في الستينيات من القرن الماضي هددت روسيا بضرب أمريكا بالقنابل النووية، وبالفعل زرعت رؤوساً نووية على حدود "كوبا"، وترد عليها أمريكا بأنها سوف تضرب موسكو بقنابلها النووية بعيدة المدى، والكل يكذب؛ لأن لا روسيا تريد أن تموت في سبيل أن تموت أمريكا، ولا أمريكا تريد ثمن موتها وموت روسيا.. كل طرف يريد الحياة، ولكنه يلعب لعبة الموت، ولهذا يخيف الآخر باستخدام لعبة الأكاذيب الساخنة!! استعراض القوة نوع من الكذب الذي يلجأ إليه الأفراد والدول أيضاً. للمصادفة العجيبة قرأت هذا المقطع أمس من مقال للناقد السينمائي "طارق الشناوي"، وكان تعليقاً على كذبة أبريل الفنية، في نفس الوقت الذي تُعلن فيه إيران أنها ستتقدّم بشكوى للأمم المتحدة مما تعتبره تهديداً من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمهاجمتها بأسلحة نووية، ذلك التهديد الذي كررته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في نفس اليوم، وذلك عندما أكدت أن بلادها لا يمكن أن تستبعد استخدام الأسلحة النووية إذا تعرّضت لهجوم بيولوجي من إيران. فهل يمكن أن يتصوّر أحد أن تستخدم أمريكا الأسلحة النووية ضد إيران أو العكس؟! فكلٌ يمتلك أسلحة نووية، ولكن الكل أيضاً يعلم أنه لن يستخدمها بما فيها أمريكا بعد إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن ما يحدث هو محاولة كل دولة أن تظهر بمظهر القوة أمام الأخرى، ولكن بالتهديد الذي لن يتعدّى مرحلة التنفيذ.. خصوصاً والكل يعلم أن استخدام الأسلحة النووية سيجلب الدمار على كلتا الدولتين، ولن يكون هناك منتصراً. ولكن ما القصة؟ قصة تهديد أوباما لإيران باستخدام الأسلحة النووية؟ كان ذلك في خطاب لأوباما الأسبوع الماضي هدد فيه بأن البلدان غير النووية والملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي ستستثنى وحدها من استعمال السلاح النووي ضدها، في تلميح إلى إيران التي قد تتعرّض لضربة عسكرية ردًّا على تحدّيها للغرب فيما يخص برنامجها النووي. وجاءت بعدها ردود الأفعال الإيرانية المستنكرة حتى صباح اليوم (الإثنين) 12 من أبريل الجاري؛ فوصف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أوباما ب"الهاوي الذي يفتقر للخبرة، ويسارع إلى التهديد باستخدام أسلحة نووية ضد أعداء الولاياتالمتحدة". كما قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي إن تصريحات أوباما تحمل "تهديداً ضمنياً للأمة الإيرانية"، واعتبر أن تصريحه يعتبر "مشيناً وغريباً جداً، ويجب ألا يتجاهله العالم"؛ لأنه يأتي في "عصر دعم حقوق الإنسان والحملات المناهضة للإرهاب". وأضاف خامنئي في اجتماع مع مسئولين من الجيش وقوات الأمن، أن تصريحات أوباما "تلحق الضرر بأمريكا، وتعبّر عن شر الولاياتالمتحدة التي لا يمكن الثقة بها"، مؤكداً ضرورة المحافظة على الاستعداد العسكري والقتالي لمواجهة أي تحديات محتملة. لتردّ بعدها هيلاري كلينتون -وزيرة الخارجية الأمريكية- بالتأكيد على تهديد أوباما بأن بلادها لا يُمكن أن تستبعد استخدام الأسلحة النووية إذا تعرّضت لهجوم بيولوجي، جاء في مقابلة أجرتها يوم (الأحد) ضمن برنامج "واجه الأمة" الذي تبثّه شبكة "سي بي إس"، وقالت بالنص: "إذا تمكنا من إثبات أن هجوماً بيولوجياً نشأ في بلد هاجمنا فإن كل الرهانات متاحة". وأضافت أن سياسة "الصبر" التي اتبعتها واشنطن مع إيران على مدى الأشهر الأخيرة ساهمت في بناء تأييد دولي لفرض عقوبات جديدة على إيران -هذا حسب رأيها. ومِن جهته أكد في المقابل وزير الدفاع الأمريكي أن إيران لا تملك قدرات نووية بَعد، وأن الحكومة الأمريكية لم تتوصل إلى نتيجة مفادها أن إيران ستحصل على القنبلة بالضرورة، وهي تفعل ما بوسعها لمنعها من تطوير أسلحة نووية. مما يعني أن إيران ضخّمت من شأن التقدّم الذي أحرزته فيما مضى لتعزيز مشاعر الفخر في الداخل إزاء برنامجها النووي، وتحسين موقفها التفاوضي مع القوى الكبرى في الخارج، وأنه ليس لديها أسلحة نووية قوية كما تدّعي، وهذا ليس تفسيرنا، ولكن تفسير المحللين الغربيين الذين نسوا أن مع هذا التفسير أنهم يلقون بتهديد أوباما وكلينتون إلى سلة المهملة؛ لأنه ببساطة طالما لا توجد أسلحة نووية لدى إيران إذن لا جدوى مِن التهديد الأمريكي، ولا جدوى من محاولة إرضاء إيران تارة أو تهديدها تارة أخرى باستخدام القوة أو فرض عقوبات، وأيضاً لا جدوى من مساعي إسرائيل ومِن قبلها الولاياتالمتحدة لحشد الدول الكبار ضد إيران مع إغراء الصين بالانضمام. إذن ماذا نفهم مِن ذلك؟! هل تمتلك إيران أسلحة نووية قادرة على إثارة فزع الولاياتالمتحدة ومعها إسرائيل وروسيا وفرنسا وبريطانيا؟ الإجابة الحالية والمنطقية الوحيدة هي نعم؛ لأنه على مدار شهور ومع تعاقب الرؤوساء الأمريكيين ورؤساء الوزراء الإسرائيليين والخوف من إيران موجود ولا يغيب من تصريحات القادة سواء في أمريكا أو إسرائيل، وبالتالي فإن كلام المحللين ومعهم وزير الدفاع مجرد محاولة جديدة لتقليل من شأن إيران ليزداد قوة تهديد أمريكا في المقابل، وحتى يسهل تطبيق المبدأ المعروف "الطرف الأقوى يستطيع دائماً فرض شروطه على الطرف الأضعف". والحقيقة أن تصرف الولاياتالمتحدة ليس غريباً ولا فريداً من نوعه حتى لو اعتقدت عزيزي القارئ أن لجوء أوباما إلى التهديد هو الغريب، خاصة أننا لم نعتَد منذ توليه منذ أكثر من عام أن يلجأ إلى استخدام هذا الأسلوب في مخاطبة حتى الأعداء وأولهم إيران، ولكن الغريب من وجهة نظري هو رد فعل إيران باللجوء إلى الأممالمتحدة أي اللجوء إلى القانون الدولي الذي طالما اخترقته ومعها إسرائيل. فمع التصريحات الرنانة من نجاد والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، إلا أن هذا كان مع شكوى رسمية للأمم المتحدة، وكأنها تسجّل لديها الاعتراض فقط؛ لأنها تعلم ونحن أيضاً أن المسألة تنطبق عليها الأغنية المشهورة: "أشكيك لمين.. والخصم إنت والحكم.. أشكيك لمين".. لكنها سابقة تستحق التسجيل أن إيران تشكو أمريكا للمجتمع الدولي، في نفس الوقت الذي يعقد فيه أوباما قمة الأمن النووي في محاولة لانتزاع مصادقة دولية أيضاً على العقيدة النووية الجديدة، لتكون هذه الخطوة الثالثة نحو بناء "عالم خالٍ من الأسلحة النووية"، كما وعد الرئيس باراك أوباما قبل سنة، وهو الوقت نفسه الذي يجلس فيه مع نظيره الصيني "هو جين تاو" قبل أن يستضيف وفوداً رفيعة المستوى من نحو 50 دولة في المؤتمر العالمي الذي يُركّز على منع الإرهاب النووي أو بالأحرى نقول أوباما يجمع 50 دولة ويعقد جلسات مع الصين ليقف في وجه إيران!! والسؤال الذي سيظلّ مطروحاً لأسابيع.. إلى أين سينتهي الطموح الإيراني والعناد الأمريكي؟!