سؤال مهم يطرحه الباحث مصطفى قاسم في دراسته "عن التعليم والمواطنة " عن دور التعليم في ترسيخ صفات المواطنة والانتماء للوطن في ظل هيمنة مفهوم العولمة وسهولة انتقال المعلومة والسلعة والبشر!! يستعرض الباحث في بداية الدراسة أبعاد العولمة من مختلف الجوانب؛ فمن الناحية الاقتصادية انحسر دور الدولة في دعم الاقتصاد، تاركة المجال لنظام السوق الرأس مالي ورجال الأعمال. أما سياسياً فيرى الباحث أن واحدة من مميزات العولمة هي طرحها لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان بقوة؛ خاصة مع ثورة الاتصالات ودورها في نشر تلك القضايا وإضعاف قدرة الدول والحكومات على ضبط وحجب تدوال المعلومات والأحداث الجارية. وفلسفيا فإن العولمة تدعم دور المجتمع المدني وتحرر المجتمع من الأفكار الشمولية والسلفية. انتقل بعدها الباحث لعرض تطورات وتحولات الواقع العربي منذ فرض النظام السياسي الواحد بعد التحرر من المحتل الأجنبي وصولا إلى التغييرات الحالية، وانعكاس هذا على المؤسسات السياسية والاجتماعية العربية، وما يحدث داخلها، والذي يراه الكاتب كواقع هجين يخلط بين العناصر التقليدية والحديثة. ثم يشرح الكاتب تطور مفهوم المجتمع المدني وأهم العناصر المكونة له منذ كتاب العقد الاجتماعي، التعددية السياسية، إقرار حق المواطنة للجميع، مبدأ سيادة الأمة وتجاوز مبدأ القبلية. يتطرق بعد ذلك إلى مفهوم الثقافة المدنية، ويرى أنه لا يعني فقط وجود مجرد منظمات مستقلة عن الشكل الرسمي؛ بل يحتاج إلى توافر الإدارة السليمة والسلمية بعيدا عن الخلافات والصراعات؛ مشيراً إلى أن الثقافة المدنية تؤدي بالمجتمع إلى احترام حق الآخر في الاختلاف وقبول التنوع وقبول الآخر. كما يعتبر الباحث العمل التطوعي أحد وأهم مفاهيم ومفاتيح ثقافة مدنية. أما العنصر الثالث: فهو الشفافية والمحاسبية في الإعلان عن أنشطة وأهداف ومصادر تمويلها؛ مما يكسبها المصداقية في تعاملاتها مع أفراد المجتمع وإمكانية محاسبة الرأي العام لقيادتها. أما العنصر الرابع: فهو ضرورة توافر المعايير المهنية في قيام المؤسسات المهنية بعملها وكيفية إدارتها وصنع القرارات. وقدم الكاتب في نهاية الفصل مفهوماً لعملية المواطنة ومجموعة من التعريفات الشخصية لمفهوم المواطنة وسمات شخصية المواطن. تناول الكاتب مصطفى قاسم في الفصل الثاني مفهوم التربية المدنية على المستويين العالمي والمصري، وأهميتها في بناء وتنشئة المواطن القادر على المشاركة الفعالة في تطور المجتمع. وقد استعرض نشأة وتطور مفهوم "التربية المدنية" لدى الفلاسفة والمفكرين في الحضارات القديمة (أثنيا، وروما ...)، والتي ركزت على ترسيخ مبادئ الإخلاص والطاعة للصالح العام؛ إلا أن الشكل الحالي لمفهوم التربية المدنية يرجع إلى الفلسفة الليبرالية في تأكيدها على التأمل النقدي والتفكير المستقل؛ والذي تطور بدوره في بدايته إلى خدمة مصالح أقلية صغيرة في المجتمع وفئة الأحرار بالمولد، ثم وصل تطور المفهوم إلى أن "الهدف من نظام التعليم العام وإتاحته للجميع هو الإعداد للمواطنة الديمقراطية ..."، كما تناول تعريفات التربية المدنية وما يرتبط بها من المؤسسات التي تساهم في تطبيق التربية المدنية في الواقع وهي (المجتمع، الأسرة، المؤسسة الإعلامية، منظمات المجتمع المدني). أما الفصل الثالث فقد انتقل الكاتب فيه إلى واقع التربية المدنية في المدرسة المصرية من خلال إعداد دراسة ميدانية للتعرف على واقع التربية المدنية لدى (طلاب المرحلة الثانوية في مصر)؛ فقد قام بإعداد استبيان تم تطبيقه على عينة من طلاب الصف الثالث الثانوي، ووفقاً لتصور الكاتب؛ فإن الأفراد في هذه المرحلة العمرية يبدؤون في تحمل واجبات المواطنة وبعض المسئوليات الاجتماعية والسياسية، وبحثهم عن إجابات لما يدور بداخلهم من تساؤلات.. وتمثل مرحلة التعليم الثانوي مرحلة مهمة وخطيرة في السلم التعليمي المصري؛ وذلك لكونها عملية التعليم الذي يجب أن يستمر مدى الحياة، وأنها أرقى مراحل التعليم قبل الجامعي، ومن مهامها الأساسية الإعداد للمواطنة. في ختام الدراسة المعنية بطرح قضية من أهم قضايا تطوير التعليم والتنمية في مصر (التربية المدنية)، قدم الكاتب عدداً من الآليات لتفعيل التريية المدنية في المدرسة المصرية للرقي بمستوى الطلاب المصريين وترسيخ سلوكيات مبنية على أسس المواطنة والمشاركة الفعالة والديمقراطية.