كان أبو العاص بن الربيع زوجًا للسيدة زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من أشراف قريش ووجهائها.. فلما بعث الله محمدًا نبيًّا ورسولاً كره أبو العاص أن يُفارق دين آبائه وأجداده، وأَبى أن يدخل فيما دخلت فيه زينب رضي الله عنها، على الرغم من أنه كان يُحبّها حبًّا عظيمًا، فأقام معها وهي مسلمة وهو على دين قومه.. ولما انهزم المشركون في غزوة بدر كان مِن بين الأسرى أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض رسول الله على الأسرى فدية يفتدون بها أنفسهم من الأَسر، وأخذت قريش ترسل من الأموال إلى المدينة ما تفدي به أسراها..
وذات يوم وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة معها فدية أسير من أسرى أهل مكة، ففتح رسول الله الرسالة فإذا هي من زينب ابنته أرسلت فداء أبي العاص بن الربيع، وكان الفداء عبارة عن قلادة كانت أهدتها إليها أمها خديجة بنت خويلد يوم زفافها إليه.. فلما رأى رسول الله القلادة غشيت وجهه الكريم سحابة من الحزن العميق، ورق رقة شديدة، وقال: "إنها قلادة خديجة"، ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم.. لقد أثارت القلادة في قلبه الشريف ذكريات زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم استشار صحابته فيما يُشبه الرجاء: "إن زينب بعثت بهذا المال لافتداء أبي العاص، فإن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها مالها فافعلوا، فقالوا: نعم ونعمة عين يا رسول الله".. فأي وفاء هذا وأي حب؟! صلّى عليك الله يا رسول الله وعلى آل بيتك الأبرار وصحابتك الأخيار.