كما أن التدفق الحر المميز لعملية العولمة قد غير من طبيعة الثقافة وفصلها من مكانها ليعمم هويتها في نفوس وعادات وموروثات كل المجتمعات بلا حدود. تعتبر عملية التدفق الثقافي أحد سبل القوة الناعمة التي تستغلها بعض الدول لفرض نموذج ثقافي بعينه علي العالم أجمع مما يهدد باقي الثقافات. أدت كل هذه الأوضاع مجتمعة إلي الخوف من ضياع الخصوصيات الثقافية للشعوب وإلي لفت الانتباه إلي ضرورة الحفاظ علي الهويات الثقافية لها لكن ما دور التربية في الحفاظ علي الهوية الثقافية في عصر العولمة ؟! تعرض د. ابتسام عبد اللطيف الباحثة بالمعهد القومي للتربية بجامعة القاهرة في دراسة حديثة رؤيتها بأن هناك مقترحات يجب علي مؤسسات التربية الرسمية مراعاتها للحفاظ علي الهوية الثقافية المصرية منها بما أن فترة ما بعد الحداثة لا تعترف بأي أطر مرجعية إلا العقل والضمير الفرديين وهو فكر ملأ العالم فإن مواجهتها لا تتم بالتجاهل أو الإنكار أو الرفض لكن بتنمية الضمير والعقل الفرديين منذ الصغر علي أسس سليمة مستمدة من مصادر الهوية الثقافية للمصريين وهي طبيعة المجتمع المصري والدين ثم اللغة ثم التاريخ . كما يجب نشر روح وفكر المواطنة بين أفراد المجتمع من خلال المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والمنشآت الثقافية والدينية وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني علي الاسهام في المشروعات التنموية المختلفة مثل التعليم غير النظامي والتدريب والتأهيل لسوق العمل وذلك بتوعية المجتمع بأهمية المشاركة المجتمعية كذلك يجب تجديد الخطاب الديني وربطه بواقع المجتمع ومشاكله وتحويله لمنهج حياة لا شعارات رنانة• وتفند د. ابتسام رؤيتها من خلال أنه يجب توحيد المناهج الدراسية التي تؤثر في الهوية الثقافية كالتاريخ والجغرافيا والتربية الدينية والوطنية واللغة العربية في جميع أنماط التعيلم وإعطائها القدر الواجب من الاهتمام فلا يعقل أن يحصل طالب القسم العلمي في الثانوية العامة علي شهادته دون أن يدرس تاريخ مصر لأن التاريخ مادة اختيارية في المرحلة الثانوية اكتفاء بما تمت دراسته باقتضاب في المراحل الدراسية . أما بالنسبة لوسائل الإعلام فيجب الاهتمام باللغة العربية حتي يتعود الأفراد سماع لغتهم الأصلية ولا يغتربون عنها كما يجب التوعية بآثار العولمة الثقافية ومخاطرها علي الهوية الذاتية للمجتمع. كما نجد أنه من المفترض تنشئة الأفراد علي أساس تغيير طبيعة العمل وفق احتياجات سوق العمل من خلال نشر ثقافة إعادة التأهيل والأهم نشر ثقافة التعليم مدي الحياة لكي يتجاوب الأفراد باستمرار مع مستجدات العلم وتغيرات العالم المحيط . فنشر قيم الحرية والديمقراطية واحترام الآخر والتسامح عن طريق كل مؤسسات التربية له دور إيجابي في تدعيم الهوية وعندما ننمي صفة التفكير الناقد والإبداعي- ويبدأ ذلك من سن الطفولة- نجد الطفل مستقبلا قادرا علي الحفاظ علي هويته الثقافية والتعامل مع أي متغيرات تستجد عليها بوعي تام. وتشير الدراسة إلي ضرورة تسليط الأضواء علي الجوانب الايجابية في المجتمع لتقليل حدة الاحباط خاصة يين الشباب وتنمية احساسهم بوطنهم وعند نشر قيم الشفافية والنزاهة بل وجعلها أسلوبا لاشعارا في التعامل علي جميع المستويات الرسمية واللارسمية. كذلك نرسخ قيم التعاون والمسئولية المجتمعية لدي الأفراد حيث إنها مرتبطة بقيم الديمقراطية والعدل وتسهم في تضافر الجهود لتنمية المجتمع ككل لا أفراد كل علي حدة. كما تشير إلي تفعيل الدور المجتمعي للقطاع الخاص في التنمية الشاملة وما يكون له الأثر في تدعيم الهوية والتأكيد علي قيم الاتفاق والالتزام والمنافسة الشريفة بين الأفراد وننمي لديهم روح المشاركة والتخطيط المتكامل لكي يستطيع الشباب أن يكونوا نظرة شاملة لتنمية المجتمع فيما بعد. كما أن علي المجتمع أن يشجعهم علي المشاركة السياسية والمجتمعية الفاعلة من خلال الاتحادات الطلابية التي تدربهم علي القيادة وتحمل المسئولية. وتتطرق د. ابتسام في دراستها إلي دور النظام الرسمي ودور الدولة في عصر العولمة وما يجب عمله علي مستوي مؤسسات الدولة التي يجب أن تتيح المعلومات وحرية تداولها لكي يتم استخدامها في عمليات التطوير وعليها أيضا وضع ضوابط لعمل القطاع الخاص وتوجيهه فعليا لمشروعات كثيفة العمالة والإنتاجية لفرع مستوي المعيشة الفعلي والناتج المحلي الحقيقي وتحقق تنمية حقيقية دائمة لا مجرد أرباح سريعة ومشروعات استهلاكية تستنفد مدخرات الأفراد دون أن تحقق نفعا حقيقيا. يذكر أهم شيء وضع سياسة إعلامية تسمح بالحوار المتوازن والتوعية اللازمة لمواجهة الغزو الثقافي للعولمة كما علينا احكام الاشراف علي مؤسسات التعليم الأجنبي وما تقدمه من منهج حيث إن الاتاحة الفعلية للديمقراطية وتوسيع دائرة المشاركة السياسية للأفراد علي مختلف مستوياتهم تثري معني المواطنه في نفوسهم. وتستطرد أنه من الناحية الاجتماعية علينا تبني برامج اجتماعية تسهم في حل مشكلة العشوائيات والتصدي لآثارها السلبية وشالاستمرار في تحقيق جودة فعلية للتعليم لرفع كفاءة مخرجاته.