جامعة الملك سلمان تعلن مواعيد الكشف الطبي والمقابلات للطلاب الجدد    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الجمعة 22-8-2025    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية للحكومة تتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    وزيرة التنمية المحلية تستعرض تقريرًا حول مشروع التنمية العمرانية بمدينة دهب    إنذار تحسبًا ل تسونامي بعد الزلزال المدمر في «ممر دريك»    روسيا تعتقل عميلين للاستخبارات الأوكرانية وتجري مناورات فى بحر البلطيق    أفضل 4 لاعبين لتحقيق نتائج مميزة في الجولة الثانية بفانتازي الدوري الإنجليزي    محمد الشناوي يعود لتدريبات الأهلي بعد 3 أيام من وفاة والده    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الأفريقي    البكالوريا أم الثانوية العامة.. تفاصيل الاختلافات الكاملة فى المواد والمجموع    الجارديان تحتفي باكتشاف مدينة غارقة عمرها 2000 عام بالإسكندرية    الإسكندرية السينمائي يحتفل بمئوية سعد الدين وهبة ويكرم نخبة من أدباء وشعراء مدينة الثغر    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    ما الواجب على من فاته أداء الصلاة مدة طويلة؟.. الإفتاء توضح    للرزق وتيسير الأمور.. دعاء يوم الجمعة مستجاب (ردده الآن)    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بدون عذر في ماليزيا.. وأحمد كريمة يوضح الحكم الشرعي    حملة «100 يوم صحة» تقدم 57 مليونًا و690 ألف خدمة طبية مجانية (أحدث إحصاء)    إجراء 101 عملية أنف وأذن و124 مقياس سمع بمستشفى العريش العام    نجم الأهلي السابق يرشح هذا النادي كمنافس أول للدوري.. ليس الزمالك أو بيراميدز    مرموش: ريس جيمس أصعب خصم واجهته في الدوري الإنجليزي    سكرتير عام "الصحفيين": بلاغ "النقل" ضد "فيتو" تهديد لحرية الصحافة    ضبط مصنع لتعبئة الأرز مخالف للمواصفات القانونية بالمنطقة الصناعية ببنى غالب فى أسيوط    طقس اليوم الجمعة.. تحذيرات من رياح وأمطار وارتفاع للحرارة بعد ساعات    الأمن أولًا.. إدارة ترامب تعتزم مراجعة شاملة لتأشيرات 55 مليون أجنبي    ترامب يختبر القوة الفيدرالية في واشنطن ويمهّد لتوسيع قبضته على مدن يديرها الديمقراطيون    نزوح بلا أفق.. 796 ألف فلسطيني يفرون من الموت في غزة تحت نيران الاحتلال    تقارير تكشف: نتنياهو يقرر فجأة البدء الفوري في مفاوضات إنهاء الحرب على غزة    إيران: عراقجي سيجري محادثات هاتفية مع نظرائه من الترويكا الأوروبية لبحث الملف النووي    محافظ الجيزة: خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    نائب وزير الإسكان يترأس اجتماع لجنة إعداد مُقترح لائحة قانون تنظيم المرفق"    قمة ألاسكا.. سلام «ضبابي»| ترامب وبوتين «مصافحة أمام الكاميرات ومعركة خلف الأبواب»    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 22 أغسطس 2025    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    النصر يستعيد نجمه قبل نهائي السوبر    الإيجار القديم.. محمود فوزي: تسوية أوضاع الفئات الأولى بالرعاية قبل تحرير العلاقة الإيجارية    مقتل شاب في الأقصر إثر مشاجرة بسبب المخدرات    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    بعد أزمة قبلة راغب علامة.. عاصي الحلاني يدخل على الخط (فيديو)    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل زوجين في «مجزرة سرابيوم» بالإسماعيلية    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    اليوم انطلاق مباريات دوري المحترفين بإقامة 3 مباريات    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    ليلة استثنائية في مهرجان القلعة.. علي الحجار يُغني المشاعر وهاني حسن يُبدع بالسيمفوني| صور    تعرف على العروض الأجنبية المشاركة في الدورة ال32 لمهرجان المسرح التجريبي    محمد رمضان ينشر فيديو استقباله في بيروت: "زي ما فرحتوني هدلعكم"    فطور خفيف ومغذ لصغارك، طريقة عمل البان كيك    «هتسد شهيتك وتحرق دهونك».. 4 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسان والكمبيوتر والعلاقة التكاملية
نشر في صوت البلد يوم 18 - 03 - 2018

شكّل المؤتمر الدولي حول « الأدب الإلكتروني العربي: رؤية جديدة وآفاق عالمية»، الذي نظمته منظمة الأدب الإلكتروني العالمي، وجامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي، في الفترة الممتدة من 25 إلى 27 مارس/آذار 2018 فرصة ثقافية للاقتراب من علاقة العلوم الإنسانية بالتكنولوجيا، من مدخل «الأدب الإلكتروني»، وذلك من خلال تجارب جد متطورة من حيث فلسفة الكمبيوتر في حياة الإنسان وفكره، ومدى استثمار هذه الفلسفة في تطوير تفكير الإنسان وإبداعه وكتاباته ورؤيته، ومن ثمة القدرة على توثيق رؤية الحاضر في المستقبل.
وإذا اعتمدت المحاضرات على عرض أعمال منتجيها وفق برامج معلوماتية أكثر تطورا، فإن محاضرة الناقدة العالمية كاترين هايلس، قاربت أسئلة جوهرية في ما يخص علاقة الكمبيوتر بالإنسان، وكيف يمكن التفكير في هذه العلاقة وفق رؤية إيجابية، تخدم من جهة المُستخدِم للكمبيوتر، ومن جهة ثانية تُدعم الكمبيوتر الذي بتطوير التعامل معه/ به تتطور حياة الإنسان.
انطلقت الناقدة كاترين هايلس من طرح أسئلة حول قضايا جوهرية: كيف يتحول الفكر بسبب الكمبيوتر؟ كيف نخلق شبكة الفكر باستخدام الكمبيوتر؟ وكيف في إمكان الكمبيوتر أن يستعمل الفكر؟ لذلك فإن أحد الأسئلة التي حاولت الناقدة الرقمية العالمية كاترين هايلس الإجابة عليه، تتمثل في: هل بإمكان الكمبيوتر أن يرى العالم بكامله؟ وإن كان ذلك ممكنا، فما هو مفهوم الكمبيوتر للعالم؟
قد تبدو هذه الأسئلة مُستفزة للفكر الذي ما يزال يرفض واقع الكمبيوتر والتكنولوجيا في حياة الإنسان، كما قد تُواجه هذه الأسئلة برفضٍ قاطعٍ، بحكم أن التفكير في الكمبيوتر بمنطق الفكر الإنساني يُخل بجوهر الإنسان، ويحوله إلى موضوعٍ تكنولوجي. غير أن مجرد طرح مثل هذا النوع من الأسئلة يُعتبر مدخلا ثقافيا لتفكيك حالة القلق التي تُرافق علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، خاصة من وجهة نظر الناقدة كاترين التي تعتبر الموضوع في حاجة إلى التعامل معه بعدلٍ، وأن الإنسان هو الرأس والكمبيوتر هو العامل، وبالتالي، فإن هناك حاجة وظيفية وتفاعلية وخدماتية بين مكوني هذه العلاقة، التي تُصبح متساوية بين الإنسان والكمبيوتر، كلاهما يساعد الآخر. تسمح هذه العلاقة المتساوية بإنتاج كثير من الفائدة حسب الناقدة الرقمية، غير أن الخلل المفاجئ في تصريف هذه العلاقة، قد يُدمر الإنسان، بسبب العلاقة مع الكمبيوتر، لذا، فإن المشكل ليس في التعامل مع الكمبيوتر، وجعله مُساعدا للإنسان، وتحويل فضائه إلى منصة لإنتاج المعنى، إنما المشكل، بل الخطورة تكمن في طبيعة العلاقة مع الكمبيوتر وكيفية استخدامه.
إن مواجهة هذه العلاقة بصياغة الأسئلة وتحليلها، واقتراح مقاربات من شأنه أن يُساهم في تفعيل العلاقة بعيدا عن حالة الرعب والقلق والرفض. وعليه، فإن تفكيك العلاقة بين الإنسان والكمبيوتر من خلال طرح أسئلة حول موقع كل واحد في هذه العلاقة، وأثر كل واحد في الآخر بموجب الحاجة إلى بعضهما، شكّل محور محاضرة كاترين هايلس، التي اقترحت مقاربة أسئلة العلاقة باعتماد الفكر الذي يعتبر طريقة في تفسير المعلومات في موضوع معين، للوصول إلى المعنى. إنها طريقة يتم اعتمادها لكي نتفهم الوضع في الحياة، أو في الإعلام.
كيف إذن يمكن إنتاج شبكة الفكر باستخدام الكمبيوتر، من أجل تحقيق المعنى. لهذا، فإن من بين الأسئلة التي حاولت الإجابة عليها هي: هل بإمكان الكمبيوتر أن يرى العالم بكامله؟ وإن كان ذلك ممكنا، فما هو مفهوم الكمبيوتر للعالم؟ من أجل الوعي بهذا التصور، تُعطي الناقدة الرقمية مثال البكتيريا التي لها في الوقت ذاته منافع وأضرار في حياة الإنسان، وبالتالي، تُصبح طبيعة العلاقة هي التي تحدد البُعد الوظيفي للكمبيوتر في حياة الإنسان. أما عن الرعب الذي يخشاه الإنسان من الكمبيوتر والتكنولوجيا فإنه ناتج عن الأفلام التي تُربك هذه العلاقة وتجعلها مبنية على الرعب والقلق. لذا، فإن الناقدة عبّرت في إجابتها عن سؤال الرعب من التكنولوجيا، أو ما أصبح يُعرف ب«فوبيا التكنولوجيا» بأنها لا تخشى الكمبيوتر، بل إن الكمبيوتر سيساعد في تطوير الإنسان الذي سيظل هو المتحكم بالتكنولوجيا.
إن تبادل التفكير حول علاقة الإنسان بالكمبيوتر، وأهمية هذه العلاقة الوظيفية والخدماتية، وإكراهات العلاقة وتحدياتها، عبر تجارب عالمية بحضور نماذج عربية، يسمح بإعادة ترتيب العلاقة مع التكنولوجيا بشكل عام. وعليه، فإن واقع التكنولوجيا في حياة المجتمعات بات يفرض وعيا علميا وفلسفيا مسؤولا، بعيدا عن خطاب الانطباع ورد الفعل والرفض، بجعله موضوعا بحثيا علميا داخل الجامعات ومراكز البحث العلمي.
إن إدخال علاقة التكنولوجيا بالعلوم الإنسانية إلى الدرس الجامعي، والبحث العلمي، ومختبرات التفكير العلمي، من شأنه أن يُغير ليس فقط النظرة إلى هذه العلاقة، إنما التغيير يشمل بالتوازي منظومة التعليم، ومنهجية التدريس، وطريقة التكوين. تقطع هذه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا والمجتمع مع القطيعة الموجودة بين العلوم الإنسانية والعلوم التكنولوجية في الدرس الجامعي والبحث العلمي في التجربة العربية. وهو وضعٌ يجعل مسافة بين المتخصصين في العلوم الإنسانية والمتخصصين في حقل التكنولوجيا، وكأن كل تخصص يشتغل بفضاء غريب عن فضاء الآخر. تسمح العلاقة بالتكنولوجيا بإقامة جسر تواصلي وتفاعلي ووظيفي بين كل التخصصات التي تتلاقى في منطقة هذه العلاقة، لتبحث وتفكر في تطور فكر الإنسان وحياته وإنتاجاته وإبداعاته وكتابته بدعم من التكنولوجيا.
إن المدخل الموضوعي لتفكيك هذه العلاقة، والسماح للفكر بالاشتغال بعقلانية تتماشى وواقع التكنولوجيا في الحياة اليومية، يتمثل في تأسيس مختبرات علمية داخل الجامعات، تلتقي فيها التخصصات: التواصل وعلم الاجتماع واللسانيات والفلسفة والتصميم والبرامج المعلوماتية والفيزياء وهندسة الصوت والأدب والتاريخ، وتجعل المتخصص في الفيزياء يجلس بجانب المشتغل بالفلسفة، ومصمم البرامج يعمل مع اللساني وغير ذلك. فلم يعد ممكنا العمل بمنطق الجزر في البحث العلمي، كما لم يعد مقبولا ترك كليات العلوم الإنسانية بعيدة عن الفكر التكنولوجي، كما أن الزمن التكنولوجي المهيمن لم يعد يسمح بإهانة البحث العلمي من خلال إفراغه من كل جدوى وظيفية.
فالمختبرات العلمية هي فضاء للتفكير العلمي في قضايا شائكة، واقتراح إمكانيات من أجل الفهم، وتطوير الوعي بشكل عقلاني. أما عندما تظل المختبرات مجرد رقمٍ في لائحة منجزات شكلية، وعبارة عن لقاءات يتيمة حول مواضيع مستهلكة في محتواها وأسئلتها وطريقة التفكير فيها، فإن ذلك يكشف بصورة واضحة عن وضعية البحث العلمي الذي ما يزال يشتغل بمنظور تقليدي.
في حوار ثنائي جمعني في مؤتمر «الأدب الإلكتروني: رؤية جديدة وآفاق عالمية» بالباحث والكاتب الفرنسي المتخصص في الدراسات الرقمية فيليب بوتز في جامعة السوربون 8، صرّح بأنه بدأ في البحث في الدراسات الرقمية منذ السبعينيات من القرن العشرين، ولم يكن سنه يتجاوز العشرينيات، ولهذا عندما قدم عملا إلكترونيا متطورا في المؤتمر، فإن ذلك العمل عكس مسار بحث علمي طويل، انخرط فيه البحث العلمي الفرنسي في قضايا التكنولوجيا . فأعمالنا تُعبر عن درجة انتمائنا إلى ثقافة البحث العلمي. وعليه، نطرح أسئلة نقترح تطوير النقاش حولها: أين يكمن خلل البحث العلمي في التجارب العربية؟ لماذا يتعثر انخراط البحث العلمي في القضايا الجديدة؟ كيف يمكن التفكير في جيلٍ يفكر ويُدرك بمنطق الزمن الذي يعيش فيه، وتكوينه يتم خارج منطق ومستلزمات هذا الزمن؟ كيف يمكن تحقيق المعنى في مواضيع عديدة، إذا لم نطرح التكنولوجيا باعتبارها منصة لإنتاج وعي جديد بالإنسان وحياته وعلاقته بالزمن والمكان؟ ما معنى الانتماء إلى البحث العلمي إذا لم تنتقل الجامعة إلى ملتقى التخصصات؟ تلك تساؤلات تسعى للتفكير في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا من خلال بوابة البحث العلمي.
.....
٭ روائية وناقدة مغربية
شكّل المؤتمر الدولي حول « الأدب الإلكتروني العربي: رؤية جديدة وآفاق عالمية»، الذي نظمته منظمة الأدب الإلكتروني العالمي، وجامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي، في الفترة الممتدة من 25 إلى 27 مارس/آذار 2018 فرصة ثقافية للاقتراب من علاقة العلوم الإنسانية بالتكنولوجيا، من مدخل «الأدب الإلكتروني»، وذلك من خلال تجارب جد متطورة من حيث فلسفة الكمبيوتر في حياة الإنسان وفكره، ومدى استثمار هذه الفلسفة في تطوير تفكير الإنسان وإبداعه وكتاباته ورؤيته، ومن ثمة القدرة على توثيق رؤية الحاضر في المستقبل.
وإذا اعتمدت المحاضرات على عرض أعمال منتجيها وفق برامج معلوماتية أكثر تطورا، فإن محاضرة الناقدة العالمية كاترين هايلس، قاربت أسئلة جوهرية في ما يخص علاقة الكمبيوتر بالإنسان، وكيف يمكن التفكير في هذه العلاقة وفق رؤية إيجابية، تخدم من جهة المُستخدِم للكمبيوتر، ومن جهة ثانية تُدعم الكمبيوتر الذي بتطوير التعامل معه/ به تتطور حياة الإنسان.
انطلقت الناقدة كاترين هايلس من طرح أسئلة حول قضايا جوهرية: كيف يتحول الفكر بسبب الكمبيوتر؟ كيف نخلق شبكة الفكر باستخدام الكمبيوتر؟ وكيف في إمكان الكمبيوتر أن يستعمل الفكر؟ لذلك فإن أحد الأسئلة التي حاولت الناقدة الرقمية العالمية كاترين هايلس الإجابة عليه، تتمثل في: هل بإمكان الكمبيوتر أن يرى العالم بكامله؟ وإن كان ذلك ممكنا، فما هو مفهوم الكمبيوتر للعالم؟
قد تبدو هذه الأسئلة مُستفزة للفكر الذي ما يزال يرفض واقع الكمبيوتر والتكنولوجيا في حياة الإنسان، كما قد تُواجه هذه الأسئلة برفضٍ قاطعٍ، بحكم أن التفكير في الكمبيوتر بمنطق الفكر الإنساني يُخل بجوهر الإنسان، ويحوله إلى موضوعٍ تكنولوجي. غير أن مجرد طرح مثل هذا النوع من الأسئلة يُعتبر مدخلا ثقافيا لتفكيك حالة القلق التي تُرافق علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، خاصة من وجهة نظر الناقدة كاترين التي تعتبر الموضوع في حاجة إلى التعامل معه بعدلٍ، وأن الإنسان هو الرأس والكمبيوتر هو العامل، وبالتالي، فإن هناك حاجة وظيفية وتفاعلية وخدماتية بين مكوني هذه العلاقة، التي تُصبح متساوية بين الإنسان والكمبيوتر، كلاهما يساعد الآخر. تسمح هذه العلاقة المتساوية بإنتاج كثير من الفائدة حسب الناقدة الرقمية، غير أن الخلل المفاجئ في تصريف هذه العلاقة، قد يُدمر الإنسان، بسبب العلاقة مع الكمبيوتر، لذا، فإن المشكل ليس في التعامل مع الكمبيوتر، وجعله مُساعدا للإنسان، وتحويل فضائه إلى منصة لإنتاج المعنى، إنما المشكل، بل الخطورة تكمن في طبيعة العلاقة مع الكمبيوتر وكيفية استخدامه.
إن مواجهة هذه العلاقة بصياغة الأسئلة وتحليلها، واقتراح مقاربات من شأنه أن يُساهم في تفعيل العلاقة بعيدا عن حالة الرعب والقلق والرفض. وعليه، فإن تفكيك العلاقة بين الإنسان والكمبيوتر من خلال طرح أسئلة حول موقع كل واحد في هذه العلاقة، وأثر كل واحد في الآخر بموجب الحاجة إلى بعضهما، شكّل محور محاضرة كاترين هايلس، التي اقترحت مقاربة أسئلة العلاقة باعتماد الفكر الذي يعتبر طريقة في تفسير المعلومات في موضوع معين، للوصول إلى المعنى. إنها طريقة يتم اعتمادها لكي نتفهم الوضع في الحياة، أو في الإعلام.
كيف إذن يمكن إنتاج شبكة الفكر باستخدام الكمبيوتر، من أجل تحقيق المعنى. لهذا، فإن من بين الأسئلة التي حاولت الإجابة عليها هي: هل بإمكان الكمبيوتر أن يرى العالم بكامله؟ وإن كان ذلك ممكنا، فما هو مفهوم الكمبيوتر للعالم؟ من أجل الوعي بهذا التصور، تُعطي الناقدة الرقمية مثال البكتيريا التي لها في الوقت ذاته منافع وأضرار في حياة الإنسان، وبالتالي، تُصبح طبيعة العلاقة هي التي تحدد البُعد الوظيفي للكمبيوتر في حياة الإنسان. أما عن الرعب الذي يخشاه الإنسان من الكمبيوتر والتكنولوجيا فإنه ناتج عن الأفلام التي تُربك هذه العلاقة وتجعلها مبنية على الرعب والقلق. لذا، فإن الناقدة عبّرت في إجابتها عن سؤال الرعب من التكنولوجيا، أو ما أصبح يُعرف ب«فوبيا التكنولوجيا» بأنها لا تخشى الكمبيوتر، بل إن الكمبيوتر سيساعد في تطوير الإنسان الذي سيظل هو المتحكم بالتكنولوجيا.
إن تبادل التفكير حول علاقة الإنسان بالكمبيوتر، وأهمية هذه العلاقة الوظيفية والخدماتية، وإكراهات العلاقة وتحدياتها، عبر تجارب عالمية بحضور نماذج عربية، يسمح بإعادة ترتيب العلاقة مع التكنولوجيا بشكل عام. وعليه، فإن واقع التكنولوجيا في حياة المجتمعات بات يفرض وعيا علميا وفلسفيا مسؤولا، بعيدا عن خطاب الانطباع ورد الفعل والرفض، بجعله موضوعا بحثيا علميا داخل الجامعات ومراكز البحث العلمي.
إن إدخال علاقة التكنولوجيا بالعلوم الإنسانية إلى الدرس الجامعي، والبحث العلمي، ومختبرات التفكير العلمي، من شأنه أن يُغير ليس فقط النظرة إلى هذه العلاقة، إنما التغيير يشمل بالتوازي منظومة التعليم، ومنهجية التدريس، وطريقة التكوين. تقطع هذه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا والمجتمع مع القطيعة الموجودة بين العلوم الإنسانية والعلوم التكنولوجية في الدرس الجامعي والبحث العلمي في التجربة العربية. وهو وضعٌ يجعل مسافة بين المتخصصين في العلوم الإنسانية والمتخصصين في حقل التكنولوجيا، وكأن كل تخصص يشتغل بفضاء غريب عن فضاء الآخر. تسمح العلاقة بالتكنولوجيا بإقامة جسر تواصلي وتفاعلي ووظيفي بين كل التخصصات التي تتلاقى في منطقة هذه العلاقة، لتبحث وتفكر في تطور فكر الإنسان وحياته وإنتاجاته وإبداعاته وكتابته بدعم من التكنولوجيا.
إن المدخل الموضوعي لتفكيك هذه العلاقة، والسماح للفكر بالاشتغال بعقلانية تتماشى وواقع التكنولوجيا في الحياة اليومية، يتمثل في تأسيس مختبرات علمية داخل الجامعات، تلتقي فيها التخصصات: التواصل وعلم الاجتماع واللسانيات والفلسفة والتصميم والبرامج المعلوماتية والفيزياء وهندسة الصوت والأدب والتاريخ، وتجعل المتخصص في الفيزياء يجلس بجانب المشتغل بالفلسفة، ومصمم البرامج يعمل مع اللساني وغير ذلك. فلم يعد ممكنا العمل بمنطق الجزر في البحث العلمي، كما لم يعد مقبولا ترك كليات العلوم الإنسانية بعيدة عن الفكر التكنولوجي، كما أن الزمن التكنولوجي المهيمن لم يعد يسمح بإهانة البحث العلمي من خلال إفراغه من كل جدوى وظيفية.
فالمختبرات العلمية هي فضاء للتفكير العلمي في قضايا شائكة، واقتراح إمكانيات من أجل الفهم، وتطوير الوعي بشكل عقلاني. أما عندما تظل المختبرات مجرد رقمٍ في لائحة منجزات شكلية، وعبارة عن لقاءات يتيمة حول مواضيع مستهلكة في محتواها وأسئلتها وطريقة التفكير فيها، فإن ذلك يكشف بصورة واضحة عن وضعية البحث العلمي الذي ما يزال يشتغل بمنظور تقليدي.
في حوار ثنائي جمعني في مؤتمر «الأدب الإلكتروني: رؤية جديدة وآفاق عالمية» بالباحث والكاتب الفرنسي المتخصص في الدراسات الرقمية فيليب بوتز في جامعة السوربون 8، صرّح بأنه بدأ في البحث في الدراسات الرقمية منذ السبعينيات من القرن العشرين، ولم يكن سنه يتجاوز العشرينيات، ولهذا عندما قدم عملا إلكترونيا متطورا في المؤتمر، فإن ذلك العمل عكس مسار بحث علمي طويل، انخرط فيه البحث العلمي الفرنسي في قضايا التكنولوجيا . فأعمالنا تُعبر عن درجة انتمائنا إلى ثقافة البحث العلمي. وعليه، نطرح أسئلة نقترح تطوير النقاش حولها: أين يكمن خلل البحث العلمي في التجارب العربية؟ لماذا يتعثر انخراط البحث العلمي في القضايا الجديدة؟ كيف يمكن التفكير في جيلٍ يفكر ويُدرك بمنطق الزمن الذي يعيش فيه، وتكوينه يتم خارج منطق ومستلزمات هذا الزمن؟ كيف يمكن تحقيق المعنى في مواضيع عديدة، إذا لم نطرح التكنولوجيا باعتبارها منصة لإنتاج وعي جديد بالإنسان وحياته وعلاقته بالزمن والمكان؟ ما معنى الانتماء إلى البحث العلمي إذا لم تنتقل الجامعة إلى ملتقى التخصصات؟ تلك تساؤلات تسعى للتفكير في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا من خلال بوابة البحث العلمي.
.....
٭ روائية وناقدة مغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.