الكهرباء: لن يكون هناك تخفيف للأحمال خلال صيف 2025    حماس: الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات تحولت إلى فخ يعرض حياة المدنيين للخطر    الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطا لدفع إسرائيل وحماس لقبول صيغة مشتركة لوقف إطلاق النار في غزة    أمين عمر حكما لمباراة الأهلى وفاركو فى ليلة حسم الدورى    تعرف على قرارات مجلس إدارة الأهلي فى اجتماع اليوم    رابط مباشر.. إعلان أرقام الجلوس لطلاب الثانوية العامة 2025 غدًا    شركة مياه دمياط ترفع حالة الطوارئ استعدادًا لعيد الأضحى    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع    "ولاد الشمس" و"وتقابل حبيب" أفضل دراما قصيرة وطويلة بحفل جوائز قمة الإبداع    تامر حسني عن ملكة جمال الكون : «كنت بتدرب على الغناء السوري من 2019» (فيديو)    التأمين الصحي الشامل يوقع اتفاقية مع «جوستاف روسي» لتقديم خدمات الأورام للمنتفعين    الفاتيكان يدعو إلى وقف القصف الإسرائيلي على غزة    رئيس الوزراء يشهد احتفالية تطوير مدينة غرناطة بمصر الجديدة.. بعد قليل    ابحث عن ناد جديد.. ديلي ميل: أموريم يطرد جارناتشو أمام زملائه في مانشستر يونايتد    توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الأوقاف والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية    حواء على طريق الريادة| خلية نحل بالأكاديمية الوطنية لإنجاز برنامج «المرأة تقود للتنفيذيات»    «الأرصاد» تكشف تفاصيل حالة الطقس المتوقعة غدًا الأربعاء    أمانة الإعلام بحزب الجبهة الوطنية: حرية تداول المعلومات حق المواطن    الرئيس اللبناني: دعم الإمارات يجسد عمق العلاقة الأخوية    مسؤول إسرائيلي: تصاعد الإنفاق العسكري على حرب غزة يهدد التعليم والصحة    زاهي حواس: أفحمت جو روجان ودافعت عن الحضارة المصرية بكل قوة    من الكويت إلى دبا.. مصعب السالم يعيد صياغة يونسكو بلغة معاصرة    هل يأثم من ترك صيام يوم عرفة؟.. أمين الفتوى يحسم الجدل    فتاة تسأل.. هل أصارح خطيبي بمرضي؟.. أمين الفتوى يجيب    الأطباء ترفض استهداف أعضاء النقابة على خلفية أدائهم لأدوارهم النقابية    حالة الطقس غدا الأربعاء 28-5-2025 في محافظة الفيوم    المؤتمر: لقاء الرئيس السيسي برجال الأعمال الأمريكيين خطوة مهمة لجذب الاستثمارات    «حيازة مخدرات».. المشدد 6 سنوات ل عامل وابنه في المنيا    بسبب تراكم الديون... شخص ينهي حياته بعد مروره بأزمة نفسية بالفيوم    غضب لاعبي الزمالك بسبب نقل مفاجئ لتدريبات الفريق (خاص)    أسهم شركات "الصلب" و"الأدوية" تتصدر مكاسب البورصة المصرية وتراجع قطاع الاستثمار    «متى تبدأ؟».. امتحانات الفصل الدراسي الثاني للشهادة الاعدادية 2025 بالمنيا (جدول)    رئيس اتحاد النحالين يكشف حقيقة فيديو العسل المغشوش: غير دقيق ويضرب الصناعة الوطنية    ب"فستان جريء"..هدى الإتربي تنشر صورًا جديدة من مشاركتها في مهرجان كان    بيان عاجل بشأن العامل صاحب فيديو التعنيف من مسؤول عمل سعودي    السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    «الإفتاء» تكشف عن آخر موعد لقص الشعر والأظافر ل«المُضحي»    نائب رئيس جامعة بنها تتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التربية الرياضية    وزير العمل يُسلم شهادات دولية للخريجين من مسؤولي التشغيل بالمديريات بالصعيد    بعد دخوله غرفة العمليات..تامر عاشور يعتذر عن حفلاته خلال الفترة المقبلة    وكيل صحة البحيرة يتفقد العمل بوحدة صحة الأسرة بالجرادات بأبو حمص    6 أدعية مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أيام لا تُعوض    تشابي ألونسو يسعى لخطف "جوهرة باريس"    ميار شريف تخسر منافسات الزوجي وتودع رولان جاروس من الدور الأول    غياب ثلاثي الأهلي وبيراميدز.. قائمة منتخب المغرب لفترة التوقف الدولي المقبلة    ذكرى ميلاد فاتن حمامة فى كاريكاتير اليوم السابع    خبير: زلزال إيران غير مؤثر على مصر.. والاحتباس الحراري وراء الهزات الأرضية    «حنفي»: المنطقة العربية تملك فرصًا كبيرة لتكون مركزًا لوجستيًا عالميًا    أمجد الشوا: الوضع فى غزة كارثى والمستشفيات عاجزة عن الاستجابة للاحتياجات    الإدارة العامة للمرور تبدأ تجربة «الرادار الروبوت» المتحرك لضبط المخالفات على الطرق السريعة    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو مشاجرة بورسعيد    قرار جمهوري بإنشاء جامعة القاهرة الأهلية    «الداخلية»: ضبط شخصين استوقفا أوتوبيسًا وطلبا أموالًا من السائق وتعديا على الركاب (فيديو)    تؤكد قوة الاقتصاد الوطني، تفاصيل تقرير برلماني عن العلاوة الدورية    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية.. شاهد    الزمالك يتفق مع مدرب دجلة السابق على تدريب الكرة النسائية    معركة الدفاع الجوي في زمن التحولات الجيوسياسية.. أوكرانيا تطلب تزويدها بمنظومة «باتريوت» لمواجهة الدب الروسي    في إطار التعاون الثنائي وتعزيز الأمن الصحي الإقليمي.. «الصحة»: اختتام أعمال قافلتين طبيتين بجيبوتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقل عبد الحميد الأنصارى
نشر في بص وطل يوم 25 - 04 - 2010

"سؤاااااال.. باسألك.. ايه أخرة الترحال.. وسهر الليالى.. وكل يوم بحال".. كان صوت منير ينطلق ليملأ كل فراغات السيارة صارخ معذب ضاغط على كل أعصابى.. ربما يكون هو الحسنة الوحيدة التى فعلها ذلك السائق الذى أستقل الأن سيارته الأجرة. السائق الذى -كعادة كل سائقى الأجرة- يدخن بشراهة ويعاملك طيلة الوقت باعتبارك "جوز امه". عصبى نامى الذقن طويل الأظافر دائم الشجار واللعن والسباب.
كنت متوقعا منه أن يدير أغانى من نوعية: "أنا عامل دماغ تماااااام.. مام.. مام. مام.. مام" ولكنه ولحسن الحظ- خيب ظنى الفنى فيه وقام باطلاق العصب العارى المدعو مجازا ب"محمد منير". بالذات هذه الأغنية بالذات على هذا الطريق! الأن أستطيع أن أرى بوضوح وجه هشام الذى يختلج انفعالا بكلمات الأغنية. عندما كنا نسمعها سويا كانت كل حركة فى جسده تنطق بمعانيها. كل نظرة من عينيه تجعلك تقسم أن منير غناها خصيصا من أجله. هشام الذى أهدته لى الأيام بديلا لتعويضي عن شخصيتي الانطوائية وعزلتى ووحدتى الدائمة. ربما يكون الوحيد الذى فهمنى فى هذا العالم. لم يكن حبى لهشام مجرد حب لمجرد صديق. هو شعور من السخف أن أحاول شحنه فى بعض الكلمات العرجاء القاصرة. الأن أذكرك يا هشام.. أذكرك مسافرا على نفس الطريق الذى كان هو طريقك الى عالم أخر غامض. كان هو نهاية حياتك العزيزة القصيرة. "سؤااااال.. باسألك. ايه أخرة الأحزان.. دمعتى موالى والحنين قتال". منذ أن عرفتك يا هشام بملامحك الجادة ونظراتك الثاقبة. دوما كنت أراك دائم الحركة محموم النشاط. أولوياتك المطلقة هى العمل و الاجتهاد وتحقيق الذات. كنت أشعر دوما بأن الحياة اللعينة تسلبك منى. تستحوذ عليك تماما وترسم لك قصورا من الأحلام التى كنت دائم الركض نحوها بلا كلل. "سؤااااال. باسألك.. ايه أخرة الأحلام.. ليلاتى وخدانى فى بحر م الأوهام". كنت أشعر أن ركضك المستمر نحو أهدافك التى لا تنتهى سببه الأساسى خوف مستقر بداخلك يعتصر كيانك. خوف من المستقبل ومن الأيام القادمة. أنت تركض نحو الحياة خوفا منها وليس حبا فيها. كنت أعرف ذلك جيدا وكنت دائما ما أقوله لك: هشام.. لا تدع خوفك من القادم يفسد عليك استمتاعك بالحاضر. أنت تضيع أجمل أيام عمرك وزهرة شبابك فى قلق وتعب ولهاث فارغ لا معنى له. صدقنى يا هشام ستفيق يوما ما عندما تصبح ضخم الكرش شائب الشعر واهن الجسد وستندم على تضييعك الكثير. الأحاسيس الانسانية لا تقدر بمال يا هشام. لا تعطى هذه الدنيا أكبر من حجمها.. انها دنيا حقيرة يا صديقي.. ونهايتنا ستكون واحدة.
كنت تنظر لى نظرة تحمل الكثير. نظرة ألمح فيها العتاب كما ألمح فيها الاتهام. تتهمنى صامتا بأننى أحاول احباطك وهدم عزيمتك وتثبيط همتك. اتهام لم تنطق به يوما. ونظرة كانت تخيفنى منك كما كانت تقلقنى عليك. يوما بعد يوم كانت الحياة تأخذك منى ومن كل من حولك. كنت تعلو الدرجات فى عملك. حياتك المادية تزدهر. وحياتك الأنسانية تضمحل وتنكمش. لم أكن أدخر فرصة لتذكيرك "انها دنيا حقيرة يا صديقي. ونهايتنا ستكون واحدة". "سؤاااااال. باسألك.. ايه أخرة العذاااااب؟!". أبدا لم تستمع لى يا هشام. دوما كنت أرى نفس النظرة المتهمة. لم تتغير أبدا ولم تعر كلامى اهتماما. ازددت ركضا مع الأيام. وازددت ازدهارا فى عملك وبسطة فى مالك. حتى ابتعت هذه السيارة التى يحلم بها الكثيرون. كنت حقا سعيدا بها. لمحت هذه السعادة فى عينيك. لم تكن تدرى أنها ستكون وسيلة انهاء رحلتك المرهقة التى لم تسمح لنفسك خلالها أبدا بأن تستريح. لم تكن تعلم وأنت تسير على نفس هذا الطريق أن هناك الكثير من سائقى سيارات النقل يقودون سياراتهم وهم تحت تأثير المواد المخدرة. لم تكن تدرى أن سائق هذه السيارة التى كانت أمامك بالذات منهم. تبا لكل سيارات النقل وتبا لكل سائقيها! تبا لكل سيارات النقل و تبا لكل سائقيها! كانت هذه من السائق الذى أجلس جواره والذى انتشلتنى صرخته العصبية من خواطرى.
نظرت فى اتجاه يديه فوجدت سيارة نقل ضخمة تسير بسرعة كبيرة أمامنا مباشرة وتفصلنا عنها أمتار قليلة. دارت عيناى بسرعة على جسم السيارة. كانت تحمل على ظهرها الكثير من الصناديق المرسوم عليها أجهزة كهربية تحمل علامات تجارية فاخرة. و قد انتشر عليها -كعادتهم جميعا- الكثير من الكلام المتظرف من نوعية : "متبصش يا عبيط دى الحوة بالتقسيط" وهذا الكلام الفارغ. وكانت بالطبع تحمل لوحة أرقام كتب عليها "نقل عبد الحميد الأنصارى" لونها أبي.. لحظة! نقل عبد الحميد الأنصارى؟! اسمى أنا مكتوب على لوحة أرقام سيارة نقل؟! بالتأكيد عقلى المنهك يتلاعب بى أو أن هذه النظارة الطبية السخيفة لم تعد تعمل كما يجب. خلعت النظارة وفركت عيني جيدا وأمعنت النظر فأيقنت أنها كذلك بالفعل. نقل عبد الحميد الأنصارى! كيف يمكن ذلك؟! هل أطلقت الحكومة أخيرا اسمى على محافظة من المحافظات تقديرا لجهودى العظيمة فى خدمة الوطن و... جهودى العظيمة؟ وطن؟ اتلهى يا عبد الحميد! ماذا يحدث اذن؟! فكرت أن أسأل السائق عن المكتوب على اللوحة ثم تراجعت خاصة أنه ليس لطيف المعشر الى هذا الحد. ولكن الجواب جائنى فجأة حين صرخ السائق: _ أه يا ابن الكاااالب. سواق ابن كلب صحيح. الله يلعن أبو البحيرة على اللى بييجوا من البحيرة! اذن المكتوب على اللوحة: نقل البحيرة! نقل البحيرة. السيارة التى قتلت هشام كانت أيضا نقل البحيرة! حسنا. فلتكن حتى نقل كوالالامبور فليس هذا وقته. لماذا أراها أنا نقل عبد الحميد الأنصارى؟! و لماذا لا يراها السائق مثلما أراها؟! ولماذا تعترض هذه السيارة طريقنا بهذه الطريقة الجنونية الغريبة؟!
دارت عيناى بجنون على السيارة لعلى أفهم أى شىء أو أجد أى جواب على تساؤلاتى. "تاعبنى سؤااااالى.. يا ريت الاقى جواب". وعندما وقعت عيناى على مرأة السيارة ووجدت عيني هشام الثاقبتين الناظرتين نحوى ووجهه الذى ملأته ابتسامة تحمل من القسوة قدر ما تحمله من السخرية. فهمت كل شىء... "انها دنيا حقيرة يا صديقي. ونهايتنا ستكون واحدة"... وبعد أن دوى صوت الاصطدام العنيف وفى مكان منعزل من عالم أخر غريب لم أعتده بعد. وبعدما أتم عملية نقلى بنجاح. قال لى هشام فى لا مبالاة شامتة: لماذا كل هذا الغل والغضب فى نظرتك الأن؟ انها دنيا حقيرة يا صديقي. وقد كانت نهايتنا واحدة !
أسامة أمين ناصف
التعليق
قصة ممتازة، لغة عذبة صافية دقيقة سليمة، محكمة البناء، تقوم على مفارقة بين طريقين في الحياة، لكنهما ينتهيان نفس النهاية. صحيح أنها تحمل قدرية واضحة ولكن لم لا، لكل يقينه، وهذا كثيراً ما يحدث في زماننا لأسباب واقعية لكننا نفسره تفسيراً قدرياً. وأحياناً لا نملك سوى ذلك.

والمفارقة مركبة، فليست النهاية فقط واحدة، بل إن "هشام" يتبنى (في الموت) نفس وجهة نظر صديقه وينطق بكلماته في النهاية.

د. سيد البحراوي
أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.