السلام عليكم إزيكم.. أنا عاوزة حل لمشكلتي وهي الخوف؟؟ المشكلة إني طول الوقت قلقانة وخايفة.. خايفة من كل حاجة حواليّ. أنا باخاف من أيام ما كنت صغيرة.. كنت دايماً حاسة إن فيه حاجة هتؤذيني وهتؤذي أهلي.. الموضوع ده مستمر معايا لحد دلوقتي، وأنا دلوقتي عندي 18 سنة؛ بس موضوع الخوف ده تفاقم أوي وكبر أوي من ساعة: 1- .زيادة المشاكل بين ماما وبابا والخلافات العائلية؛ مع العلم إن أبويا كان بيضرب أمي وأنا صغيرة. 2- إصابة أمي بمرض السرطان. 3- تعرّضي للضرب من قِبَل الأب. موضوع الخوف ده عندي زاد أوي لدرجة إني مش عارفة أسيطر عليه، ومش عارفة أتغلب عليه، وبدأ يؤثر على حياتي عموماً، وما بقتش قادرة أشترك في حاجات جديدة لا أنشطة ولا شغل حتى ما بقتش أتعرف على ناس جديدة ودايماً قلقانة وخايفة ومش مبسوطة وباعيّط كتير.. وطبعاً أنا أهلي رافضين فكرة الدكتور النفسي تماماً. أرجو الإفادة، ويا ريت لو أي دكتور نفسي يتكرم ويفيدني هابقى شاكرة ليكم جداً. وآسفة على الإطالة. eng.s صديقتي العزيزة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلاً بك ولا داعي للاعتذار على الإطالة؛ فكل كلمة ذكرتها لا شك أنها تعبّر بصدق عن معاناتك وألمك. والآن دعينا نحدد ما نتكلم فيه في ثلاث نقاط أساسية: أولاً معنى ما ذكرته من مشاعر الخوف، ثانياً لماذا تنتابك هذه المشاعر؟ ثالثاً ماذا نفعل الآن؟ أولاً: ما ذكرته من مشاعر الخوف، وهذا يجعلني أحدّثك باختصار عن منبع الخوف في حياتنا.. الخوف يا عزيزتي هو حالة انفعالية طبيعية وعاطفة غريزية أنعم بها الله على كل الكائنات الحية لتوخّي الحذر وتوقع الخطر؛ فهو يهدف للحفاظ على الذات من خلال شحذ الوظائف الفسيولوجية بهدف الاستعداد لمواجهة الخطر، ومن الطبيعي أن نخاف حينما تواجهنا مواقف تثير هذه الغريزة كالتعرّض لخطر التهديد من أحد الأشخاص، أو الخوف من مواجهة مواقف تقييم الذات كالامتحانات، والخوف من التغيير في العمل أو محل السكن وخلافه.. وكلها مواقف تعني أننا بحاجة لإعداد أنفسنا لمواجهة الموقف والتعامل معه وتحديد سبل التكيّف. وهذا هو الخوف الانفعالي، وهو خوف إيجابي، أما النوع الثاني من الخوف، وهو ما تعانين منه الآن؛ فهو ما يسمى بالخوف الذاتي أي الخوف النابع من الذات أو من داخل النفس، وهو لا ينشأ عن مثيرات خارجية؛ ولكن يحدث من تلقاء نفسه من داخلنا، وهو نوع سلبي من الخوف؛ لأنه يعيق التكيّف في مواقف الحياة البسيطة التي لا تدعو مطلقاً للخوف أو القلق، وهذا ما حدث معك الآن كما ذكرت (ما بقتش قادرة أشترك في حاجات جديدة لا أنشطة ولا شغل حتى ما بقتش أتعرف على ناس جديدة). وهنا لا بد أن ألفت نظرك إلى أن إعاقة التكيّف في الحياة الاجتماعية والوظيفية لهذه الدرجة تعني وصول الخوف إلى مرتبة ما نسميه باضطراب القلق العام، وهو خوف مستمر أو متكرر بدون أسباب واضحة أي تشعرين بالخوف وما يصاحبه من أعراض فسيولوجية كزيادة دقات القلب واضطرابات المعدة؛ لكن لو سألتك: خايفة من إيه؟ لا تستطيعين تحديد الأسباب. ثانياً: لماذا تنتابك هذه المشاعر؟ في واقع الأمر، الخوف الذاتي ينشأ نتيجة تفاعل عاملين: تكوينك النفسي، وهو ما يعني أنك في الغالب لديك حساسية مفرطة في الجهاز العصبي تجاه المثيرات الخارجية (عند تعرّضك لمثير خوف حقيقي وواقعي ينتهى المثير وتبقى مشاعر الخوف مستمرة برغم زوال المؤثر).. وهذه طبيعة وتكوين نفسي للعامل الثاني هو البيئة الأُسَريّة، وهو ما أعتقد أنها بالفعل أثّرت عليك، وهي بالأخص شخصية الأب والخلافات العائلية؛ فمن الواضح أنك كنت تخافين من والدك ومن قسوته في طفولتك، وفي الطفولة يقوم الطفل باختزان صور المحيطين به في عقله الباطن لتكوين مفهومه عن الآخر وعن العالم ككل؛ ففي ظلّ الأسرة الحانية العطوفة يتم تكوين صور إيجابية في العقل تجاه العالم. أما في حالة القسوة وكثرة النقد والتوبيخ تختزن صورة الآخر على أنها شكل مرعب، وهذه الصورة المختزنة لا يربطها العقل بالواقع (أي أنك لا تدركين أن الخوف الذي ينتابك قد نتج عن خروج هذه الصور القديمة من وقت لآخر من عقلك الباطن)، كما أن الخلافات الأسرية وضرب الأم أمامك أفقدك -مبكراً- مشاعر الأمان؛ فمصدر الحماية في حياتك وهو والدك أصبح مصدر الخوف والتهديد (إنه يضرب أمي وينكّل بها؛ فماذا سيفعل بي وأنا لا حول لي ولا قوة)؛ هكذا كان شعورك في طفولتك. عزيزتي نحن نتكلم عن الماضي لنفهم ما بنا لا للوم الآباء فيما فعلوا؛ فأياً كان ما فعلوا؛ علينا أن نلتمس لهم العُذر، ووجبت علينا طاعتهم، وهكذا يرضى علينا الله ويفتح لنا سُبل النجاة مما نحن فيه. ثالثاً: ماذا نفعل الآن؟ في واقع الأمر أنت تمرّين الآن بمرحلة زادت فيها الضغوط الخارجية بشكل واضح من خلافات الأسرة ومرض والدتك وضرب والدك لك، وهذا لا بد أن تدركيه جيداً؛ فأنت تمرّين بظروف قد تُضعف الشخص العادي؛ فما بالنا وأنت في الأصل تعانين من القلق والخوف؟ كنت أتمنى أن يكون بإمكانك زيارة الطبيب النفسي لأنك بحاجة في هذه الفترة لعلاج دوائي تحت إشراف طبّي مع بدء جلسات العلاج النفسي التحليلي والمعرفي السلوكي؛ لكن على أية حال يمكن أن نبدأ في هذه الخطوات بإذن الله: 1- عليك الاعتماد على المهدّئات الطبيعية: كشرب الحليب الدافئ والينسون المُحَلّى بالعسل وتناول الأطعمة التي لها تأثير مهدئ مثل السمك واللحم والبقوليات والخس والثوم والبصل والكرنب؛ فهذه الأطعمة تساعد على النوم الهادئ -كما أشارت بعض الدراسات- والنوم الهادئ يساعد على الهدوء والاسترخاء وتقليل حدّة التوتر. كما ينبغي تجنّب الشاي والقهوة والنسكافيه والأطعمة المحفوظة التي لها تأثير يزيد من استثارة الجهاز العصبي. 2- أرجو عمل بعض التحاليل البسيطة لاستبعاد احتمال وجود أسباب عضوية للقلق؛ خاصة صورة دم كاملة لأن الأنيميا قد تسبب أو تزيد من القلق، وكذلك تحاليل وظائف الغدة الدرقية لأن خلل هرمونات الغدة الدرقية قد يتسبب أيضاً في حدوث مثل هذه الأعراض. 3- خطوات إيجابية: - لا تستسلمي للقلق؛ فلابد من شغل أوقات الفراغ؛ فقاومي رغبتك في الانسحاب من الحياة وابحثي عن عمل مناسب؛ فالانغماس في العمل والتواصل مع الناس يُزيل أعراض القلق، وكذلك الأنشطة المفيدة التي نقوم فيها بأعمال خيرية ابتغاء مرضاة الله لها بالغ الأثر في تهدئة حدة القلق. - درّبي نفسك على تدريبات الاسترخاء للأطراف والرقبة والظهر والبطن مع إغماض العينين وإطلاق الخيال لمناظر جميلة؛ فالتوتر العضلي يزيد من شعورنا بالقلق.. ويمكنك الحصول على هذه التدريبات بالبحث على جوجل تحت عنوان "تدريبات أو تمرينات الاسترخاء". - اجعلي لنفسك تدويناً يومياً عن مشاعر القلق التي تنتابك؛ بدءاً من استيقاظك صباحاً ولتكن كل ساعتين تتابعين فيها نفسك؛ بمعنى أن تصنعي جدولاً به مشاعر القلق والخوف: * الساعة التي حدث بها ذلك. * الموقف الذي يسبق ظروف هذه المشاعر مباشرة؛ حتى وإن لم يكن له علاقة بالخوف من وجهة نظرك. * سبب الخوف في هذه اللحظة وهل هو سبب واقعي أم لا؟ * الخطوات الإيجابية التي فعلتها للتغلب على القلق في هذه اللحظة (مثل شرب الحليب - حمام دافئ - تمرينات رياضية - استرخاء - قراءة في كتاب - مشاهدة فيلم كوميدي). كل هذا لا بد أن يُدوّن على مدار اليوم، مع إعطائك درجة لكل مرة تغلّبت فيها على هذه المشاعر وتجميع الدرجات يومياً أو أسبوعياً حسب تكرار المشاعر ومقارنة كل أسبوع بالذي يسبقه لتشاهدي قدرتك على التغيير وتطوير ذاتك؛ كل ذلك وفي المقام الأول أذكّرك بأن العبادة خير معين لنا؛ فليكافئك الله بقدر اجتهادك.