اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    جثة دون أحشاء مقابل ملايين الجنيهات| قصة ال«دارك ويب» في جريمة طفل شبرا.. والنيابة تكشف مفاجأة صادمة بمكان الحادث    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    بلينكن ل نظيره الصيني: لا بديل عن الدبلوماسية وجهاً لوجه    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    الحوثيون يستهدفون سفينة في خليج عدن ويطلقون صواريخ مجنحة على أهداف في إيلات    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    تطبيق "تيك توك" يعلق مكافآت المستخدمين لهذا السبب    أمريكا تستعد للإعلان عن عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأشباح لا تغادر قصر البارون
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 04 - 2009

قصر البارون إمبان فى مصر الجديدة هو أحد عجائب العمارة الحديثة فى العالم، ومحط أنظار الباحثين عن الابتكار والإبداع، لكنه طالما شغل خيال المصريين بحكايات من نسج الخيال، عن أشباح وعفاريت تعيش فى القصر المهجور، أو مغامرات غامضة ومثيرة كان أبطالها من وصفهم الإعلام بأنهم «عبدة الشيطان»، الذى كانوا يمارسون طقوسهم السرية بين جدرانه.
«القصر ده مليان عفاريت، لو درجات الامتحان وحشة الشهر ده هجيبك هنا وأسيبك وأمشى».
يتذكر عبدالرحمن طالب كلية الآثار كلمات والدته، كلما عبر أمام قصر البارون، ومازال حتى اليوم ينظر إلى القصر وهو لا يعرف إن كانت والدته تخيفه فقط أم أنها كانت تقول الحقيقة.
وعلى الرغم من دراسته المتخصصة فى الآثار، فلم يتوصل لحقيقة ما يدور وراء جدران القصر، كما أن «الأشباح ليست جزءا من دراسة الآثار»، كما يقول.
عبدالرحمن ليس الشخص الوحيد الذى يحتار فى تحديد موقفه تجاه قصر البارون إن كان مسكونا أم لا؟
الكثير من المارة يتوقفون أمام القصر فى شارع العروبة لالتقاط صور له من خارج الأسوار الحديدية، على أنه تحفة معمارية عظيمة على حد قولهم، وآخرون يمرون فى عجالة دون النظر إليه لأنهم اعتادوا المرور أمامه يوميا فلم يعد يبهرهم، وهؤلاء لا يعطون للقصر وأساطيره اهتماما.
«البارون مسكون لأن الأشباح تسكن المنازل المهجورة، يقولها محمد أحمد طالب المرحلة الثانوية، وهو ليس من سكان المنطقة، ولكنه حين يمر بقصر البارون يقف حائرا. «أحيانا آتى مع أصدقائى ونقف خارج الباب الحديدى أمام القصر ليلا وننتظر أن يظهر شىء مريب أو مرعب، ولكن فى كل مرة لا يظهر شىء ويظل القصر ساكنا».
الجيران يسمونه منزل الرعب على غرار أفلام مصاص الدماء
«أتجنب النظر للقصر عندما أمر أمامه ليلا». قالها محمد سيد أحد سكان المنطقة دون أن يرفع عينه على القصر الذى يمر يوميا به فى طريق ذهابه وعودته من عمله، لكنه يؤكد أنه لم ير أشباحا أو يسمع أصواتا تدل أن القصر مسكون، ومع ذلك يقول: «أشعر برهبة من شكله ربما بسبب قصص الرعب التى انتشرت حوله».
عم محمد بواب إحدى العمارات التى تطل على القصر يقسم بأن الأشباح الموجودة بالقصر تظهر فى المساء بعد انتصاف الليل: «أنا بواب فى المنطقة من عشرين سنة والقصر ده مسكون. مرة اشتعل حريق داخل القصر وشاهد المارة دخانا ينبعث من غرفة القصر بعدها انطفأ وحده دون تدخل أحد»، ولكنه يقول: «لم أشاهد شيئا بعينى لأنى أنام بدرى وكل الحاجات بتحصل بعد نصف الليل».
لكن هناك من لا يصدقون كل هذه الأساطير.
«أتحدى أن يثبت أى شخص رواية تدل على أن القصر مسكون، لأن ما فيش حاجة اسمها أشباح، والأصوات التى تنبعث من داخل القصر أصحابها كانوا عبدة الشيطان».
هذا انطباع ماريان كمال، المقيمة بجوار القصر منذ 13 سنة. «الناس هما اللى نسجوا تلك الخرافات حول القصر وكل ده كلام فارغ».
وبالنسبة للكثيرين، تبدو هذه الحكايات منطقية، حين تدور على مكان مهجور.
«كل بيت مهجور يعتقد الناس أنه مسكون، لكن القصر خال تماما من الأشباح والبشر». هكذا بدأ محمد أبو سريع كبير مفتشى آثار مصر الجديدة وهو يقف داخل بهو القصر كلامه عن الإشاعات التى تتردد حول البارون على حد قوله فهو يتردد على القصر منذ فترة طويلة جدا، حتى إنه لا يتذكر أول مرة دخل إلى القصر بصفة عمله لمعاينته كأثر متحفظ عليه من قبل المجلس الأعلى للآثار، ولكنه غير مملوك للدولة وكان وقتها باقى تحت تصرف ملاكه.
من أساطير البارون قصة ابنته المصابة بالصرع
«اختلفت الروايات والأساطير التى تناولت البارون وعائلته وقصره، قالوا عنده صرع، وكثيرا ما كانت تنتابه النوبات الصرعية فيقع فى حديقة قصره حتى الصباح وكلبه يقف بجواره إلى أن يفيق وحده وهذا غير صحيح».
وأما الحكايات الشعبية المختلقة عن أسرته، فأشهرها «ابنته مريام المصابة بشلل أطفال وكانت تعانى من حالة نفسية سيئة، فكانت تجلس لساعات ببعض غرف البدروم أسفل القصر، وكانت تعود لغرفتها وهى متحسنة المزاج، وتقول إنها تكلمت مع صديق لها يريحها كثيرا، ووجدت ميتة ملقاة على وجهها فى بئر المصعد».
كل هذه خرافات لأن البارون كان يعيش فى القصر وحده حتى أنه توفى على الباخرة أثناء ذهابه إلى بلجيكا لقضاء الإجازة مع عائلته فى عام 1928.
وكذلك قصة سقوط أخته «هيلانة» من شرفة غرفتها الداخلية بينما كان يدور البارون ببرج القصر ناحية الجنوب، وتوقفت القاعدة عن الدوران فى تلك اللحظة بعدما هب البارون لاستطلاع صرخات أخته ومن يومها لا تدور القاعدة.
يبتسم أبو سريع.
«كل القصص التى نسجها الناس حول البارون وعائلته كان هدفها إيجاد مبرر لأن يكون القصر مسكونا بالأشباح، فلا يوجد فى بدروم القصر غرفة مسحورة وردية تخص زوجة البارون، لأنه لا يعقل أن يخصص البارون لزوجته غرفة فى البدروم مع الخدم».
تروى الأسطورة الشعبية «أن البارون حرم دخول هذه الغرفة على الجميع حتى على ابنته وأخته البارونة «هيلانة»، وتقع أبواب هذه الغرفة عند مدخل النفق الطويل الممتد لكنيسة البازيليك الواقعة فى آخر شارع العروبة التى دفن بها البارون بعد نقل جثمانه ليدفن فى مصر، حسب ما تركه فى وصيته».
يضيف: «لا أحد يعلم إذا كان هناك نفق ممتد بين القصر وكنيسة البازليك التى بناها البارون عند إنشاء الحى ودفن بها أم لا، وربما نكتشف المزيد من الحقائق عند ترميم القصر».
برج القصر الذى يدور
حكاية أخرى غير حقيقية
أشيع أيضا أن برج القصر يدور مع الشمس كل ساعة وهذا كلام غير صحيح. «برج القصر لا يدور والقصر غير مبنى على قاعدة تدور، وكل هذه أقاويل ليس لها أساس من الصحة، وربما تثبت أعمال الترميم غير ذلك».
وإلى سطح القصر حيث ترى البرج عن قرب، يرفع أبو سريع يده مشيرا: «ها هو خال تماما من أى نوافذ، ولا يوجد سلالم أو مصاعد تستطيع من خلالها الصعود له، والسبيل الوحيد للوصول لقمته هى تلك الأذرع الحديدية البارزة من البرج فى تدرج يمكن تسلقها».
بالنسبة بخبير الآثار يبدو هذا دليلا كافيا على حكاية برج القصر الذى يلف كل ساعة مع اتجاه الشمس، هى من الخيال الشعبى.
«معظم الحكايات الخرافية المنتشرة حول القصر تسبب بها مجموعة الشبان الذين عرفوا بعبدة الشيطان، لأنهم كانوا يتسللون للقصر، ولم يمنعهم أحد، واستمر ترددهم على القصر سنتين قبل القبض عليهم».
ويبتسم عندما يتذكر حارس الأمن الذى جلبه أصحاب القصر من إحدى شركات الأمن. «الله يرحم أيام عم حسن مافيا، كان يروى أنه إذا منع هؤلاء الشباب من الدخول كانوا يتعدون عليه بالضرب، فكان يخشاهم ويتركهم يمرون».
أصبح مافيا الذى تجاوز عمره الخمسين حارسا دائما للقصر، على الرغم من وجود ورديتين واحدة ليلية وأخرى صباحية، بسبب قصص الرعب المنتشرة حول القصر التى جعلت الجميع يخشى العمل على حراسته.
وتابع أبو سريعك «تم الإفراج عن مافيا فى قضية عبدة الشيطان لعدم ثبوت أى أدلة تدينهك وظل حارسا للقصر حتى عام 2002 ويشاع أنه محجوز من يومها فى مستشفى الأمراض العقلية».
كل الدمار الموجود الآن يشير إلى عظمة فنية فريدة
«يطل القصر الذى يميز المنطقة بوجهاته الأربعة على أهم أربع شوارع فى منطقة مصر الجديدة»، كما يلاحظ أبو سريع، «هى شارع العروبة على الطريق الرئيسى المؤدى لمطار القاهرة، وشوارع ابن جبير وابن بطوطة وحسن صادق.
خلف البوابة تبدأ الحديقة الخضراء فى وسط الطريق الرملى المؤدى إلى بوابة القصر. هناك عمال متخصصون لرعاية الحديقة بشكل دورى من وقت زراعتها عام 2005 منذ انتقال القصر لوزارة الإسكان. ومنظر الحديقة يوحى بأن الحياة دبت فى هذا المكان، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الإهمال.
بعد الحديقة تبدأ درجات السلالم الرخامية البيضاء حتى مدخل القصر، حيث قطعة رخام بيضاء كان يقف عليها تمثال لأحد الفرسان الرومان رافعا سيفه، وتحت قدمه رأس مقطوع. التمثال لم يعد يحظى بشرف استقبال الزائرين، بعد أن ألقى به فى بهو القصر مكسورا إلى نصفين.
درجات أخرى ثم تمثال ثان لفارس آخر من العصر نفسه، يتكئ على إحدى يديه ويرفع الأخرى. لا يمكن الاستدلال على شكله أو ما رفع به يده، لأنه مقطوع الرأس والذراع. الجدران ملطخة بالدماء والأسقف متآكلة والأسوار تهشمت أجزاء كبيرة منها.
كل هذا لا يمكن أن يمحو فخامة هذا التصميم. شرفات القصر الخارجية محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، والعاج ينتشر فى الداخل والخارج، والنوافذ ترتفع وتنخفض مع تماثيل هندية وبوذية، بخلاف تماثيل الإله بوذا والتنين الأسطورى.
باب القصر الذى كان مصنوعا من الخشب المعشق بالزجاج لم يعد موجودا اليوم. وعلى جانبى الباب تمثالان لسيدة تقف فى وضع راقصة، كلاهما الآن بدون رأس.
البهو يحتوى على صالتين بسقف عال مزخرف برسومات فنية، وأرضيات من الرخام والمرمر الأصلى التى تم استيرادها من إيطاليا وبلجيكا.
وضم القصر العديد من التحف والتماثيل المصنوعة من الذهب والبلاتين، فضلا عن ساعة أثرية قديمة يقال إنها لا مثيل لها إلا فى قصر باكنجهام الملكى بلندن تشير للوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين، مع إظهار تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة، ولكنها لم تعد موجودة الآن فكل ممتلكات القصر بيعت فى المزاد العلنى فى الفترة بين عامى 1955 و1957.
فى هذا البهو كانت تقام حفلات البارون الأسطورية
أولى الحفلات كانت بمناسبة حفل افتتاح القصر. حضر السلطان حسين كامل حاكم مصر آنذاك، وانبهر بالقصر، وطلب من البارون أن يتنازل له عنه، ورفض إمبان أن يهديه القصر، وقام ببناء قصر آخر له على مقربة، ولكن السلطان رفضه وأهداه لزوجته الأميرة ملك، وهو اليوم تحول إلى مدرسة مصر الجديدة النموذجية بنات. وبعدها رحل البارون عن مصر فترة حتى تهدأ الأوضاع تلافيا لحدوث احتكاك بينه وبين السلطان.
الدرجات الرخامية فى البهو تقود إلى الطابق الأول، وبه غرف النوم، التى يظهر عليها دون الحاجة إلى التدقيق عبث عبدة الشيطان، فالجدران كلها أصبحت ملطخة بالدماء، والكتابات العبثية تملأ المكان الذى كان يوما يعيش به البارون حياة الرغد والرفاهية. يظهر هذا من الفسيفساء الملونة التى زخرفت بها الأرضيات، واستخدامه للسيراميك فى حوائط الحمامات.
يعلق أبو سريع «البارون سبق عصره فى استخدام السيراميك فلم يكن معروفا للناس وقتها، كما أنه استخدم مصعدا خاصا لنقل الطعام فى المطبخ يبدأ من البدروم حيث المطبخ الرئيسى ويصل لجميع الأدوار».
ومن بعد الطابق الخاص بغرف النوم ينتهى السلم الرخامى ويبدأ آخر خشبى معلق تصل عند نهايته إلى سطح القصر. هناك توجد أماكن خصصها البارون للجلوس ليستمتع بمشاهدة القاهرة كلها من أعلى القصر، وزينت جدران السطح برسومات خرافية، فضلا عن وجود المصعد الخشبى الذى يتنقل به بين أدوار القصر ولكنه اليوم أصبح متهالكا بفعل الزمن.
وتدل الكتابات التى تملأ كل سنتيمتر من جدران القصر، على الكم الهائل من المتسللين الذين تجولوا فى كل شبر بالقصر، وكل منهم ترك ذكرى مدونة بالتوقيع والتاريخ خاصة العشاق فتحولت الجدران إلى دفتر لتدوين الذكريات. أجد هذه الرسومات يظهر فيه الصليب المعقوف، العلامة المميزة لهتلر، ونجمة داود اليهودية أيضا.
لا يلتقى أحد داخل القصر بالأشباح، أو بتفسير لأحد الأساطير التى خلقت منه منزلا للرعب فى منطقة مصر الجديدة، وإن كان هذا لا ينفى أن القصر بعد أن أصبح مهجورا يصفر الهواء فى جنباته، يثير الرهبة فى نفس مريديه، ولكنه هادئ على الرغم من قصص الرعب التى نسجها حوله سكان المنطقة.
عشق المليونير البلجيكى إدوارد إمبان مصر منذ أن وطأت قدمه أرضها فى أواخر القرن التاسع عشر وكان إمبان مهندسا معماريا منح لقب بارون من ملك فرنسا تقديرا لمجهوداته فى إنشاء مترو باريس، وطاف بلدان العالم بحثا عن المعمار المميز فى الحضارات القديمة، فذهب إلى المكسيك والبرازيل ومنها إلى أمريكا الجنوبية وأفريقيا ثم الهند التى عشق أساطيرها، ولكنه وجد مراده فى مهد الحضارات مصر، فقرر أن يعيش ويموت ويدفن فى أرضها وهذا ما تركه فى وصيته.
البارون إمبان عشق مصر وقرر أن يعيش ويموت بها
اختار البارون ربوة عالية شرق القاهرة على الطريق الصحراوى، واتخذها مكانا لقصره وكان ذلك عقب الانتهاء من إنشاء حى مصر الجديدة الذى أسسه للطبقة الأرستقراطية والجاليات الأجنبية خاصة البلجيكيين المقيمين بالقاهرة، وأطلق عليه اسم هليوبوليس، وتعنى مدينة الشمس، واشترى البارون الفدان بجنيه واحد فقط من الحكومة، حيث إن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، ولكنه فكر فى إنشاء مترو مصر الجديدة لربط الضاحية الجديدة بالقاهرة حتى يجذب السكان إليها.
أراد البارون أن يكون قصره ذا تصميم فريد، وكان له ما أراد، فتصميم القصر يعطيك طابعا أنه خليط بين فن العمارة الأوروبى والهندى. سوزان الدالى مسئولة آثار شرق القاهرة تحكى عن اختيار طراز البناء الخاص جدا. «ظل إمبان يبحث فترة طويلة حتى وجد ضالته فى أحد المعارض الفنية فى باريس إلى أن وقع اختياره على تصميم قصر لفنان فرنسى هو إلكساندر مارسيل، وقام بشرائه، ونفذه بعض المهندسين الإيطاليين والبلجيك، واستغرق بناؤه ثلاث سنوات، حيث بدأ العمل به عام 1905».
ويضيف أبو سريع أن البارون «بنى القصر على مساحة 125 ألف متر، ولكن حجمه من الداخل صغير جدا فهو لايزيد عن طابقين، لأنه كان يعيش به وحده، فعائلته كانت تعيش فى بلجيكا وكان يذهب كل فترة لزيارتهم». هذا ما أكده له مسئولون من سفارة البلجيك أثناء الاحتفال بمئوية مصر الجديدة الذى أقيم فى القصر.
والمستقبل مازال مجهولا
انتقلت ملكية البارون مؤخرا إلى المجلس الأعلى للآثار بعد فترة طويلة عانى فيها من إهمال ورثته الذين باعوه إلى مالكين أحدهما سعودى وآخر سورى، كما تقول سوزان الدالى، مسئولة آثار شرق القاهرة. «وضع القصر ساء أكثر لأن الورثة لم يسكنوه فأصبح ملجأ لعبدة الشيطان ومأوى للمتسللين».
يضيف أبوسريع، كبير مفتشى آثار مصر الجديدة، أنه «مع غياب الأمن عنه خاصة مع عدم وجود البوابة الحديدية والسور المحيطين به الآن، كان دخوله أسهل ما يكون بسبب قصر السور الحجرى المحيط بالقصر».
وفى الاحتفال بمرور 100 عام على إنشاء الحى تقرر إقامة الحفل فى القصر فقامت وزارة الإسكان بتعويض ورثة الملاك بقطع أراض فى منطقة القاهرة الجديدة مقابل تنازلهم عن القصر، وفى عام 2007 تنازلت عنه وزارة الإسكان لصالح وزارة الثقافة دون مقابل.
وتضيف سوسن الدالى أن «المجلس الأعلى للآثار يدرس حاليا مشروع ترميم القصر بالاشتراك مع السفارتين الهندية والبلجيكية، ويتوقف الأمر على تحديد طبيعة توظيف القصر إلى مزار سياحى أو ناد دولى أو مركز ثقافى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.