية - التشويه الإعلامي لصورة الخصم.. كل تلك القضايا اجتمعت في فيلم واحد، تعالوا نعترف بأن كثيرا من الأفلام الأمريكية تستحقّ أن تُشَاهَد بطريقة قراءة ما بين السطور، وتعالوا نعترف كذلك بأن القضايا سالفة الذكر تمثّل أمرا واقعا قدّمه لنا المخرج جيمس كاميرون خلال نحو ساعتين ونصف في شكل مبهر ثلاثي الأبعاد.. لكنها أكثر من مجرد فيلم قوي... تلك القضايا سالفة الذكر أحيانا كان يتم التعرّض لها في بعض الأفلام الأمريكية، ولكن بشكل مفرد، كل قضية أو اثنتين على حدة، لكن عرضها بهذا الشكل المكثّف المترابط، وبالمعاصرة للأحداث المُسقَطَة في الفيلم هو بمثابة تأكيد قوي على وجود حالة الإحساس بالذنب كمحرّك للإبداع السينمائي في هذا الفيلم، كما كان في بعض الأفلام قبله. تعالوا نعقد مقارنة بسيطة: الفيلم -لمن لم يشاهده- يتحدّث عن مؤسسة عسكرية أمريكية خاصة لا تتبع البنتاجون، تقوم بتأسيس قاعدة عسكرية وعلمية في عالم آخر؛ طمعاً في السيطرة على ثروته من الطاقة المتدفّقة من غابته لصالح جهات تقوم بتوظيف هذه المؤسسة، ولكنها تصطدم بالسكان الأصليين الذين يصرّون على المقاومة، والدفاع عن أرضهم للنهاية، مما يستدعي توجيه الضربة تلو الأخرى لهم، وضرب قدس أقداسهم المتمثل في "الشجرة الأم" في قلب غابتهم؛ للقضاء عليهم وتشتيتهم. هذه القصة يمكننا ترجمة مفرداتها من الفيلم للواقع، فالعالم الآخر الغني بمصادر الطاقة يمكن أن يكون الشرق الأوسط -وتحديدا العراق- والمؤسسة العسكرية الخاصة يمكن أن ترمز لشركات مثل "بلاك ووتر" و"النتائج التنفيذية"، وهي شركات خدمات عسكرية خاصة، أي أنها مؤسسات تملك جيوشا خاصة، تستخدمها أمريكا في المناطق التي تحتلّها كالعراق وأفغانستان؛ للقيام بالأعمال التي لا ترغب في أن يظهر جيشها الرسمي إعلاميا متورطا فيها، وهي مهامّ يمكن استنتاجها. أما الشركات الكبرى الطامعة في تلك الثروات، والتي تحرّك الحروب والجيوش فيمكن أن ترمز لمؤسسة مثل "هالبرتون" تدور حولها أقاويل -وتحقيقات رسمية- لاتهامها بالضلوع المباشر في إشعال حرب العراق!
هل تلاحظ عزيزي القارئ أن الأمر ليس مجرد "فيلم مبهر" فحسب؟ بالتأكيد أنا لا أستطيع قراءة أفكار صانعي الفيلم، لكن ثمة أشياء تكون أكثر وضوحا من أن لا تُلاحَظ!