تعرف على عقوبة جريمة التسول طبقا للقانون    تراجع سعر الدولار منتصف تعاملات اليوم فى البنوك المصرية    سعر جرام الذهب صباح اليوم في مصر    وزير الصحة: انخفاض معدلات الزيادة السكانية من 5385 إلى 5165 مولودًا يوميًّا    رقم تاريخي جديد.. الزراعة تعلن تجاوز تمويل مشروع "البتلو" 10 مليارات جنيه    الوزير يتابع تنفيذ أعمال القطار الكهربائي السريع ويشهد الانتهاء من «كوبري الخور» العملاق    ارتفاع عدد ضحايا المجاعة في غزة إلى 258 شهيدا بينهم 110 أطفال    أمواج بارتفاع 15 وانزلاقات أرضية ضخمة تضرب ألاسكا (فيديو)    الدوري الفرنسي، مصطفى محمد يقود نانت أمام باريس سان جيرمان الليلة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 17-8-2025 والقنوات الناقلة لها    القبض على المتهمين بسرقة هاتف مسن أمام الصراف الآلي بالإسكندرية    شهيد لقمة العيش .. وفاة شاب أقصري إثر تعرضه لحادث خلال عمله بالقاهرة    إصابة 3 سيدات في حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    انتظام لجان امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بالدقهلية    أروى جودة تعلن عن وفاة ابن شقيقها    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    الصحة تقدم أكثر من 30 مليون خدمة طبية وعلاجية خلال النصف الأول من 2025    مجمع السويس الطبي ينجح في إجراء عملية دقيقة بالقلب    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة لاستقطاب الخبرات الطبية المصرية العالمية    العذراء في عيون الفن.. من الأيقونة القبطية إلى الشاشة واللحن    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض الحرارة والعظمى تسجل 31 درجة    تحويلات مرورية بشارع 26 يوليو بالجيزة بسبب أعمال المونوريل    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    الأردن يدين تجميد إسرائيل حسابات بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    فرح يتحوّل إلى جنازة.. مصرع 4 شباب وإصابة آخرين خلال زفة عروسين بالأقصر    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيًا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رباعيات الخيام .. نفحات رامي لعشاق الخيام
نشر في صوت البلد يوم 04 - 07 - 2017

"رباعيات الخيام" عمل شعري فذ تجتمع فيه روح الشاعرية بروح الحكمة وروح الانفلات، كما تجتمع فيه حياة العاصي بحياة التائب، وروح الالتزام بروح التحرز، لكن الشاعر في النهاية يميل إلى ما يجب الميل إليه وهو جادة الطريق وحسن الظن بالله وتعنيف النفس أمام شهواتها، ولا غرو رحمة الله العظيمة التي وسعت كل شيء هي الملاذ الأخير الذي يلجأ إليه المؤمن والعاصي معًا.
وعلى هذا كانت خاتمة حياة عمر الخيام بكل تناقضاتها، فقد حكى أن عمر الخيام كان يتأمل "الإلهيات" من كتاب الشفاء لابن سينا، فلما وصل إلى فصل الواحد والكثير وضع الكتاب، وقام فصلى ثم أوصى ولم يأكل ولم يشرب، فلما فرغ من صلاة العشاء سجد لله وقال في سجوده: "اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني فاغفر لي فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك"، ثم أسلم نفسه الأخير.
إن القيمة الفنية لرباعيات الخيام كبيرة ترتكن إلى الرؤية الشمولية للفعل الإنساني، والحفر في الطبقات العميقة من الذات الإنسانية خاصة المتدينة، والقدرة التعبيرية النافذة المؤثرة، لتصبح أمام نص شعري لا وعظي له قيمته الرفيعة في تاريخ الإبداع الإنساني.
في مقدمة هذا الكتاب نرى العصر الذي عاش فيه عمر الخيام، قال النظام السمرقندي في كتابه "جهار مقاله" الذي كتبه حوالي سنة 550 ه، وهو أقدم مصدر لتاريخ الخيام: هبط عمر الخيام سنة 506 ه مدينة بلخ، ونزل في قصر الأمير أبي سعد، وكنت في خدمة الأمير فسمعت حجة الحق عمر يقول: "سيكون قبري في موضع تنتشر الازدهار عليه كل ربيع"، وظننته يقول مستحيلًا، ولكني كنت أعلم أنه لا يلقي القول جزافًا، ثم هبطت نيسابور سنة 530 ه، فقيل لي: إن ذلك الرجل العظيم مات، فرأيت من واجبي أن أزور قبره، وهناك رأيت على يسار الزائر في سفح سور حديقة موضع دفنه، ورأيت أشجار الكمثرى والمشمش، وقد تدلت أغصانها من داخل الحديقة ونثرت على قبره النسور، فعدت بالذكرى إلى تلك القصة التي سمعتها منه في بلخ وغشيني الحزن، ولكني تأسيت وفهمت أن الله تعالى أسكنه فسيح جناته.
وجاء في "جامعة التواريخ" لرشيد الدين فضل الله المتوفى سنة 718 ه، وذكر في كتاب "تاريخ كزبده" لحمد الله قزويني، وقد ألفه سنة 730 ه، ووردت "تذكرة الشعراء" لدولت شاه بن علاء، وقد ألفه سنة 892 ه ما يأتي: "أما الحكيم عمر الخيام فمن ينسابور، وكان رجلًا فاضلًا تضلع في علمي النجوم والحكمة، وقضى حياته في الاشتغال بهما، وكان عزيزًا إلى نفوس السلاطين مكرمًا لديهم، كان نظام الملك الطوس وعمر الخيام وحسن الصباح يحصلون العلم في نيسابور، وكانوا زملاء في الدراسة على الأمام الموافق، فتعاهدوا أن يرعى من يواتيه الخط مكانًا ساميًا أخويه الآخرين."
وخلاصة ما سبق ذكره، في عصر السلاجقة نشأ الخيام، عاش في نيسابور وسافر منها إلى أكثر بلدان العالم المتحدين في ذلك العهد، حج البيت في مكة وأقام في مرو، وبلغ بلخ ونجارى، وهبط بغداد ونزل أصفهان، ولكن عمر الخيام، بالرغم من تلك الأسفار، ففي معظم حياته في نيسابور مسقط رأسه ومراح شبابه وكانت نيسابور في ذلك العهد عاصمة خراسان غنية بالخيرات، خصبة التربة، كثيرة الماء، وافرة المحصول سهولها ناضرة، تكتشفها جبال عالية، وكان فيها ست جامعات، وكان فيها مرصد بناه الوزير نظام الملك.
عاش عمر في تلك المدينة طالبًا وعالمًا يزيد قدره على مر الأيام ويذيع صيته، عاش محبًا للحياة ومناعم الحياة يتقلب في أوساط العلماء وتأنس إلى عشرته العظماء، وكان قد درس العلوم الإلهية والفلسفة والمنطق والطبيعة شأن إخوته في الجامعات الإسلامية في ذلك العهد، ولكنه لم يقنع بذلك، فدرس الطب ومهر فيه حتى دعاه السلطان ملك شاه من مرض ولي العهد سنجر، وتوفر على درس الرياضيات وأخصها الجبر، وطبق علوم الرياضة في الفلك، فدعاه ملك شاه مع جمع من العلوم إلى إصلاح التقويم، فأخرجوا التقويم الجلالي الذي يبدأ من يوم النيروز "16 مارس سنة 1079 – 10 رمضان سنة 471ه"، ويظل هذا التقويم عيدًا من أعياد الفرس إلى اليوم، وألف عمر الكثير من الكتب العلمية لكنه لم يعش للآن إلا في رباعياته.
وقد عاش عمر الخيام عيشة الشاعر الحكيم أكثر مانع على الحياة أشد ما علقت نفسه بما نال منها، لذلك نرى في شعره نزعة تشاؤم شائعة، ما أسعد الرجل الذي لا يعرفه أحد، ما أهنأ الإنسان الذي لم يهبط الوجود، لخلقت؟ وكيف لا أستطيع الرحيل حتى أردت؟
وأكثر ما يبكي الشاعر "عمر" على قصر الحياة: الأيام تمر مر السحاب ثم يلقى بنا في طباق الأرض فيستوي النازل والثاوي فيها من سنين، مادامت الحياة بهذه القصر، فعلام الألم ومثوانا التراب ومجلسنا على العشب الذي غذته أوصال الغابرين، وأكوابنا من الطين التي اختلطت فيه رءوس الملوك بأقدام السوقة؟
أحب الخيام شرب الخمر؛ لأنها تسمو بروحه حتى تصبح في نجوة من الجسد، ولم يقصر حبه على أثرها في نفسه وإنما أحب طعمها المر ولونها الصافي وأحب كأسها الشفافة الممتلئ، وكان يجد السعادة في مجلس الشراب بين الصاحب والنديم، وكان يوفق إلى هذه المجالس لما اختص به من حلاوة اللسان وسرعة المخاطر وخفة الروح، وهكذا كان ينسى هموم الحياة أو يتناساها فلا يفكر إلا في أمر يومه، على أنه كان يخشى أن يحرمه الموت نعمة هذه المجالس في حضرة الأوفياء من أصحابه.
هكذا عاش عمر، نظر يمنيه ويساره فإذا دول تقوم ودول تفنى، وإذا النفوس خلت من كريم العواطف والقلوب أقفرت من رفيق الإحساس، وإذا المتقربون إلى الملوك ينالون الخطوة لديهم وهم جهلاء، وإذا ادعياء الزهد والصلاح يجهرون بالتقوى وهم أخبث الناس طوبى.
وتخلص من قناع الحياة الزائل وآثر أن يكون مذهوبًا به في عالم الروح، حتى يتصل بالخالق الذي منه وإليه كل شيء، وظل في أوقات نشوته يرسل رباعياته، يبثها أفكاره ويودعها سخره من عيش الغرور، تقذف به نفسه تارة إلى اليقين فيجأر إلى الله أن يغفر ذنبه ويستر عيبه، وطورًا إلى الشك، فيسأل: لم هبط الدنيا؟ ولماذا الرحيل؟
أما "رباعيات الخيام" فظلت غائبة في بطون الكتب، ضائعة في حنايا المكتبات، حتى وفق الأستاذ "كويل" إلى العثور على أقدم نسخة خطية لها في ذلك العهد في مكتبة بودليان بأكسفورد، فنشر شيئًا عنها وعن حياة عمر الخيام في مجلة "كلكتا" سنة 1858، ثم كتب بعد ذلك إلى صديقه الشاعر "فتزجرالد" وعرض النسخة فدرسها وأخرج أول ترجمة لها سنة 1859، ولم تكن تحوي إلا خمسا وسبعين رباعية.
وفي سنة 1930 اكتشف أول مخطوط مصور لرباعيات الخيام بخط أحد سكان مدينة مشهد سنة 911ه وأول من تنبه إليه الأستاذ "نجيب أشرف"، فاشتراه وأهداه إلى مكتبة بتنا بالهند وأوراق هذه المخطوط خالية من ذكر طريقة انتقاله من فارس إلى الهند، وفيه ست ومائتا رباعية مكتوبة بخط جميل، وبه من الصور البديعة ما يجعله تحفة فارسية نادرة.
وفي ختام الكتاب، يذكر الشاعر الكبير أحمد رامي: ودارت الأيام واكتشفت مخطوطات جديدة لرباعيات الخيام وظهرت كتب جديدة عن عمر الخيام، فزدتُ علمًا بالرجل وزدتُ تعلقًا به وتفهمًا لروحه، ووجدتُ في دار الكتب المصرية من الكتب الفارسية والعربية التي تناولت ذكر ما لم أوفق إلى إيجاده أيام كنت في أوروبا فراجعت، ما ترجمت له من الرباعيات في الطبعة الأولى وزدت شيئًا غير يسير بما وقع لي منها وكان جديدًا علي، ثم وضعت مقدمة أغرز مادة وأكثر إيضاحًا.
ثم دارت الأيام وما زالت هذه الرباعيات ترنيم روحي أرددها خاليًا بالميل أو سامرًا بالنهار، فهفت نفسي إلى إخراج طبعة جديدة أبعث فيها نفحات الخيام إلى عشاق تلك الروح السارية عبر السنين.
يذكر أن "رباعيات الخيام" ترجمة الشاعر الكبير أحمد رامي صدرت في طبعة جديدة أنيقة عن وكالة الصحافة العربية ( ناشرون ) بالقاهرة في 70 صفحة من القطع الكبير.
"رباعيات الخيام" عمل شعري فذ تجتمع فيه روح الشاعرية بروح الحكمة وروح الانفلات، كما تجتمع فيه حياة العاصي بحياة التائب، وروح الالتزام بروح التحرز، لكن الشاعر في النهاية يميل إلى ما يجب الميل إليه وهو جادة الطريق وحسن الظن بالله وتعنيف النفس أمام شهواتها، ولا غرو رحمة الله العظيمة التي وسعت كل شيء هي الملاذ الأخير الذي يلجأ إليه المؤمن والعاصي معًا.
وعلى هذا كانت خاتمة حياة عمر الخيام بكل تناقضاتها، فقد حكى أن عمر الخيام كان يتأمل "الإلهيات" من كتاب الشفاء لابن سينا، فلما وصل إلى فصل الواحد والكثير وضع الكتاب، وقام فصلى ثم أوصى ولم يأكل ولم يشرب، فلما فرغ من صلاة العشاء سجد لله وقال في سجوده: "اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني فاغفر لي فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك"، ثم أسلم نفسه الأخير.
إن القيمة الفنية لرباعيات الخيام كبيرة ترتكن إلى الرؤية الشمولية للفعل الإنساني، والحفر في الطبقات العميقة من الذات الإنسانية خاصة المتدينة، والقدرة التعبيرية النافذة المؤثرة، لتصبح أمام نص شعري لا وعظي له قيمته الرفيعة في تاريخ الإبداع الإنساني.
في مقدمة هذا الكتاب نرى العصر الذي عاش فيه عمر الخيام، قال النظام السمرقندي في كتابه "جهار مقاله" الذي كتبه حوالي سنة 550 ه، وهو أقدم مصدر لتاريخ الخيام: هبط عمر الخيام سنة 506 ه مدينة بلخ، ونزل في قصر الأمير أبي سعد، وكنت في خدمة الأمير فسمعت حجة الحق عمر يقول: "سيكون قبري في موضع تنتشر الازدهار عليه كل ربيع"، وظننته يقول مستحيلًا، ولكني كنت أعلم أنه لا يلقي القول جزافًا، ثم هبطت نيسابور سنة 530 ه، فقيل لي: إن ذلك الرجل العظيم مات، فرأيت من واجبي أن أزور قبره، وهناك رأيت على يسار الزائر في سفح سور حديقة موضع دفنه، ورأيت أشجار الكمثرى والمشمش، وقد تدلت أغصانها من داخل الحديقة ونثرت على قبره النسور، فعدت بالذكرى إلى تلك القصة التي سمعتها منه في بلخ وغشيني الحزن، ولكني تأسيت وفهمت أن الله تعالى أسكنه فسيح جناته.
وجاء في "جامعة التواريخ" لرشيد الدين فضل الله المتوفى سنة 718 ه، وذكر في كتاب "تاريخ كزبده" لحمد الله قزويني، وقد ألفه سنة 730 ه، ووردت "تذكرة الشعراء" لدولت شاه بن علاء، وقد ألفه سنة 892 ه ما يأتي: "أما الحكيم عمر الخيام فمن ينسابور، وكان رجلًا فاضلًا تضلع في علمي النجوم والحكمة، وقضى حياته في الاشتغال بهما، وكان عزيزًا إلى نفوس السلاطين مكرمًا لديهم، كان نظام الملك الطوس وعمر الخيام وحسن الصباح يحصلون العلم في نيسابور، وكانوا زملاء في الدراسة على الأمام الموافق، فتعاهدوا أن يرعى من يواتيه الخط مكانًا ساميًا أخويه الآخرين."
وخلاصة ما سبق ذكره، في عصر السلاجقة نشأ الخيام، عاش في نيسابور وسافر منها إلى أكثر بلدان العالم المتحدين في ذلك العهد، حج البيت في مكة وأقام في مرو، وبلغ بلخ ونجارى، وهبط بغداد ونزل أصفهان، ولكن عمر الخيام، بالرغم من تلك الأسفار، ففي معظم حياته في نيسابور مسقط رأسه ومراح شبابه وكانت نيسابور في ذلك العهد عاصمة خراسان غنية بالخيرات، خصبة التربة، كثيرة الماء، وافرة المحصول سهولها ناضرة، تكتشفها جبال عالية، وكان فيها ست جامعات، وكان فيها مرصد بناه الوزير نظام الملك.
عاش عمر في تلك المدينة طالبًا وعالمًا يزيد قدره على مر الأيام ويذيع صيته، عاش محبًا للحياة ومناعم الحياة يتقلب في أوساط العلماء وتأنس إلى عشرته العظماء، وكان قد درس العلوم الإلهية والفلسفة والمنطق والطبيعة شأن إخوته في الجامعات الإسلامية في ذلك العهد، ولكنه لم يقنع بذلك، فدرس الطب ومهر فيه حتى دعاه السلطان ملك شاه من مرض ولي العهد سنجر، وتوفر على درس الرياضيات وأخصها الجبر، وطبق علوم الرياضة في الفلك، فدعاه ملك شاه مع جمع من العلوم إلى إصلاح التقويم، فأخرجوا التقويم الجلالي الذي يبدأ من يوم النيروز "16 مارس سنة 1079 – 10 رمضان سنة 471ه"، ويظل هذا التقويم عيدًا من أعياد الفرس إلى اليوم، وألف عمر الكثير من الكتب العلمية لكنه لم يعش للآن إلا في رباعياته.
وقد عاش عمر الخيام عيشة الشاعر الحكيم أكثر مانع على الحياة أشد ما علقت نفسه بما نال منها، لذلك نرى في شعره نزعة تشاؤم شائعة، ما أسعد الرجل الذي لا يعرفه أحد، ما أهنأ الإنسان الذي لم يهبط الوجود، لخلقت؟ وكيف لا أستطيع الرحيل حتى أردت؟
وأكثر ما يبكي الشاعر "عمر" على قصر الحياة: الأيام تمر مر السحاب ثم يلقى بنا في طباق الأرض فيستوي النازل والثاوي فيها من سنين، مادامت الحياة بهذه القصر، فعلام الألم ومثوانا التراب ومجلسنا على العشب الذي غذته أوصال الغابرين، وأكوابنا من الطين التي اختلطت فيه رءوس الملوك بأقدام السوقة؟
أحب الخيام شرب الخمر؛ لأنها تسمو بروحه حتى تصبح في نجوة من الجسد، ولم يقصر حبه على أثرها في نفسه وإنما أحب طعمها المر ولونها الصافي وأحب كأسها الشفافة الممتلئ، وكان يجد السعادة في مجلس الشراب بين الصاحب والنديم، وكان يوفق إلى هذه المجالس لما اختص به من حلاوة اللسان وسرعة المخاطر وخفة الروح، وهكذا كان ينسى هموم الحياة أو يتناساها فلا يفكر إلا في أمر يومه، على أنه كان يخشى أن يحرمه الموت نعمة هذه المجالس في حضرة الأوفياء من أصحابه.
هكذا عاش عمر، نظر يمنيه ويساره فإذا دول تقوم ودول تفنى، وإذا النفوس خلت من كريم العواطف والقلوب أقفرت من رفيق الإحساس، وإذا المتقربون إلى الملوك ينالون الخطوة لديهم وهم جهلاء، وإذا ادعياء الزهد والصلاح يجهرون بالتقوى وهم أخبث الناس طوبى.
وتخلص من قناع الحياة الزائل وآثر أن يكون مذهوبًا به في عالم الروح، حتى يتصل بالخالق الذي منه وإليه كل شيء، وظل في أوقات نشوته يرسل رباعياته، يبثها أفكاره ويودعها سخره من عيش الغرور، تقذف به نفسه تارة إلى اليقين فيجأر إلى الله أن يغفر ذنبه ويستر عيبه، وطورًا إلى الشك، فيسأل: لم هبط الدنيا؟ ولماذا الرحيل؟
أما "رباعيات الخيام" فظلت غائبة في بطون الكتب، ضائعة في حنايا المكتبات، حتى وفق الأستاذ "كويل" إلى العثور على أقدم نسخة خطية لها في ذلك العهد في مكتبة بودليان بأكسفورد، فنشر شيئًا عنها وعن حياة عمر الخيام في مجلة "كلكتا" سنة 1858، ثم كتب بعد ذلك إلى صديقه الشاعر "فتزجرالد" وعرض النسخة فدرسها وأخرج أول ترجمة لها سنة 1859، ولم تكن تحوي إلا خمسا وسبعين رباعية.
وفي سنة 1930 اكتشف أول مخطوط مصور لرباعيات الخيام بخط أحد سكان مدينة مشهد سنة 911ه وأول من تنبه إليه الأستاذ "نجيب أشرف"، فاشتراه وأهداه إلى مكتبة بتنا بالهند وأوراق هذه المخطوط خالية من ذكر طريقة انتقاله من فارس إلى الهند، وفيه ست ومائتا رباعية مكتوبة بخط جميل، وبه من الصور البديعة ما يجعله تحفة فارسية نادرة.
وفي ختام الكتاب، يذكر الشاعر الكبير أحمد رامي: ودارت الأيام واكتشفت مخطوطات جديدة لرباعيات الخيام وظهرت كتب جديدة عن عمر الخيام، فزدتُ علمًا بالرجل وزدتُ تعلقًا به وتفهمًا لروحه، ووجدتُ في دار الكتب المصرية من الكتب الفارسية والعربية التي تناولت ذكر ما لم أوفق إلى إيجاده أيام كنت في أوروبا فراجعت، ما ترجمت له من الرباعيات في الطبعة الأولى وزدت شيئًا غير يسير بما وقع لي منها وكان جديدًا علي، ثم وضعت مقدمة أغرز مادة وأكثر إيضاحًا.
ثم دارت الأيام وما زالت هذه الرباعيات ترنيم روحي أرددها خاليًا بالميل أو سامرًا بالنهار، فهفت نفسي إلى إخراج طبعة جديدة أبعث فيها نفحات الخيام إلى عشاق تلك الروح السارية عبر السنين.
يذكر أن "رباعيات الخيام" ترجمة الشاعر الكبير أحمد رامي صدرت في طبعة جديدة أنيقة عن وكالة الصحافة العربية ( ناشرون ) بالقاهرة في 70 صفحة من القطع الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.