الذين تهافتوا على نشر الصور الخاصة بعائلة الدكتور محمد البرادعي نقلاً عن حساب شخصي لسيدة مجهولة على موقع "فيس بوك" هم العراة حقاً، عراة من أي قيمة محترمة، وعراة عن فضيلة اسمها عدم النهش في أعراض الخصوم، والتلذذ بإشاعة فضائح مختلقة ومصنوعة في حظائر الروث السياسي عنهم، خصوصاً إذا كان مصدر هذه المشاهد -التي اعتبرها مهاويس الفضائح صيداً ثميناً- مجهولاً أو بالأحرى مدفوعاً من قِبل جهاز العمليات القذرة في الجهات إياها. لا يتصوّر أحد أن يصل الفُجر في الخصومة إلى مرحلة الاغتيال الأخلاقي لرمز مصري محترم، والتشهير بعائلته على هذا النحو الفاضح الفاجر، حتى وإن اختبأ معظم المشاركين في حفلة التعرّي الهابطة خلف تلك السيدة المجهولة التي زعمت أنها كانت صديقة لابنة الدكتور البرادعي. غير أن ما يلفت الانتباه أكثر أن عدة جهات نشرت القصة الهزلية وصورها الساقطة في توقيت واحد تقريباً، وبالتزامن مع وصول الدكتور البرادعي إلى القاهرة، وكأنها تشريفة ميري على الطريقة القديمة. المفاجئ أن قوات الاحتياط اشتركت في المعركة مبكراً جداً، ورأينا أطرافاً كنا نظنّها في منطقة التماسك المهني تنزل الميدان خلف شعارات تدّعي المهنية وحق القارئ، بعضهم نزل حبًّا في العري، وآخرون دخلوا للضرب في سويداء القلب، وهنا تجدر الإشارة إلى أن موقع "اليوم السابع" أفلت من التورّط في هذه الفضيحة المهنية حين انتبه مبكراً للفخ، ورفع الصور الفاضحة مكتفياً بتغطية بعض الصحف والمواقع على البرادعي وعائلته، وهذا ما يندرج تحت "أضعف الإيمان" و"إماطة الأذى عن الطريق". لكن الأبشع من نشر الصور هو ما صاحبها من كلام يبدو في ظاهره وكأنه اندهاش واستغراب واستنكار واستفسار، بينما هو في باطنه مشاركة واعية في حفلة البورنو حتى وإن دخلها بعضهم ممسكاً بمسبحة مردداً مواعظ من عينة "عيب لا يجوز". وأظنّ أن على الدكتور البرادعي ألا يتردد لحظة في الذهاب إلى مكتب النائب العام، طالباً معاقبة الذين لم يراعوا قيمة أخلاقية أو مهنية، وتسابقوا في نهش العرض، واغتيال الروح، والطعن في سمعة عائلة محترمة وعقيدتها، والإفراط في ممارسة أحط أنواع التكفير الديني والأخلاقي. وعلى نقابة الصحفيين ألا تكتفي بالفُرجة على مهرجان التعرّي المنصوب، وليس أقل من أن تتذكّر أن لديها كائناً خرافياً نسمع عنه ولا نراه، اسمه "ميثاق الشرف الصحفي"، وتبادر بتطبيقه على تلك الانتهاكات الصارخة. يستطيع أي شخص أن يختلف مع الدكتور البرادعي سياسياً، وينتقده، غير أن الأمر يتحوّل إلى جريمة عندما يجري التعريض بسمعة أي مواطن والنهش في سمعة عائلته لتصفية حسابات، فما بالنا إذا كان الضحية هو محمد البرادعي الحاصل على نوبل، والحامل لقلادة النيل من الدرجة الأولى. ومن واقع الاختلاف السياسي في بعض الأمور مع منهج الدكتور البرادعي (المنهج وليس الشخص) أقول له: لا تحزن، أنت القيمة المحترمة وهم العراة من أي قيمة.. أنت القامة العالية وهم ما تحت التراب. وأظنّها مناسبة لتحسم أمرك، وتخوض معركة التغيير بكل ما أوتيت من وسائل وأدوات، وأُذكّرك بأنك قلت من قبل أنهم لم يتركوا لك خياراً إلا أن تكون ناشطاً سياسياً، وها هم الآن لم يتركوا لك خياراً إلا أن تكون مقاتلاً صلباً ومحارباً شجاعاً. نُشِر بالشروق بتاريخ 5/ 9/ 2010