رواية "العمر فرصة" تتحدث عنك أنت، وإن اختلف اسمك عن اسم بطل الرواية أو كان مجالك المهني غير مجال تصميم الإعلانات الذي تميّز فيه البطل؛ فهي رواية تنموية لا تكتفي بعرض المشكلة لكنها تقدّم أيضاً بعض الحلول، تابع معنا رحلة هذا الشاب التائه بين عواصف عدم الاستقرار الفكري والعائلي وكيفية وصوله للنجاح. الحلقة السابعة: إحراز الهدف ارتمى الفتى في حضن والده، وانهارت مقاومته، وتفجّرت حِمم الدموع الساخنة على خدّيه، وراح جسده يهتزّ بسبب الانفعال الشديد، وخرجت من فمه بعض كلمات مبهمة. وبعدما هدأ الفتى قصّ على أبيه ما حدث، وختم حديثه بقوله: - وقد منحني الأستاذ علي راحة لمدة أسبوع لأُنجز الخطة المطلوبة. قالت الأم، التي انضمّت للجلسة بعد سماعها لبكاء نادر: - هؤلاء قوم لا يستحقّونك، وأبلغ رد عليهم أن تتركهم ولا تسأل عنهم حتى يعرفوا قيمتك. نظر إليها الأب معاتباً ثم قال: - هل من الممكن أن تُعِدّي لنا الفطور يا أم نادر؟ نظرت إليه غاضبة لمقاطعته إياها؛ لكنها فهمت رسالته وقامت لتترك له الفرصة ليختلي بابنه الوحيد؛ فهي متأكدة من أنه أكثر تعقّلاً وخبرة منها. وما إن خرجت حتى تطلّع الرجل إلى نادر وقال: - سمعتَ ما قالته والدتك؛ فماذا قررت؟ رد متلعثماً: - أنا قررت.. أنا.. ثم سكت لحظة، ثم أكمل في صوت مختنق: - لا أعرف.. لا أعرف ماذا أفعل؟ فقال عم عبد النعيم: - أنت الآن في موقف لا بد أن تتخذ فيه قرارك بنفسك؛ لأنك المسئول عما يؤول إليه مستقبلك. قال الشاب في رجاء: - بماذا تشير عليّ يا أبي؟ - لن أشير عليك؛ لكني أعتقد أن الناجحين في الحياة لابد أن يدخلوا في صراعات محتّمة عليهم من أشخاص لم يذنبوا في حقهم أبداً. واتّسعت ابتسامته وهو يضيف: إن هؤلاء الأشخاص يشبهون لاعبي خط الدفاع في كرة القدم..! فكل ما كان المدافع أكثر قوة في محاولته منع المهاجم من الوصول للشباك، عرف المهاجم أنه قريب من المرمى وزاد إصراره على إحراز الهدف. أنهى الرجل كلامه بضحكة عالية شاركه فيها -على استحياء- ولده، ثم تركه واتجه نحو الباب.. وقبل أن يغادر الغرفة التفت إليه قائلاً: - المهم أن يكون المهاجم مؤمناً بقدرته على إحراز الهدف. * * * جلس الأستاذ بسيوني واضعاً ساقاً فوق الأخرى في مواجهة المدير الشاب "علي صادق" الذي قال: - أهلاً بك.. ما الأمر الذي طلبت أن تُحدّثني فيه؟ رفع بسيوني أحد حاجبيه في استنكار وهو يقول: - وهل هناك أمر غير التعرّف على الإجراء الذي اتّخذته لمعاقبة هذا الفتى المُدّعي؟ لم تَرُق طريقة حديثه للمدير؛ ولكن صبره وهدوءه المعهود تغلّب عليه فقال: - لقد طلبت منه أن يُعدّ مشروعاً آخر. ارتفع حاجب الأستاذ بسيوني هذه المرة بشكل بشع وهو يصيح في استنكار شديد: - هل هذا كل ما استطعته!!؟ ظهرت ملامح الغضب على وجه الشاب وهو يقول: - وماذا كنت تريدني أن أفعل؟ رد بسيوني ساخراً: ها.. ماذا تفعل؟.. إن أي مدير يحترم نفسه، كان عليه أن يسارع بطرده ليكون عبرة لغيره من المتبجّحين. رد الشاب بلهجة غاضبة: - أستاذ بسيوني ألا ترى أنك تُوجّه إليّ إهانة مباشرة. أجابه الرجل في تعالٍ: - أنا لم أقصد ذلك؛ ولكني أطلب منك أن تختار بين بقائي ورحيله، أو العكس. - وهل أنا مجبر على الاختيار؟ - نعم.. وأرجو أن تكون على وعي وأنت تختار في أي جانب تقع مصلحتك. قال "علي صادق" وقد نفذ صبره: - حسناً.. لقد حاولت جاهداً أن أحتوي هذه المسألة؛ لكنك أصررت على تفجيرها؛ لذلك أنا مضطر لوضع حد لها.
شعر الرجل بالمأزق الذي وضع نفسه فيه، وحاول تخفيف حدّة الموقف بقوله: - أودّ أن أوضح لك.. لكن الشاب لم يُمهله ليكمل عبارته وقاطعه في حزم قائلاً: - قُضي الأمر يا أستاذ بسيوني.. فأنا لن أستغني عن نادر، وسوف أرسل إليك مع نهاية الأسبوع مستحقاتك المالية مع مكافأة إضافية.. ولن أنسى شهادة تقدير، قد تفيدك في الحصول على عمل جديد. لم يصدّق الرجل الحسود ما سمع، وقام مذهولاً، وقد فهم لأول مرة عبارة قديمة كثيراً ما كان يسمعها.. تقول: "لقد انقلب السحر على الساحر". * * * بعد حديثه مع والده قرّر نادر العودة بكل حماس إلى كتابة مشروع إعلاني جديد يفوق سابقه.. ولكن أي مُنتَج هذا الذي يبني عليها خطته؟ شرع يبحث عن فكرة وحاول أن يسبح بعقله في الفضاء الواسع علّه يظفر بصيد ثمين، يستطيع نقله على الورق.. ولكن صوت مذيع النشرة الصباحية التي كان يتابعها والده شوّش على أفكاره؛ فضغط على أسنانه وقال في غيظ: - وهل هذا وقته، وفكر أن يطلب من أبيه خفض صوت المذياع قليلاً؛ لكنه لاحظ أن المذيع يقرأ الأخبار الاقتصادية، أي أن النشرة على وشك الختام، ومن عادة والده إغلاق المذياع فور انتهاء النشرة؛ فلا بأس أن ينتظر هذه الدقائق المعدودة. كان المذيع يقرأ تقريراً عن أرقام مبيعات شركات المحمول خلال السنة المالية المنتهية.. لفتت هذه الأرقام انتباه نادر بشدة، ولاحظ أن إحدى الشركات الثلاثة العاملة في السوق المصري كانت أرقامها تقلّ كثيراً عن منافستيها؛ على الرغم من حجم الإعلانات الهائلة في وسائل الإعلان المختلفة، وسُمعتها السائدة بأنها تملك أفضل شبكة اتصال.. - ترى ما الشيء الضائع منها؟ هكذا حدّث نفسه.. ثم أجاب وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة نصر: - إنها تحتاج إلى حملة إعلانية مختلفة.. حملة دعائية بعيدة عن التقليد الغربي.. حملة تتفهم دوافع المواطن العادي لامتلاك هاتف خلوي.. حملة مبهرة؛ لكنها تحمل لمسة محليّة.. ولكن من يصنع هذه الحملة؟ - ومن غيري.. أنا لها!! "إن عُلُوّ الهدف يحقق العجائب"، هذا ما كتبه من قبلُ الدكتور ناصر بن سليمان العُمَر.. فهل يا تُرى نادر قادر على إثبات صحّة هذه العبارة بفكرته الطموحة؟ للقصة بقية والحلقة القادمة هي الأخيرة
اقرأ أيضاً: صراعات لا بد منها.. الحلقة السادسة من رواية "العمر فرصة"