قصر البارون إمبان.. ذلك القصر الأثري بالغ الروعة والجمال الذي أحيط بالغموض وحكايات الرعب والأقاويل المختلفة، فكلما نظرت إليه تشعر بالرهبة والخوف، ويملؤك الفضول لدخول هذا القصر والتعرف على ما يحتويه من أسرار، وفي ذات الوقت شكله المهيب يجعلك تتردد مرات في الإقدام على هذه الخطوة. يقع قصر البارون في قلب منطقة مصر الجديدة، تحديدا في شارع العروبة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي، ويُطل القصر على شوارع: العروبة، وابن بطوطة، وابن جبير، وحسن صادق، من جهاته الأربعة. تصميم القصر المعماري قام بتصميم القصر المهندس المعماري الفرنسي ألكسندر مارسيل، ويجمع بين الطرازين الأوروبي والهندي، حيث جمع في تصميمه بين أسلوبين معماريين أحدهما ينتمي إلى قصور عصر النهضة خصوصا بالنسبة إلى التماثيل الخارجية وسور القصر، والآخر ينتمي إلى الطراز الكمبودي بقبته الطويلة المحلاة بتماثيل بوذا، وقد جُلب رخام القصر من إيطاليا والكريستال من تشيكوسلوفاكيا، وحديقته الواسعة تبلغ مساحتها 12.500 ألف متر، وقد اكتمل بناؤه تماما عام 1911. ويعتبر قصر البارون إمبان تحفة معمارية فريدة من نوعها لأنه القصر الوحيد في العالم الذي لا تغيب عنه الشمس طوال النهار، حيث تدخل جميع حجراته وردهاته، وتم ذلك بتشييد قاعدته الخرسانية على "رولمان بيلي" تدور على عجلات، بحيث يلف القصر بمن فيه كل ساعة، ليرى الواقف في شرفته كل ما يدور حوله ويتبع الشمس في دورانها على مدار ساعات النهار. من هو البارون إمبان؟ البارون إمبان (20 سبتمبر 1852 - 22 يوليو 1929) هو المهندس إدوارد لويس جوزيف إمبان، وهو ثري بلجيكي مؤسس لعدد من المشروعات العملاقة، إلى جانب أنه عاشق للآثار المصرية، كان يُلقّب ب"البارون" لأن ملك فرنسا منح له هذا اللقب تقديرا لمجهوداته في إنشاء مترو باريس، حيث كان إمبان مهندسا مميزا. سافر إمبان إلى العديد من البلاد، منها: المكسيك والبرازيل والكونغو والهند والعديد من الدول في أمريكا الجنوبية وإفريقيا، حيث كان يعشق السفر والترحال، وأقام الكثير من المشروعات في هذه البلاد واستطاع أن يجمع ثروة طائلة. وحينما وصل البارون إلى القاهرة لم تمضِ أيام حتى عشق الرجل أرض مصر لدرجة الجنون، واتخذ قرارا مصيريا حينها بالاستقرار فيها حتى وفاته، وكتب في وصيته أن يُدفن في تراب مصر حتى ولو وافته المنية خارجها. فكرة بناء القصر ترجع فكرة بناء القصر إلى البارون إمبان الذي اتخذ قرار بقائه في مصر وقرر البحث عن مقر يُقيم فيه بشكل دائم، فعرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم "هليوبوليس" أي مدينة الشمس. كانت المنطقة تفتقر إلى المواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى هذا الحي الجديد فكر في إنشاء خط مترو وأطلق عليه اسم "مترو مصر الجديدة" لكي يربط الحي الجديد بالقاهرة، وهو موجود حتى الآن، كما بدأ في إقامة المنازل على الطراز البلجيكي الكلاسيكي إلى جانب إنشاء مساحات كبيرة من الحدائق الواسعة، وبنى فندقا ضخما هو فندق هليوبوليس القديم. وبعد ذلك قرر البارون إقامة قصره الشهير وكان قصرا أسطوريا، وهو يُعدّ من أفخم القصور الموجودة في مصر على الإطلاق، ومن أهم أركانه غرفة البارون بكل نقوشها وزخارفها ومقتنياتها، ولوحة تجسد كيفية عصر العنب لتحويله إلى خمور، ثم شربه حسب التقاليد الرومانية وتتابع تأثير الخمر في رءوس شاربيها. وقد كان حفل الافتتاح حدثا جللا في حياة المصريين وقتها، وحضره السلطان حسين كامل الذي أبدى إعجابه الشديد به، ولكنه حاول أن يستولى عليه إلا أن البارون رفض إهداءه إياه، وقام ببناء قصر آخر بالقرب من قصره أهداه للسلطان الذي رفض الهدية مُصرّا على طلبه الأول لاقتناء القصر، واعتبر إمبان خارجا عن طاعته، وأمام غضبة السلطان حزم البارون حقائبه وغادر مصر حتى تهدأ الأمور، وبعد أشهر قليلة تبدلت الأوضاع في مصر، وعاد البارون إمبان من جديد إلى مصر ثم قرر أن يقيم مشروعا لإقامة مجتمع من المساكن للطبقة الأرستقراطية والجاليات الأجنبية خاص بالبلجيكيين المُقيمين بالقاهرة.. الإهمال الذي تعرض له القصر توفي البارون إمبان في 22 يوليو عام 1929، ومنذ ذلك الحين تعرض القصر لخطر الإهمال لسنوات طويلة، وتحولت حدائقه إلى خراب، وأصبح القصر مهجورا، وتشتت جهود ورثته ومن حاول شراء القصر واستثماره، إلي أن اتخذت الحكومة المصرية قرارا بضمه إلى قطاع السياحة وهيئة الآثار المصرية اللتين باشرتا عملية الإعمار والترميم فيه على أمل تحويله إلى متحف أو أحد قصور الرئاسة المصرية. قصص الرعب والغموض التي أثيرت حوله ونظرا لإغلاقه المستمر انتشرت حول القصر العديد من القصص الغامضة والمرعبة، ونسج الناس حوله الكثير من القصص الخيالية، ومنها أنه صار مأوى للشياطين مما دفع ورثته إلى بيعه عام 1955 لمستثمرين، وتمت عدة محاولات لهدم القصر لتحويله إلى فندق عالمي. ترددت العديد من الحكايات والأقاويل التي جعلت من قصر البارون بيتا حقيقيا للرعب تدور حول سماع قاطني المساكن القريبة منه لأصوات تحريك أثاث القصر بين حجراته المختلفة في منتصف الليل، والأضواء التي تضيء فجأة في الساحة الخلفية للقصر وتنطفئ فجأة أيضا. ويحكون أيضا قصصا عن مشاهدة المارة دخانا ينبعث من غرفة القصر الرئيسية ثم رأوه يدخل في شباك البرج الرئيسي للقصر، وعن ظهور وهج نيران يشتعل وما يلبث أن ينطفئ وحده دون أن يعمل أحد على إطفائه، وذلك كله عمل على نفور الجميع من البقاء داخل القصر مهما كان الثمن. عبدة الشيطان والقصر عبدة الشيطان هم مجموعة من البشر ذوي فكر منحرف، يؤمنون بأن الشيطان هو خالق هذا الكون، ولهم طقوس وعبادات معينة يمارسونها في الخفاء، ومن أشهر رموزهم التي يقدسونها: رأس الكبش الذي يُمثل إلههم ورئيسهم وهو الشيطان، والهلال والنجمة وهو شعار مشترك بين الماسونية وعبدة الشيطان، ويُمثل آلهة القمر "ديانا" وإلهة الحب "فينوس"، والصليب المعقوف وهو شعار مشترك بين النازية وعبدة الشيطان، ويرمز إلى الشمس والجهات الأربعة، ونجمة داود وهو شعار مشترك بين اليهود وعبدة الشيطان، ويستعمل في الطقوس السحرية إلى جانب العديد من الرموز الأخرى. وقد دفعت الأجواء الغامضة -التي أحاطت بالقصر المهجور على مر الزمن- مجموعة من الشباب المصري من الذين يعتنقون هذا الفكر المنحرف إلى التسلل إلى القصر ليلا، وإقامة حفلات ماجنة، إذ كانوا يرقصون ويغنون على أنغام أنواع معينة من الموسيقى الصاخبة، ويلطخون جدران القصر بدماء القطط والكلاب ويرسمون رموزهم على جدرانه. وفي منتصف عام 1997 ألقت الشرطة المصرية القبض عليهم في حادثة شهيرة، لتفجر أول قضية من نوعها حول ما يُعرف بتنظيم عبدة الشيطان، وقد لعبت هذه الممارسات التي كانوا يمارسونها داخل القصر دورا كبيرا في نسج الكثير من الأساطير التي ترددت من قِبل الجيران حول مشاهدتهم أضواء ساطعة، وسماعهم موسيقى تنبعث منه وصخبا وضجيجا ورقصا كل ليلة داخل القصر. وبعد أن تعرفنا على تاريخ قصر البارون بكل ما يحويه من أسرار وغموض ورعب، نجد أنه سيظل لغزا يُحيّر الجميع لم يستطع أحد حله حتى الآن، كما أنه سيظل تحفة معمارية فريدة تبهرنا جميعا على مر العصور.
قصر البارون * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: