بين ليلة وضحاها تحوّل عماد متعب -لاعب المنتخب المصري وأحد أهم ركائزه- في الوقت الحالي من بطل قومي بعد إحرازه الهدف الثاني في مباراة مصر والجزائر بالقاهرة، إلى جاسوس وعميل وخائن، بل طالب البعض -محامين وأعضاء مجلس الشعب- بإسقاط الجنسية المصرية عنه؛ لمجرد احترافه في نادٍ أوروبي يلعب به لاعب إسرائيلي، والحمد لله لم تصدر فتوى بإهدار دمه، حتى الآن على الأقل. إن حب الوطن ليس شعارات خلابة وكلاماً طناناً، بل هو فعل وتفصيل يعبر عنه في النتاج الثقافي قبل كل شيء، فما معنى أن نتباكى على وطن، وفي نفس الوقت نكرّس جهدنا ووقتنا لهدم رموزه أو تشويه تاريخهم؟! فمحبة الوطن تعني أولاً محبة أناسه -حتى لو اختلفنا معهم- والاهتمام بثقافته واحترام تاريخه. إنه يحزّ في النفس أن نشاهد بعض المواقع والمنتديات تقلل من شأن نادي الزمالك مثلاً، وترفع من شأن نادي الأهلي أو العكس، بدون وعي ولا إدراك، وبدون معرفة التاريخ الحقيقي لكل إنسان في هذه البلاد. فلا يمكن لمن تابع أحداث افتتاح مونديال 2010 والمقام حالياً بجنوب إفريقيا إلا أن ينبهر بما حمله من رسائل ثقافية، ومن رموز إنسانية جميلة وخلّاقة، الكلمات والأشعار التي ألقيت، والرقصات التي أدّيت، والأغنيات التي عُزفت كانت تدور حول إظهار الرموز بل وتقديسها، والعالم بأكمله راقب ذلك الافتتاح، وبكل تأكيد سيتابع مجريات البطولة، والتي بدأت بتكريم مجموعة من اللاعبين الأفذاذ بالقارة السمراء ومنهم: محمود الخطيب، روجيه ميلا الكاميروني، جورج وياه الليبيريي، عبيدي بيليه الغاني، بادو الزاكي المغربي، طارق دياب التونسي، وساليف كيتا المالي... فأين نحن من تلك الثقافة؟! ولعلك تتساءل: لماذا الكابتن محمود الخطيب نائب رئيس النادي الأهلي الحالي بالذات من مصر؟ لأنه وكما وصفته مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية في عددها الصادر مؤخراً أبرز نجوم الكرة الإفريقية الذين صنعوا تاريخ كرة القدم في القارة السمراء. ومن الجدير بالذكر بأن "بيبو" -كما يحلو للجماهير المصرية أن تناديه- لا يزال الهدّاف الأوّل للمسابقات الإفريقية للأندية؛ حيث يحمل الرقم القياسي لعدد الأهداف؛ حيث سجّل 37 هدفاً في البطولات الإفريقية لناديه الأهلي، ولم يقترب أي من لاعبي أندية القارة من هذا الرقم حتى الآن، رغم اعتزاله الإجباري؛ بسبب الإصابة اللعينة منذ عام 1987، كما يُعتبر "الخطيب" اللاعب المصري الوحيد الذي حصل على الكرة الذهبية عندما كرّمته نفس المجلة العالمية عام 1983 بحصوله على جائزة أحسن لاعب في القارة السمراء. نحن في حاجة إلى تسليط الضوء على مثل هؤلاء النماذج الحسنة، ليس من أجلهم هم، بل من أجل أبنائنا الذين هم في أشد الحاجة إلى نماذج جيّدة يقتدون بها، ولم نجد أفضل من "الخطيب"، والذي وصفه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بأنه شاعر يكتب بقدميه، وينظّم بهما مع الكرة أحلى الأبيات وأمتع الأداء، خاصة أنه سفير من سفراء الزمن الجميل، الذين لعبوا كرة القدم لأجل الإمتاع والإبداع، سكبوا العرق وقدّموا أداءً ارتقى إلى مستوى الخيال، لم يلعبوا الكرة لأجل المال أو الشهرة، بل لعبوها لأجل المواطن العادي فعلاً، وليس شعاراً للتربّح، كان دائماً شعارهم العطاء والوفاء، ومَن منا ينسى صورته وهو يتسلّم كأس أمم إفريقيا 1986 من الرئيس حسني مبارك، ولا يستطيع أن يقف على قدميه، فقد كان يصر على الحقن بالمخدر ليلعب لمنتخب مصر, وهذا ما عجّل باعتزاله. هذا هو "الخطيب" رمز اللعب النظيف -فلقد لعب 450 مباراة دون أن يحسب ضده أي عقوبة- وعندما لم يوفّق في تدريب المنتخب, أعاد لاتحاد الكرة كل المبالغ التي حصل عليها, في سابقة هي الأولى والأخيرة من نوعها, "الخطيب" الذي ترك تكريمه في جنوب إفريقيا كأفضل لاعب في تاريخ القارة منذ سنوات, وعاد لمصر بمجرد علمه بوفاة صديقه ثابت البطل. "الخطيب" الذي صرّح بأنه لن يخوض الانتخابات ضد رئيسه حسن حمدي, والذي عندما سئل عن "أبو تريكة" قال: "إنه أفضل مني", هذا هو سبب تربّعه في قلوب كل المصريين بل والعرب حتى الآن. علينا جميعاً احترام رموز الوطن دون استثناء، وعلينا احترام وتقدير كل مَن ساهم في إعلاء اسم مصر، وكل مَن ساهم في الحفاظ على مكارم الأخلاق، وأن نعلم جميعاً أن من ليس له ماضٍ ليس له حاضر، وأن العالم كله يعتز بما حققه ويحققه الإنسان في شتى مجالات الحياة؛ فالاهتمام بالوطن والتعرّف على مكنوناته واحترام خصوصياته، أفضل تعبير عن محبتنا له، بعيداً عن التشدّق بالعبارات المكررة.