«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأشباح لا تغادر قصر البارون
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 04 - 2009

قصر البارون إمبان فى مصر الجديدة هو أحد عجائب العمارة الحديثة فى العالم، ومحط أنظار الباحثين عن الابتكار والإبداع، لكنه طالما شغل خيال المصريين بحكايات من نسج الخيال، عن أشباح وعفاريت تعيش فى القصر المهجور، أو مغامرات غامضة ومثيرة كان أبطالها من وصفهم الإعلام بأنهم «عبدة الشيطان»، الذى كانوا يمارسون طقوسهم السرية بين جدرانه.
«القصر ده مليان عفاريت، لو درجات الامتحان وحشة الشهر ده هجيبك هنا وأسيبك وأمشى».
يتذكر عبدالرحمن طالب كلية الآثار كلمات والدته، كلما عبر أمام قصر البارون، ومازال حتى اليوم ينظر إلى القصر وهو لا يعرف إن كانت والدته تخيفه فقط أم أنها كانت تقول الحقيقة.
وعلى الرغم من دراسته المتخصصة فى الآثار، فلم يتوصل لحقيقة ما يدور وراء جدران القصر، كما أن «الأشباح ليست جزءا من دراسة الآثار»، كما يقول.
عبدالرحمن ليس الشخص الوحيد الذى يحتار فى تحديد موقفه تجاه قصر البارون إن كان مسكونا أم لا؟
الكثير من المارة يتوقفون أمام القصر فى شارع العروبة لالتقاط صور له من خارج الأسوار الحديدية، على أنه تحفة معمارية عظيمة على حد قولهم، وآخرون يمرون فى عجالة دون النظر إليه لأنهم اعتادوا المرور أمامه يوميا فلم يعد يبهرهم، وهؤلاء لا يعطون للقصر وأساطيره اهتماما.
«البارون مسكون لأن الأشباح تسكن المنازل المهجورة، يقولها محمد أحمد طالب المرحلة الثانوية، وهو ليس من سكان المنطقة، ولكنه حين يمر بقصر البارون يقف حائرا. «أحيانا آتى مع أصدقائى ونقف خارج الباب الحديدى أمام القصر ليلا وننتظر أن يظهر شىء مريب أو مرعب، ولكن فى كل مرة لا يظهر شىء ويظل القصر ساكنا».
الجيران يسمونه منزل الرعب على غرار أفلام مصاص الدماء
«أتجنب النظر للقصر عندما أمر أمامه ليلا». قالها محمد سيد أحد سكان المنطقة دون أن يرفع عينه على القصر الذى يمر يوميا به فى طريق ذهابه وعودته من عمله، لكنه يؤكد أنه لم ير أشباحا أو يسمع أصواتا تدل أن القصر مسكون، ومع ذلك يقول: «أشعر برهبة من شكله ربما بسبب قصص الرعب التى انتشرت حوله».
عم محمد بواب إحدى العمارات التى تطل على القصر يقسم بأن الأشباح الموجودة بالقصر تظهر فى المساء بعد انتصاف الليل: «أنا بواب فى المنطقة من عشرين سنة والقصر ده مسكون. مرة اشتعل حريق داخل القصر وشاهد المارة دخانا ينبعث من غرفة القصر بعدها انطفأ وحده دون تدخل أحد»، ولكنه يقول: «لم أشاهد شيئا بعينى لأنى أنام بدرى وكل الحاجات بتحصل بعد نصف الليل».
لكن هناك من لا يصدقون كل هذه الأساطير.
«أتحدى أن يثبت أى شخص رواية تدل على أن القصر مسكون، لأن ما فيش حاجة اسمها أشباح، والأصوات التى تنبعث من داخل القصر أصحابها كانوا عبدة الشيطان».
هذا انطباع ماريان كمال، المقيمة بجوار القصر منذ 13 سنة. «الناس هما اللى نسجوا تلك الخرافات حول القصر وكل ده كلام فارغ».
وبالنسبة للكثيرين، تبدو هذه الحكايات منطقية، حين تدور على مكان مهجور.
«كل بيت مهجور يعتقد الناس أنه مسكون، لكن القصر خال تماما من الأشباح والبشر». هكذا بدأ محمد أبو سريع كبير مفتشى آثار مصر الجديدة وهو يقف داخل بهو القصر كلامه عن الإشاعات التى تتردد حول البارون على حد قوله فهو يتردد على القصر منذ فترة طويلة جدا، حتى إنه لا يتذكر أول مرة دخل إلى القصر بصفة عمله لمعاينته كأثر متحفظ عليه من قبل المجلس الأعلى للآثار، ولكنه غير مملوك للدولة وكان وقتها باقى تحت تصرف ملاكه.
من أساطير البارون قصة ابنته المصابة بالصرع
«اختلفت الروايات والأساطير التى تناولت البارون وعائلته وقصره، قالوا عنده صرع، وكثيرا ما كانت تنتابه النوبات الصرعية فيقع فى حديقة قصره حتى الصباح وكلبه يقف بجواره إلى أن يفيق وحده وهذا غير صحيح».
وأما الحكايات الشعبية المختلقة عن أسرته، فأشهرها «ابنته مريام المصابة بشلل أطفال وكانت تعانى من حالة نفسية سيئة، فكانت تجلس لساعات ببعض غرف البدروم أسفل القصر، وكانت تعود لغرفتها وهى متحسنة المزاج، وتقول إنها تكلمت مع صديق لها يريحها كثيرا، ووجدت ميتة ملقاة على وجهها فى بئر المصعد».
كل هذه خرافات لأن البارون كان يعيش فى القصر وحده حتى أنه توفى على الباخرة أثناء ذهابه إلى بلجيكا لقضاء الإجازة مع عائلته فى عام 1928.
وكذلك قصة سقوط أخته «هيلانة» من شرفة غرفتها الداخلية بينما كان يدور البارون ببرج القصر ناحية الجنوب، وتوقفت القاعدة عن الدوران فى تلك اللحظة بعدما هب البارون لاستطلاع صرخات أخته ومن يومها لا تدور القاعدة.
يبتسم أبو سريع.
«كل القصص التى نسجها الناس حول البارون وعائلته كان هدفها إيجاد مبرر لأن يكون القصر مسكونا بالأشباح، فلا يوجد فى بدروم القصر غرفة مسحورة وردية تخص زوجة البارون، لأنه لا يعقل أن يخصص البارون لزوجته غرفة فى البدروم مع الخدم».
تروى الأسطورة الشعبية «أن البارون حرم دخول هذه الغرفة على الجميع حتى على ابنته وأخته البارونة «هيلانة»، وتقع أبواب هذه الغرفة عند مدخل النفق الطويل الممتد لكنيسة البازيليك الواقعة فى آخر شارع العروبة التى دفن بها البارون بعد نقل جثمانه ليدفن فى مصر، حسب ما تركه فى وصيته».
يضيف: «لا أحد يعلم إذا كان هناك نفق ممتد بين القصر وكنيسة البازليك التى بناها البارون عند إنشاء الحى ودفن بها أم لا، وربما نكتشف المزيد من الحقائق عند ترميم القصر».
برج القصر الذى يدور
حكاية أخرى غير حقيقية
أشيع أيضا أن برج القصر يدور مع الشمس كل ساعة وهذا كلام غير صحيح. «برج القصر لا يدور والقصر غير مبنى على قاعدة تدور، وكل هذه أقاويل ليس لها أساس من الصحة، وربما تثبت أعمال الترميم غير ذلك».
وإلى سطح القصر حيث ترى البرج عن قرب، يرفع أبو سريع يده مشيرا: «ها هو خال تماما من أى نوافذ، ولا يوجد سلالم أو مصاعد تستطيع من خلالها الصعود له، والسبيل الوحيد للوصول لقمته هى تلك الأذرع الحديدية البارزة من البرج فى تدرج يمكن تسلقها».
بالنسبة بخبير الآثار يبدو هذا دليلا كافيا على حكاية برج القصر الذى يلف كل ساعة مع اتجاه الشمس، هى من الخيال الشعبى.
«معظم الحكايات الخرافية المنتشرة حول القصر تسبب بها مجموعة الشبان الذين عرفوا بعبدة الشيطان، لأنهم كانوا يتسللون للقصر، ولم يمنعهم أحد، واستمر ترددهم على القصر سنتين قبل القبض عليهم».
ويبتسم عندما يتذكر حارس الأمن الذى جلبه أصحاب القصر من إحدى شركات الأمن. «الله يرحم أيام عم حسن مافيا، كان يروى أنه إذا منع هؤلاء الشباب من الدخول كانوا يتعدون عليه بالضرب، فكان يخشاهم ويتركهم يمرون».
أصبح مافيا الذى تجاوز عمره الخمسين حارسا دائما للقصر، على الرغم من وجود ورديتين واحدة ليلية وأخرى صباحية، بسبب قصص الرعب المنتشرة حول القصر التى جعلت الجميع يخشى العمل على حراسته.
وتابع أبو سريعك «تم الإفراج عن مافيا فى قضية عبدة الشيطان لعدم ثبوت أى أدلة تدينهك وظل حارسا للقصر حتى عام 2002 ويشاع أنه محجوز من يومها فى مستشفى الأمراض العقلية».
كل الدمار الموجود الآن يشير إلى عظمة فنية فريدة
«يطل القصر الذى يميز المنطقة بوجهاته الأربعة على أهم أربع شوارع فى منطقة مصر الجديدة»، كما يلاحظ أبو سريع، «هى شارع العروبة على الطريق الرئيسى المؤدى لمطار القاهرة، وشوارع ابن جبير وابن بطوطة وحسن صادق.
خلف البوابة تبدأ الحديقة الخضراء فى وسط الطريق الرملى المؤدى إلى بوابة القصر. هناك عمال متخصصون لرعاية الحديقة بشكل دورى من وقت زراعتها عام 2005 منذ انتقال القصر لوزارة الإسكان. ومنظر الحديقة يوحى بأن الحياة دبت فى هذا المكان، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الإهمال.
بعد الحديقة تبدأ درجات السلالم الرخامية البيضاء حتى مدخل القصر، حيث قطعة رخام بيضاء كان يقف عليها تمثال لأحد الفرسان الرومان رافعا سيفه، وتحت قدمه رأس مقطوع. التمثال لم يعد يحظى بشرف استقبال الزائرين، بعد أن ألقى به فى بهو القصر مكسورا إلى نصفين.
درجات أخرى ثم تمثال ثان لفارس آخر من العصر نفسه، يتكئ على إحدى يديه ويرفع الأخرى. لا يمكن الاستدلال على شكله أو ما رفع به يده، لأنه مقطوع الرأس والذراع. الجدران ملطخة بالدماء والأسقف متآكلة والأسوار تهشمت أجزاء كبيرة منها.
كل هذا لا يمكن أن يمحو فخامة هذا التصميم. شرفات القصر الخارجية محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، والعاج ينتشر فى الداخل والخارج، والنوافذ ترتفع وتنخفض مع تماثيل هندية وبوذية، بخلاف تماثيل الإله بوذا والتنين الأسطورى.
باب القصر الذى كان مصنوعا من الخشب المعشق بالزجاج لم يعد موجودا اليوم. وعلى جانبى الباب تمثالان لسيدة تقف فى وضع راقصة، كلاهما الآن بدون رأس.
البهو يحتوى على صالتين بسقف عال مزخرف برسومات فنية، وأرضيات من الرخام والمرمر الأصلى التى تم استيرادها من إيطاليا وبلجيكا.
وضم القصر العديد من التحف والتماثيل المصنوعة من الذهب والبلاتين، فضلا عن ساعة أثرية قديمة يقال إنها لا مثيل لها إلا فى قصر باكنجهام الملكى بلندن تشير للوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين، مع إظهار تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة، ولكنها لم تعد موجودة الآن فكل ممتلكات القصر بيعت فى المزاد العلنى فى الفترة بين عامى 1955 و1957.
فى هذا البهو كانت تقام حفلات البارون الأسطورية
أولى الحفلات كانت بمناسبة حفل افتتاح القصر. حضر السلطان حسين كامل حاكم مصر آنذاك، وانبهر بالقصر، وطلب من البارون أن يتنازل له عنه، ورفض إمبان أن يهديه القصر، وقام ببناء قصر آخر له على مقربة، ولكن السلطان رفضه وأهداه لزوجته الأميرة ملك، وهو اليوم تحول إلى مدرسة مصر الجديدة النموذجية بنات. وبعدها رحل البارون عن مصر فترة حتى تهدأ الأوضاع تلافيا لحدوث احتكاك بينه وبين السلطان.
الدرجات الرخامية فى البهو تقود إلى الطابق الأول، وبه غرف النوم، التى يظهر عليها دون الحاجة إلى التدقيق عبث عبدة الشيطان، فالجدران كلها أصبحت ملطخة بالدماء، والكتابات العبثية تملأ المكان الذى كان يوما يعيش به البارون حياة الرغد والرفاهية. يظهر هذا من الفسيفساء الملونة التى زخرفت بها الأرضيات، واستخدامه للسيراميك فى حوائط الحمامات.
يعلق أبو سريع «البارون سبق عصره فى استخدام السيراميك فلم يكن معروفا للناس وقتها، كما أنه استخدم مصعدا خاصا لنقل الطعام فى المطبخ يبدأ من البدروم حيث المطبخ الرئيسى ويصل لجميع الأدوار».
ومن بعد الطابق الخاص بغرف النوم ينتهى السلم الرخامى ويبدأ آخر خشبى معلق تصل عند نهايته إلى سطح القصر. هناك توجد أماكن خصصها البارون للجلوس ليستمتع بمشاهدة القاهرة كلها من أعلى القصر، وزينت جدران السطح برسومات خرافية، فضلا عن وجود المصعد الخشبى الذى يتنقل به بين أدوار القصر ولكنه اليوم أصبح متهالكا بفعل الزمن.
وتدل الكتابات التى تملأ كل سنتيمتر من جدران القصر، على الكم الهائل من المتسللين الذين تجولوا فى كل شبر بالقصر، وكل منهم ترك ذكرى مدونة بالتوقيع والتاريخ خاصة العشاق فتحولت الجدران إلى دفتر لتدوين الذكريات. أجد هذه الرسومات يظهر فيه الصليب المعقوف، العلامة المميزة لهتلر، ونجمة داود اليهودية أيضا.
لا يلتقى أحد داخل القصر بالأشباح، أو بتفسير لأحد الأساطير التى خلقت منه منزلا للرعب فى منطقة مصر الجديدة، وإن كان هذا لا ينفى أن القصر بعد أن أصبح مهجورا يصفر الهواء فى جنباته، يثير الرهبة فى نفس مريديه، ولكنه هادئ على الرغم من قصص الرعب التى نسجها حوله سكان المنطقة.
عشق المليونير البلجيكى إدوارد إمبان مصر منذ أن وطأت قدمه أرضها فى أواخر القرن التاسع عشر وكان إمبان مهندسا معماريا منح لقب بارون من ملك فرنسا تقديرا لمجهوداته فى إنشاء مترو باريس، وطاف بلدان العالم بحثا عن المعمار المميز فى الحضارات القديمة، فذهب إلى المكسيك والبرازيل ومنها إلى أمريكا الجنوبية وأفريقيا ثم الهند التى عشق أساطيرها، ولكنه وجد مراده فى مهد الحضارات مصر، فقرر أن يعيش ويموت ويدفن فى أرضها وهذا ما تركه فى وصيته.
البارون إمبان عشق مصر وقرر أن يعيش ويموت بها
اختار البارون ربوة عالية شرق القاهرة على الطريق الصحراوى، واتخذها مكانا لقصره وكان ذلك عقب الانتهاء من إنشاء حى مصر الجديدة الذى أسسه للطبقة الأرستقراطية والجاليات الأجنبية خاصة البلجيكيين المقيمين بالقاهرة، وأطلق عليه اسم هليوبوليس، وتعنى مدينة الشمس، واشترى البارون الفدان بجنيه واحد فقط من الحكومة، حيث إن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، ولكنه فكر فى إنشاء مترو مصر الجديدة لربط الضاحية الجديدة بالقاهرة حتى يجذب السكان إليها.
أراد البارون أن يكون قصره ذا تصميم فريد، وكان له ما أراد، فتصميم القصر يعطيك طابعا أنه خليط بين فن العمارة الأوروبى والهندى. سوزان الدالى مسئولة آثار شرق القاهرة تحكى عن اختيار طراز البناء الخاص جدا. «ظل إمبان يبحث فترة طويلة حتى وجد ضالته فى أحد المعارض الفنية فى باريس إلى أن وقع اختياره على تصميم قصر لفنان فرنسى هو إلكساندر مارسيل، وقام بشرائه، ونفذه بعض المهندسين الإيطاليين والبلجيك، واستغرق بناؤه ثلاث سنوات، حيث بدأ العمل به عام 1905».
ويضيف أبو سريع أن البارون «بنى القصر على مساحة 125 ألف متر، ولكن حجمه من الداخل صغير جدا فهو لايزيد عن طابقين، لأنه كان يعيش به وحده، فعائلته كانت تعيش فى بلجيكا وكان يذهب كل فترة لزيارتهم». هذا ما أكده له مسئولون من سفارة البلجيك أثناء الاحتفال بمئوية مصر الجديدة الذى أقيم فى القصر.
والمستقبل مازال مجهولا
انتقلت ملكية البارون مؤخرا إلى المجلس الأعلى للآثار بعد فترة طويلة عانى فيها من إهمال ورثته الذين باعوه إلى مالكين أحدهما سعودى وآخر سورى، كما تقول سوزان الدالى، مسئولة آثار شرق القاهرة. «وضع القصر ساء أكثر لأن الورثة لم يسكنوه فأصبح ملجأ لعبدة الشيطان ومأوى للمتسللين».
يضيف أبوسريع، كبير مفتشى آثار مصر الجديدة، أنه «مع غياب الأمن عنه خاصة مع عدم وجود البوابة الحديدية والسور المحيطين به الآن، كان دخوله أسهل ما يكون بسبب قصر السور الحجرى المحيط بالقصر».
وفى الاحتفال بمرور 100 عام على إنشاء الحى تقرر إقامة الحفل فى القصر فقامت وزارة الإسكان بتعويض ورثة الملاك بقطع أراض فى منطقة القاهرة الجديدة مقابل تنازلهم عن القصر، وفى عام 2007 تنازلت عنه وزارة الإسكان لصالح وزارة الثقافة دون مقابل.
وتضيف سوسن الدالى أن «المجلس الأعلى للآثار يدرس حاليا مشروع ترميم القصر بالاشتراك مع السفارتين الهندية والبلجيكية، ويتوقف الأمر على تحديد طبيعة توظيف القصر إلى مزار سياحى أو ناد دولى أو مركز ثقافى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.