مشكلتي إني باحس إني وحيدة، كل اللي بيعرفني من قريب أو من بعيد بيحبّني ويشوفني شخصية جيّدة، ولكن أنا مابحسش ده. أنا أصغر من إخواتي، يعني آخر العنقود، إخواتي كلهم متزوجين، ما عدا أنا وأخي أكبر مني، وبياخد رأيي في أي مشكلة مع خطيبته، والحمد لله بقدر أحلها له. باعشق أختي الوحيدة وأولادها، هي وجوزها بيسيبوني براحتي في بيتهم، وبالنسبة لأولادها أنا مش خالتهم بالعكس صاحبتهم، وده شيء بيبسط أختي وجوزها، ولما بيبقى في مشكلة بيلجأوا لي. وعندي بنات أخي الكبير.. الأربع بنات اتجوزوا وأنا أكبر منهم، كنت بانزل واشتري معاهم جهازهم وأجهز لحفلات خطبتهم، لدرجة إني كنت بوصّل لمبات النور وأعمل الكوشة وأخدم على المعازيم، يعني بالظبط أكتر من أم العروسة. أنا باستغرب على نفسي إني مابغيرش منهم لأنهم اتخطبوا أو اتجوّزوا وأنا لأ، أنا والله باكون فرحانة لدرجة إن جدة البنات وخالاتهم بيستغربوا من تصرّفاتي.. أنا اللي باحسسهم بالفرح، وكل اللي يعرفني يبص لي باستغراب، ويقولوا إن لله في خلقه شئون. أجد في نفسي ميزة، إني لمّا بادعي لحد المولى لا يرد لي دعوة، علاقتي بربنا أحسبها عند الله خير. أفرح بشدة لفرح الآخرين، ولكن أجد في نفسي إني صعبة الإرضاء، مع إن أي كلمة حلوة أو طيبة تفرحني، أحيانا كثيرا أشعر أني متناقضة، باسأل نفسي إزاي راضية بالمقسوم والمقدّر وإزاي صعب إرضائي؟
whoareu
أهلا بك وسهلا يا صديقتي العزيزة.. فما أجمل أن يكون الإنسان في حالة "رضا" حقيقي لأقدار الله سبحانه وتعالى، وما أجمل العطاء حين يزيد من سعادتنا الداخلية فعلا، ولكن حين نجعل دون وعي منا التقرب لله عز وجل هو مساحة هروب لمواجهة حقيقة مشاعرنا التي تؤلمنا؛ فهنا يجب أن نزيح كل الستائر الثقيلة التي تحول بين رؤيتنا لحقيقة مشاعرنا ولأنفسنا وبين ما يبدو في الخارج للآخرين. ودعيني أوضح أكثر؛ فلكل منّا ذات حقيقية، وهي الذات التي كنا عليها في الصغر؛ تلك الطفلة الصغيرة التي تعبّر عن مشاعرها بوضوح ودون تجمّل أو تجميل، ولكن حين نتعرّض للتعامل مع الظروف والأقدار، ونتعامل مع الآخرين نضطرّ لإخفاء مشاعرنا، أو إخفاء رغباتنا الحقيقية في مجالات الحياة المتنوّعة. نظلّ في حالة "تغليف" لتلك الذات الحقيقية دون وعي منّا بمبررات "شيك"، مثل أن المشاعر أمر خاص لا يجوز البوح به لأي مخلوق، أو أن القوة في ألا تشعري أحدا أبدا بآلامك، والقوة أن تعطي وتعطي ولا تأخذي شيئا؛ فتظل الذات الحقيقية بمرور السنوات في حالة تكبيل شديدة لدرجة التورّط في "شكل" خارجي لا يمكن التحرك بعيدا عنه، فيضيع التواصل الحقيقي بيننا وبين ذواتنا الحقيقية! فنحن طول الوقت نتعامل من خلال ما غلفنا به ذواتنا الحقيقية؛ فتكونت حولها ذات "مزيفة" هي التي تظهر على صفحة الوعي، وهي التي نتعامل بها مع الآخرين، وهي التي تتصرف! ويأتي بين الحين والحين صوت عميق يئن من الطفلة -الذات الحقيقية- لتؤلمك لتنتبهي لها ولما تفعلينه بها، وكلما حاولت الصراخ كتمت صوتها بالمزيد من الهروب لمكان آمن يجعلك لا تسمعينها. لذا أخشى أن تكوني قد أدمنت الهروب، وتتذكرين ذاتك الحقيقية فقط حين تشعرك بالوحدة رغم كثرة الأشخاص والأحداث من حولك، وتشعرك بعدم الرضا رغم أن الكلمات البسيطة والمدح لا ينقطع عنك. لذا أتصور أن أفضل ما يمكنك عمله هو أن تجعلي ذاتك الحقيقية تتنفس وتظهر وتعبر عن نفسها باستخدام أدوات النضوج التي اكتسبتها من خلال حياتك كلها. فلتعترفي لنفسك أولا أنكِ حزينة على كونك بلا ونيس قريب تشاركيه أحلامك أنت، وهمومك أنت، وأنكِ تتوقين لتكوين أسرة تخصكِ أنت تمارسين فيها الأمومة والعطاء، وهو ما نسمّيه في العلاج ب"النوح"؛ فالنوح الصحي يجعلنا نغضب، نحزن، ثم نتمكّن من قبول مشاعرنا تلك، وبممارسة النوح نجد أنفسنا في حالة نفسية أفضل على عكس ما هو شائع! فأعيدي تواصلك مع ذاتك الحقيقية، وهذا ما يجعلك بمرور الوقت تتخلين عن "العلاقات الاعتمادية" في حياتك؛ فالاعتمادي لا يمكن أن يكون سعيدا هكذا دون سبب. كذلك الاعتمادي لا يغفر لنفسه بسهولة، ولا يتعامل مع أخطائه بإيجابية، وهو لا يتمكّن من رعاية نفسه ولا كيف يرعاها؟ فالاعتمادي يطلب من الآخرين أكثر من اللازم برعايته. لذا علاقتك بمن حولك من المهم أن تتحوّل لعلاقات صحية فيها قبول غير مشروط للآخر ولا لك أنت، ودون رغبة في التغيير من شخصيته ولا شخصيتك، فيها تعبير عن المشاعر بلا خجل، فيها خصوصية ومسئولية فردية، وليست مسئولية تمتدّ للآخر فنكون مسئولين عنه، فيها اختلاف دون أن يهدد هذا الاختلاف العلاقة، فيها مساندة دون اعتمادية، فيها تسامح وفرص جديدة نمنحها لبعضنا البعض، فيها تعبير عن الاحتياجات بصراحة وصدق، فيها انفتاح على الناس، على المجتمع، على الآخرين بلا استئثار أو انعزال. وكذلك حين تكون علاقتنا بالله سبحانه علاقة حقيقية لا بد وأن نتجاوز تلك القشرة الخارجية عنا، ونتجاوز الصور الدينية المتوارثة، فيكون التواصل بيننا وبينه أعمق مما نقوم به من شعائر مهمة جدا بالطبع، ولو تركت نفسي لأحدثك فلن تكفيني صفحات الموقع! ولكن على أي حال أود أن تراجعي ما قلته لك بصدق شديد مع النفس، وتتذكري أن قيمتك الحقيقية فيما تضيفيه لنفسك بالإضافة لما تضفينه للآخرين، وأن السعادة قرار نتخذه ونتهيأ له، ونتعلم أدواته، ومن أهم أدواته هو التواصل الصحي مع النفس، كذلك شعور الوحدة ناتج لتلك الأخطاء في التعامل مع حقيقة مشاعرك، وحقيقة احتياجاتك. بارك الله فيكِ وقواكِ.. وتابعينا بأخبارك،،،