عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس 2025 بالصاغة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    من جلسات التدليك لمنتجعه الخاص، جيسلين ماكسويل تكشف تفاصيل مثيرة عن علاقتها بإبستين وترامب    مباراة النصر ضد الأهلي مباشر في السوبر السعودي 2025.. الموعد والقنوات والتردد    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    «عايز أشكره».. آسر ياسين يصعد على المسرح خلال حفل ويجز بمهرجان العلمين.. ما القصة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    تفاصيل قطع المياه لمدة 6 ساعات في المنطقة المحصورة بين الهرم وفيصل بالجيزة    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. حسام حبيب ينفى عودته لشيرين.. 3 أفلام جديدة تقتحم شاشات السينما المصرية تباعا حتى أكتوبر.. إيرادات فيلم درويش تتجاوز ال20 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    "حضورك راقي" 11 صورة لزوجة محمد عواد والجمهور يعلق    رئيس أركان الجيش الهندي يزور الجزائر الأسبوع المقبل    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحية " الشمع" وفن ادعاء الحرفة
نشر في صوت البلد يوم 18 - 12 - 2017

في إطار افتتاح مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته 19 تم تقديم عرض "الشمع" للمخرج جعفر الڨاسمي في قاعة "الريو" بالعاصمة، هذا العرض أثار عندي بعض الأسئلة ولاسيما التي تتعلق بالمرجعيات والخلفيات التي دفعت المخرج للإقدام على هذا المشروع وعن مدى راهينيته والاستعجالية التي تحركه.
أن تقدم عملا مسرحيا ويأتي إليك الجمهور ويصفق مشجعا عملك لا يؤدي ذلك بالضرورة للإقرار بأنك صاحب رؤية جمالية منسجمة المفاهيم، فما يحرك الجمهور نحو العرض ليس بالضرورة الأفكار والتصورات، فالجمهور يتلقى العرض بأحاسيس وشحنات وأحكام بعضها حيني وبعضها الآخر مسبق، وحتى وإن حضي العرض بالإعجاب فإننا نتوجه مع المخرج للبحث في فكر العرض وأرضيات إنشائه. فأن تقوم بتجميع مفردات ومكونات العرض المسرحي من ممثل ونص وإضاءة وأزياء وموسيقى ...وغيرها حول موضوع أو فكرة أو لسرد حكاية ما بشكل ذوقي أو عفوي أو تلبية لرغبات حسية أو بدوافع "إستشباحية" لا يعني ذلك أنك تتقن الإخراج، فهذه القناعات ربما تتعارض مع فكرة الإخراج وتنحرف عن جوهرها المحكوم بضوابط وقواعد غاية في الصرامة و"العلمية"، وأكثر من ذلك فالإخراج وباعتباره خلقا لعالم "سحري" فوق الركح يتجاوز تعريفاته التقنية ليصبح فعل مغامرة لاجتياز الحدود والحواجز التي تحول بين المبدع والأثر الفني.
تكرار
لا جديد في عرض "الشمع" سوى إعادة ما تم تقديمه في عروض سابقة تكرار لما سبق تكرار وتكرار وتكرار في روح جافة مسطحة فما معنى أن يكرر المخرج نفسه ويعيدها بنفس الشكل ؟ فالتكرار في النهاية ليس إلا تمثل لذلك الجدار العازل الذي يفصل بين المبدع وفعل الإبداع، التكرار من حيث هو إعادة لشئ ولمادة ما، من حيث هو نسخ لمقترحات جمالية وصور فنية قديمة، ففي مسرحية "الشمع" ينبش المخرج نفس المكان ونفس المقترحات الفنية التي مثلت جسدا لأغلب أعماله وهو ما يحيل على ضيق أفق وتصورات هذا الفاعل المسرحي وعلى مدى إنغلاق دائرة تفكيره ومخياله وحسه تجاه الفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة، فالفن خاضع لمبدأ التحول والتغير واللافن يخضع لمبدأي الثبات والجمود.
وما مسرحية شمع إلا ترجمة لتلك الرغبة الجامحة في رفض التجديد ورفض المغامرة بالقديم ودحضه والاقتناع بالثبوت وحده ولا شيء غير الثابت والنظر إليه من نفس دائرة التفكير والتصور، فإعادة وتكرار نفس الأدوات والأساليب الفنية والجمالية والإصرار على المحافظة عليها رغم تطور الزمن ورغم التحولات الإجتماعية والسياسية التي تقع خارجا هو دليل "تكلس" وعجز وهو يدل في عمقه على غياب لأرضية الجدل مع الواقع ومع ما يقع فيه من متغيرات، إن ما قلناه يحلينا بطريقة ما على أن التحفير في نفس الدائرة لا يعنى التحفير بنفس الأدوات الأولى فالإنتهاء إلى نتائج جديدة قد يفترض السير في نفس المسار لكن لا يوجب التمسك بنفس التقنيات والوسائل والأدوات، فتغيير المنطلقات والأرضيات في كل مرة قد يتيح للمبدع الوصول إلى نتائج مختلف، أما أن نكتشف بأننا في ذات المكان رغم تقدم الزمن فإن عيبا فينا من الضروري الإقرار به وإلا فإننا سنسقط في محاولة بائسة وفاشلة هدفها مراوغة الجمهور ومخادعته فقد تنجح في ذلك برهة ولكن لن يستمر ذلك دائما.
بهذا المعني يمكننا القول إن عرض "الشمع" لا يطرح في عمقه أي بحث جمالي أو تقني جديد يكسر مع القديم و لا يتيح لقارئه إنفتاحات وانزياحات تمكن من إنفتاح المعنى وإنفجاره على أفاق غير معلومة في المعنى وفي الأفكار وإنما هو مجموعة من الأدوات والأساليب والتقنيات الجمالية الجاهزة مسبقا غرضها صنع المبهر في الفرجة، فالإبهار في المسرح لا يعنى اشتغالا على الصورة في المسرح بما هي إبداع وابتكار لشبكات علاماتية مفادها تحفيز حس المتفرج ووعيه والارتقاء بذوقه وإلا فان هذه التقنيات تتحول إلى عبئ وعنف واستغفال للجمهور وتزييف لوعييه وحسه .
يطرح علينا الإبهار بما هو الشكل الخارجي للعرض سؤالا مهما: هل مهمة المسرح هي إبهار الجمهور؟ وإن كان إبهارا بماذا نبهر هذا الجمهور؟ ينبهر الجمهور بممثل قدم أداءً مفعما بالطاقة الخلاقة المنجزة للشخصية والحاملة لخطاب العرض، فالجمهور في المسرح ليس الجمهور في السيرك وليس الجمهور في قاعات الرياضة أو غيرها من الفضاءات ففي المسرح الجمهور يوضع أمام الأثر مفتوحا على القراءات التي تتجه نحو الذات والمجتمع تحاول تفسيره وتقريب معادلاته، إنها إبحار نحو معلوم من خلال مجهول وإبحار من خلال غموض نحو مكشوف وهي قيمة المسرح التي تحاول ترسانة التوحش الإعلامي أن تلغيه.
مسرحية "الشمع" هي نموذج وترجمة "للمسرح الغني" بالعيوب والفقير من روح العضوية، عضوية الجسد الاجتماعي والثقافي، فالعرض يضع نفسه أمام إشكال أساسي مثل عقبة رئيسية في بنيته وتركيبته وهو عدم قيامه على مشروع جمالي واضح بمعنى أنه غير مؤسس وفقا لمفهوم فكري / فلسفي / علمي تبنى عليه مختلف عناصر العرض الفني (النص، السينوغرافيا، الأداء...) هذا الإشكال أسهم في تعطيل الميكانيزمات الداخلية للعرض وأظهر لنا عدم ترابط وتناسق بين مفرداته، فلا توجد مثلا أي علاقة عضوية بين الموسيقي والحدث الركحي وبين النص السينوغرافيا وبين المؤثرات والمعنى.
الموروث
في المستوي الإخراجي تم العمل في مسرحية "الشمع" على عناصر قديمة من الموروث "البريشتي" من أجل أن يقنعنا بأن العرض ينتمي وينتسب لحقل فكري وإيديولوجي وجمالي معين، وما التنصيص على استعمالها والعمل بها بتلك الطريقة إلا تأكيد على عدم فهم معمق ل "البريشتية" بما هي جمالية تشتغل على مفاهيم وأسس واضحة المعالم فالمسرح الذي أعلنه "بريشت" قيمه خالدة أما تقنياته فهي متجددة وحتى لو عاد "بريشت" اليوم لما أعاد وسائله التي أنجزها في القرن الماضي. فاستعادة "بريشت" بهكذا طريقة إنما يؤكد على فهم لسطوح "البريشتية" وقشورها فتقنيات التغريب متجددة ونابعة من جدة العرض ومن قيمه الجمالية الجديدة وليست تكرارا لتقنيات ولدت في عهود سابقة ولهذا وجب التيقظ حتى لا نقع في الرجعية الفكرية فالمسرح استشرافي وفن يأتي من المستقبل لا من الماضي .
من زاوية أخرى من المهم الإشارة إلى كون العرض الفني وفي لحظة اكتماله يعلن وفقا للمفاهيم التي قام عليها أنه جسد متناسق ومتناغم الأجزاء يستحيل الإضافة إليه أو التخلي عن جزء منه وربما يعد اكتماله كجسد "حي" مقياسا للفنية والإبداعية فيه ومن هذا المنطلق يمكننا القول أن الاستغناء عن أجزاء ومشاهد من مسرحية "الشمع" لا ينقص من العرض شيئا كما أن زيادة أي عنصر للمسرحية لا يفسد لجوهر المقترح شيئا وهو أمر يضعف من قوة الأثر ويهلك جوهره وينزع عنه أية روح إبداعية.
يعد هذا النوع من العروض المسرحية تنفيسا يفرج فيه أصحابه عن بعض الإستشباحات والتوهمات بفعل النبيل والرائع داخل الممارسة السائدة وهو في الحقيقة ليس إلا كشفا لعدم نضج الفكرة الجمالية التي يستوجب بناؤها حذرا شديدا لا استبساطا واستسهالا والفكر عدوه الاستسهال وغياب الجدل .
........
باحث ماجيستير في العلوم الثقافية بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس
في إطار افتتاح مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته 19 تم تقديم عرض "الشمع" للمخرج جعفر الڨاسمي في قاعة "الريو" بالعاصمة، هذا العرض أثار عندي بعض الأسئلة ولاسيما التي تتعلق بالمرجعيات والخلفيات التي دفعت المخرج للإقدام على هذا المشروع وعن مدى راهينيته والاستعجالية التي تحركه.
أن تقدم عملا مسرحيا ويأتي إليك الجمهور ويصفق مشجعا عملك لا يؤدي ذلك بالضرورة للإقرار بأنك صاحب رؤية جمالية منسجمة المفاهيم، فما يحرك الجمهور نحو العرض ليس بالضرورة الأفكار والتصورات، فالجمهور يتلقى العرض بأحاسيس وشحنات وأحكام بعضها حيني وبعضها الآخر مسبق، وحتى وإن حضي العرض بالإعجاب فإننا نتوجه مع المخرج للبحث في فكر العرض وأرضيات إنشائه. فأن تقوم بتجميع مفردات ومكونات العرض المسرحي من ممثل ونص وإضاءة وأزياء وموسيقى ...وغيرها حول موضوع أو فكرة أو لسرد حكاية ما بشكل ذوقي أو عفوي أو تلبية لرغبات حسية أو بدوافع "إستشباحية" لا يعني ذلك أنك تتقن الإخراج، فهذه القناعات ربما تتعارض مع فكرة الإخراج وتنحرف عن جوهرها المحكوم بضوابط وقواعد غاية في الصرامة و"العلمية"، وأكثر من ذلك فالإخراج وباعتباره خلقا لعالم "سحري" فوق الركح يتجاوز تعريفاته التقنية ليصبح فعل مغامرة لاجتياز الحدود والحواجز التي تحول بين المبدع والأثر الفني.
تكرار
لا جديد في عرض "الشمع" سوى إعادة ما تم تقديمه في عروض سابقة تكرار لما سبق تكرار وتكرار وتكرار في روح جافة مسطحة فما معنى أن يكرر المخرج نفسه ويعيدها بنفس الشكل ؟ فالتكرار في النهاية ليس إلا تمثل لذلك الجدار العازل الذي يفصل بين المبدع وفعل الإبداع، التكرار من حيث هو إعادة لشئ ولمادة ما، من حيث هو نسخ لمقترحات جمالية وصور فنية قديمة، ففي مسرحية "الشمع" ينبش المخرج نفس المكان ونفس المقترحات الفنية التي مثلت جسدا لأغلب أعماله وهو ما يحيل على ضيق أفق وتصورات هذا الفاعل المسرحي وعلى مدى إنغلاق دائرة تفكيره ومخياله وحسه تجاه الفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة، فالفن خاضع لمبدأ التحول والتغير واللافن يخضع لمبدأي الثبات والجمود.
وما مسرحية شمع إلا ترجمة لتلك الرغبة الجامحة في رفض التجديد ورفض المغامرة بالقديم ودحضه والاقتناع بالثبوت وحده ولا شيء غير الثابت والنظر إليه من نفس دائرة التفكير والتصور، فإعادة وتكرار نفس الأدوات والأساليب الفنية والجمالية والإصرار على المحافظة عليها رغم تطور الزمن ورغم التحولات الإجتماعية والسياسية التي تقع خارجا هو دليل "تكلس" وعجز وهو يدل في عمقه على غياب لأرضية الجدل مع الواقع ومع ما يقع فيه من متغيرات، إن ما قلناه يحلينا بطريقة ما على أن التحفير في نفس الدائرة لا يعنى التحفير بنفس الأدوات الأولى فالإنتهاء إلى نتائج جديدة قد يفترض السير في نفس المسار لكن لا يوجب التمسك بنفس التقنيات والوسائل والأدوات، فتغيير المنطلقات والأرضيات في كل مرة قد يتيح للمبدع الوصول إلى نتائج مختلف، أما أن نكتشف بأننا في ذات المكان رغم تقدم الزمن فإن عيبا فينا من الضروري الإقرار به وإلا فإننا سنسقط في محاولة بائسة وفاشلة هدفها مراوغة الجمهور ومخادعته فقد تنجح في ذلك برهة ولكن لن يستمر ذلك دائما.
بهذا المعني يمكننا القول إن عرض "الشمع" لا يطرح في عمقه أي بحث جمالي أو تقني جديد يكسر مع القديم و لا يتيح لقارئه إنفتاحات وانزياحات تمكن من إنفتاح المعنى وإنفجاره على أفاق غير معلومة في المعنى وفي الأفكار وإنما هو مجموعة من الأدوات والأساليب والتقنيات الجمالية الجاهزة مسبقا غرضها صنع المبهر في الفرجة، فالإبهار في المسرح لا يعنى اشتغالا على الصورة في المسرح بما هي إبداع وابتكار لشبكات علاماتية مفادها تحفيز حس المتفرج ووعيه والارتقاء بذوقه وإلا فان هذه التقنيات تتحول إلى عبئ وعنف واستغفال للجمهور وتزييف لوعييه وحسه .
يطرح علينا الإبهار بما هو الشكل الخارجي للعرض سؤالا مهما: هل مهمة المسرح هي إبهار الجمهور؟ وإن كان إبهارا بماذا نبهر هذا الجمهور؟ ينبهر الجمهور بممثل قدم أداءً مفعما بالطاقة الخلاقة المنجزة للشخصية والحاملة لخطاب العرض، فالجمهور في المسرح ليس الجمهور في السيرك وليس الجمهور في قاعات الرياضة أو غيرها من الفضاءات ففي المسرح الجمهور يوضع أمام الأثر مفتوحا على القراءات التي تتجه نحو الذات والمجتمع تحاول تفسيره وتقريب معادلاته، إنها إبحار نحو معلوم من خلال مجهول وإبحار من خلال غموض نحو مكشوف وهي قيمة المسرح التي تحاول ترسانة التوحش الإعلامي أن تلغيه.
مسرحية "الشمع" هي نموذج وترجمة "للمسرح الغني" بالعيوب والفقير من روح العضوية، عضوية الجسد الاجتماعي والثقافي، فالعرض يضع نفسه أمام إشكال أساسي مثل عقبة رئيسية في بنيته وتركيبته وهو عدم قيامه على مشروع جمالي واضح بمعنى أنه غير مؤسس وفقا لمفهوم فكري / فلسفي / علمي تبنى عليه مختلف عناصر العرض الفني (النص، السينوغرافيا، الأداء...) هذا الإشكال أسهم في تعطيل الميكانيزمات الداخلية للعرض وأظهر لنا عدم ترابط وتناسق بين مفرداته، فلا توجد مثلا أي علاقة عضوية بين الموسيقي والحدث الركحي وبين النص السينوغرافيا وبين المؤثرات والمعنى.
الموروث
في المستوي الإخراجي تم العمل في مسرحية "الشمع" على عناصر قديمة من الموروث "البريشتي" من أجل أن يقنعنا بأن العرض ينتمي وينتسب لحقل فكري وإيديولوجي وجمالي معين، وما التنصيص على استعمالها والعمل بها بتلك الطريقة إلا تأكيد على عدم فهم معمق ل "البريشتية" بما هي جمالية تشتغل على مفاهيم وأسس واضحة المعالم فالمسرح الذي أعلنه "بريشت" قيمه خالدة أما تقنياته فهي متجددة وحتى لو عاد "بريشت" اليوم لما أعاد وسائله التي أنجزها في القرن الماضي. فاستعادة "بريشت" بهكذا طريقة إنما يؤكد على فهم لسطوح "البريشتية" وقشورها فتقنيات التغريب متجددة ونابعة من جدة العرض ومن قيمه الجمالية الجديدة وليست تكرارا لتقنيات ولدت في عهود سابقة ولهذا وجب التيقظ حتى لا نقع في الرجعية الفكرية فالمسرح استشرافي وفن يأتي من المستقبل لا من الماضي .
من زاوية أخرى من المهم الإشارة إلى كون العرض الفني وفي لحظة اكتماله يعلن وفقا للمفاهيم التي قام عليها أنه جسد متناسق ومتناغم الأجزاء يستحيل الإضافة إليه أو التخلي عن جزء منه وربما يعد اكتماله كجسد "حي" مقياسا للفنية والإبداعية فيه ومن هذا المنطلق يمكننا القول أن الاستغناء عن أجزاء ومشاهد من مسرحية "الشمع" لا ينقص من العرض شيئا كما أن زيادة أي عنصر للمسرحية لا يفسد لجوهر المقترح شيئا وهو أمر يضعف من قوة الأثر ويهلك جوهره وينزع عنه أية روح إبداعية.
يعد هذا النوع من العروض المسرحية تنفيسا يفرج فيه أصحابه عن بعض الإستشباحات والتوهمات بفعل النبيل والرائع داخل الممارسة السائدة وهو في الحقيقة ليس إلا كشفا لعدم نضج الفكرة الجمالية التي يستوجب بناؤها حذرا شديدا لا استبساطا واستسهالا والفكر عدوه الاستسهال وغياب الجدل .
........
باحث ماجيستير في العلوم الثقافية بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.