محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    ارتفاع أسعار الذهب 20 جنيها مع بداية تعاملات اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    سعر الفراخ البيضاء بعد آخر زيادة.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 18-8-2025 للمستهلك صباحًا    موعد انتهاء الأوكازيون الصيفي 2025 في مصر.. آخر فرصة للتخفيضات قبل عودة الأسعار    رئيس وزراء فلسطين ووزير الخارجية بدر عبد العاطي يصلان معبر رفح.. بث مباشر    "بالورقة والقلم "... الفلسطينيون يعلمون أن مصر تقف بقوة مع قضيتهم ومظاهرة الإخوان أمام السفارة المصرية في تل أبيب فضيحة للتنظيم    4 شهداء بينهم طفلة بقصف إسرائيلى على غزة والنصيرات    إعلام عبري: تقديرات الجيش أن احتلال مدينة غزة سوف يستغرق 4 أشهر    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    مؤتمر بنزيمة: المواجهة بين اتحاد جدة والنصر وليست أنا ضد رونالدو    بعد تعافيه من الجراحة .. إمام عاشور يشارك فى تدريبات الأهلي اليوم فى التتش دون "التحامات قوية"    إيقاف محمد هاني الأبرز .. رابطة الأندية تعلن عقوبات الأسبوع الثانى بالدورى اليوم.    هل ستسقط أمطار في الصيف؟ بيان حالة الطقس اليوم الاثنين على أنحاء البلاد ودرجات الحرارة    رسميًا.. اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الدور الثاني في المنوفية    وصول المتهم بالتعدى على الطفل ياسين لمحكمة جنايات دمنهور لاستئناف محاكمته    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثانى بنسبة نجاح 87.75%    إصابة 14 شخصا فى تصادم سيارتى ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    تعرف على مواعيد حفلات مهرجان القلعة للموسيقى والغناء وأسعار التذاكر    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    مؤشر نيكاي الياباني يسجل مستوى قياسي جديد    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    رابط نتيجة وظائف البريد المصري لعام 2025    إخماد حريق داخل منزل فى البدرشين دون إصابات    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    انطلاق الموسم الخامس من مسابقة «مئذنة الأزهر للشعر العربي» وتخصيصه لدعم القضية الفلسطينية    نشأت الديهي: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان فى هولندا    نشأت الديهى: أنس حبيب طلب اللجوء لهولندا ب"الشذوذ الجنسي" وإلإخوان رخصوا قضية غزة    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    مجرد أساطير بلا أساس علمي.. متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم (فيديو)    طب قصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات شاملة    نصائح لحمايتك من ارتفاع درجات الحرارة داخل السيارة    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    أرتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" ما لم تقله النساء" رواية عن وطن وشهادة على عصر
نشر في صوت البلد يوم 19 - 06 - 2017

خلال أمسية رمضانية شهدها المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة ونظمتها لجنة القصة انفتح العقل النقدي باستنارية عالية على حكي اتسم بجسارته في اختراقه للتابوهات الثلاث الشهيرة، الجنس، الدين، السياسة، مجسدا في رواية ما لم تقله النساء للكاتب محمد القصبي.
الأمسية شارك فيها الناقدان د شريف الجيار، وشوقي عبدالحميد والقاصة منى ماهر، ود أشرف توفيق أستاذ السيناريو بمعهد السينما، والشاعر عادل سلامة، والكاتب الصحفي عاصم القرش. والإعلاميان محمود رمزي وجانيت توفيق، وأدار الندوة الناقد ربيع مفتاح.
في البدء أشار د. شريف الجيار، إلى أن رواية "ما لم تقله النساء" من الروايات التى اخترقت خصوصية القرية المصرية وتتناول قضية المرأة فى المجتمع الذكورى، وأيضا محاولة الاستقلال عن سلطة الرجل، فضلا عن ذلك ناقشت الرواية تفشى السياسة الدينية داخل الريف المصرى، وكيفية الوقوف ضد هذا التوجه الظلامى لدى المجتمعات المنغلقة، وقال: يحسب للقصبى اعتماده على تقنية الكتابة البلفونية.
• المؤلف المراوغ
وقال شوقي عبدالحميد إن القصبي لعب في روايته "ما لم تقله النساء" على وتر الهروب والمراوغة، حتي يتمكن من ترك المساحة كافية لبطلته "زينب رضوان الحناوي" الحرية في البوح بما يود القصبي البوح به، سواء على المستوى الشخصي، في التعامل مع د زينب كإنسانة، أو المستوى الجمعي، كشخصية مثقفة مستنيرة، ما يعطيها المصداقية في حديث عالي المستوى، وما يضفي الكثير من الثقافة المعلوماتية عبر أحداث الرواية، خاصة إذا ما كان الطرف الآخر في الحوار هو أستاذها وحبيبها أستاذا جامعيا أيضا.
وحيث نجح القصبي بالفعل في تضفير تلك الثقافة المعلوماتية، دون أن يشعر القارئ بأن المعلومة دخيلة على السياق، أو أنها أدت إلى قلقلة النسق الذي تسير عليه الشخصيات. اللهم إلا ذلك الجزء الأخير من الرواية، حين بدأت الحديث عن تولي المرأة مهام إدارة الحكم المحلي. حيث نلحظ تجنب الساردة د. زينب الإنسانة، وسيطرت د زينب الأستاذة على الحوار. فبدأ النسق مختلف، وهو الأمر الذي كان على القصبي هنا أن يتخلي عن تقنية ترك العمل كدفقة واحدة، دون عناوين جانبية، حيث اختلف في هذا المقطع النسيج، والمضمون، والصياغة.
وقد ساعد الكاتب في هذا النجاح، قدرته علي تأكيد الإيهام، بحقيقة الشخصيات المقدمة، بتحديد الأسماء الكاملة ومكان العمل، وبلد السكن وما إلى ذلك، الأمر الذي معه نشعر بأن هذه الشخصيات حقيقية وموجودة على أرض الواقع.
وأيضا قوة الصراع الداخلي لهذه الشخصيات، وخاصة شخصية الدكتورة زينب، وصراعاتها بين الواقع بماديته وضغوطه الاجتماعية، والمثال في السعي للتخلص من تلك القيود التي يفرضها الواقع، متحركة بدوافع الحاجة الإنسانية الملحة والجوهرية في حياة الكائنات عموما، وهو الجنس، الذي نجح القصبي أيضا في تحويله إلى مادة ثقافية تنويرية، مبتعدا عن إسلوب الإثارة أو الجنس المادي الصرف.
• تدخلات الكاتب
ونوهت القاصة منى ماهر إلى أن الكاتب استشهد بعبارة بلزاك ان ايروس إله الجنس كان الأجدر بأن يكون الماسك بقيثارة الشعر وليس أبوللو ...! ومن هنا كان الجنس محرك العمل.
اختار الكاتب بطلته بعناية فائقة، فهى شخصية مثقفة لكن الآخرين حولها لا يعرفون عنها سوى لقب دكتورة فقط لا غير، بطلة خرجت من سجن الأب لسجن الزوج، وبقيت أسيرة لبعض القيود، ورغم محاولات التحرر، ارتدت النقاب عندما قرر الزوج الزواج بأخرى، هذا القناع الذى تكرهه، لتختفى خلفه حتى ترى غريمتها عن قرب، فرغم عدم حبها لزوجها، لكنها كامراة كانت ترفض ان يتزوج سواها.
الزوج لم يخاطب روح البطلة الدكتورة زينب الحناوي، تركها تبحث عن الحب الذي يغذي روحها ولا تجده، ولذلك وصفته قائلة: قبلت به لأنه درع يحمى الأنوثة الواهنة داخلي. الأنوثة التي اعتبرها الجميع من حولها، نقطة ضعف خطيرة في المرأة.
حاولت البطلة أن تتحرر، وتحررها كان يأتي عبر حديثها عن الجنس، لأن الجنس كان عندها سموا ورفعة، ولذلك وصفته قائلة: روحان يتوحدان في فراش من أثير في مخدع فوق السحاب.
الدكتورة زينب كانت ترى أن علاقة الحب لا يجب ابدا ان يحكمها الرغبة في السرقة والتلصص، بل كانت تتمنى زوجا يراها بعين المحب الرومانسىي، لذلك وصفت زوجها قائلة: في ليلة الدخلة رسمت لوجهه ملامح أخرى أمضيت عمري أتوق اليها غير ملامحه. ووصفت نفسها قائلة: الأنثى في صحارى الحرمان لا تكف عن التوحش.
تنتهى الرواية بمقتل البطلة التي كانت تنشد تحرر روحها على يد مجهول، لتترك القاريء في تساؤل، هل كل من ينشد التغيير سيختفي من الحياة دون أن يحقق شيئا؟
وتنهي منى ماهر مداخلتها قائلة: رواية جميلة لكنني شعرت ان الكاتب تدخل في بعض الأحداث بحس صحفي بارع، فكان يقطع السرد ليبدي وجهة نظره، كما أن الجزء الأخير الذي كان يصف مرض البطلة، لم يضف لفكرة النص أي جديد بل أنه كان عبئا على الرواية.
وهذا ما قاله أيضا د. أشرف توفيق حيث يرى أن الإسهاب في الحديث عن متاعب القولون عند البطلة ومعاناتها في دورات المياه تدنى بالمستوى الجمالي للرواية.
وقد علق المؤلف بأن البطلة في حكيها تقدم في سخرية وجها من المفارقات التي تحيد بالإنسان، فإن كان يرنو إلى الرقي وإلى إضفاء لمسة ملائكية على وجوده إلى حد قول البطلة إنه إن كان مستعصيا على المرء أن يكون ملاكا، فليحلم بان يكون الحلقة المفقودة ما بين الإنسان والملائكة، لكن هذا الحلم بصورة ملائكية للإنسان يصطدم بواقع آدمي مزعج، معاناته في دورات المياه.
• القصبي وعبدالحكيم قاسم
ونوه الناقد عادل سلامة إلى أنه لم يجد نفسه في عمق القرية المصرية بروائحها وحواريها وأفران خبيزها منذ قراءته لرواية "أيام الإنسان السبعة" لعبدالحكيم قاسم إلا في رواية "ما لم تقله النساء" لمحمد القصبي.
وقال: بعد قراءة هذه الرواية ستكتشف أن الأمر لا يتعلق فقط بالحقوق الضائعة والكيان المهدر للمرأة المصرية مهما علت مكانتها الاجتماعية و الثقافية، ولكنه يتعلق بوطن بأكمله تم إهدار مكتسباته وأعاقة تطوره.
لقد طحنت أحجار الرحى الخشنة بطلة الرواية الدكتورة زينب الحناوي كما طحنت الوطن، وتمثل هذا في انقلاب الأدوار بين القرية والمدينة حيث كفت القرية عن إمداد المدينة بخير عناصرها الموهوبة التي تقود الوطن، وبدأت تستقبل من المدينة أسوأ ما فيها، كما تمثل أحد أحجار الرحى في هجمة تيارات الاسلام السياسي الغليظة بجناحيها الاخواني والسلفي وعلاقتهما بالأمن السياسي زمن مبارك، وهو ما أعاق مسيرة البطلة ومسيرة الوطن، وكان حجر الرحى الثالث هو هذا الفهم الشائه الملتبس المسكون بالأوهام للبعد الجنسي في حياتنا وثقافتنا.
"ما لم تقله النساء" هي رواية عن وطن، وهى رواية عن امرأة، وهي شهادة على عصر.
وتعقيبا على المداخلات قال المؤلف إن الشائع الآن في المشهد الثقافي المصري أن الكاتب تنقطع علاقته بعمله عقب صدوره، ليقول القاريء والناقد بعد ذلك كلمتهما، أي أنه لا يحق للكاتب أن يدخل في مساجلات مع منتقدي العمل.
واستطرد القصبي أن ثمة أمثلة في الأدب العالمي تشير إلى غير ذلك فحين انتقد بعض النقاد رواية "امرأة من روما" وقالوا إن بطلتها الغانية تتحدث بلغة لا تتناسب مع بيئتها الاجتماعية. لم يصمت مؤلفها ألبرتو مورافيا وقال: أنا الذي أنطقتها. ومثله اشتبك الكاتب المسرحي البريطاني الراحل هارولد بنتر مع منتقديه، والعقاد لم يكن يصمت إزاء منتقدي أعماله.
وقال القصبي إن البعض تساءل: كيف تتزوج أستاذة أدب انجليزي عرف عنها الاستنارة الفكرية برئيس جماعة سلفية منغلقة؟ إلا أن مشروع هذا الزواج بدأ التخطيط له حين كانت زينب الحناوي طالبة في الثانوية العامة، والزوج المرشح هو ابن خالها هشام الغزولي الطالب في كلية الزراعة، وما كان قد اعتنق الفكر السلفي بعد، والزواج تم لأسباب عائلية، حيث سعت إليه الأم التي رحل عنها زوجها مخلفا وراءه أربع بنات لتحظى الأسرة بحماية ابن الخال القوي.
كما أبدى القصبي حزنه لأن بعض القراء تعامل مع الرواية من منظور جنسي ضيق، ورأى متنها خادشا للحياء، حتى أن منهم من أبدى استغرابه لمناقشة الرواية في رمضان!
وقال إن الأمر في هذه الندوة مغاير تماما، فإذا كانت الرواية تخوض بجرأة في التابوهات الثلاثة الشهيرة، الدين، الجنس، السياسة، ورغم أن الرواية تعرضت لشيء من الجور خلال ندوات سابقة حين تعامل بعض القراء، وأيضا النقاد مع معالجة المؤلف للتابوهات الثلاثة من منظور ضيق يتعلق بالجائز والمحرم، إلا أن المشاركين في ندوة الليلة تعاملوا مع متنها بعقلية استنارية عالية ووجدان شديد الحساسية للجماليات .
يذكر أن رواية "ما لم تقوله النساء"، ترصد الصراع بين التيارين العلماني والسلفي في المجتمع المصري، حيث يخوض الكاتب في الحرب المشتعلة بين التيارين بعيدا عن المساجد وأجهزة الإعلام والمنتديات الثقافية والسياسية ومظاهرات الشوارع، وانتهت أحداث الرواية بمقتل الدكتورة زينب الحناوى أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة المنصورة وصاحبة التوجهات التنويرية، حيث قيدت القضية ضد مجهول، فهل قتلها ابن خالها وزوجها الشيخ السلفي هشام الغزولي رئيس جمعية "أحباء الرسول"، وهى الجمعية التي اتخذ أعضاؤها من مسجد "السنيين" بقرية المعصرة دقهلية ملتقى لهم "هذا المسجد كان ملتقى بعض الشباب الذين ينتمون إلى التيارات الدينية بقرية المعصرة، وبعضهم ألقى القبض عليه مؤخرًا على خلفية تفجير مديرية أمن الدقهلية".
خلال أمسية رمضانية شهدها المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة ونظمتها لجنة القصة انفتح العقل النقدي باستنارية عالية على حكي اتسم بجسارته في اختراقه للتابوهات الثلاث الشهيرة، الجنس، الدين، السياسة، مجسدا في رواية ما لم تقله النساء للكاتب محمد القصبي.
الأمسية شارك فيها الناقدان د شريف الجيار، وشوقي عبدالحميد والقاصة منى ماهر، ود أشرف توفيق أستاذ السيناريو بمعهد السينما، والشاعر عادل سلامة، والكاتب الصحفي عاصم القرش. والإعلاميان محمود رمزي وجانيت توفيق، وأدار الندوة الناقد ربيع مفتاح.
في البدء أشار د. شريف الجيار، إلى أن رواية "ما لم تقله النساء" من الروايات التى اخترقت خصوصية القرية المصرية وتتناول قضية المرأة فى المجتمع الذكورى، وأيضا محاولة الاستقلال عن سلطة الرجل، فضلا عن ذلك ناقشت الرواية تفشى السياسة الدينية داخل الريف المصرى، وكيفية الوقوف ضد هذا التوجه الظلامى لدى المجتمعات المنغلقة، وقال: يحسب للقصبى اعتماده على تقنية الكتابة البلفونية.
• المؤلف المراوغ
وقال شوقي عبدالحميد إن القصبي لعب في روايته "ما لم تقله النساء" على وتر الهروب والمراوغة، حتي يتمكن من ترك المساحة كافية لبطلته "زينب رضوان الحناوي" الحرية في البوح بما يود القصبي البوح به، سواء على المستوى الشخصي، في التعامل مع د زينب كإنسانة، أو المستوى الجمعي، كشخصية مثقفة مستنيرة، ما يعطيها المصداقية في حديث عالي المستوى، وما يضفي الكثير من الثقافة المعلوماتية عبر أحداث الرواية، خاصة إذا ما كان الطرف الآخر في الحوار هو أستاذها وحبيبها أستاذا جامعيا أيضا.
وحيث نجح القصبي بالفعل في تضفير تلك الثقافة المعلوماتية، دون أن يشعر القارئ بأن المعلومة دخيلة على السياق، أو أنها أدت إلى قلقلة النسق الذي تسير عليه الشخصيات. اللهم إلا ذلك الجزء الأخير من الرواية، حين بدأت الحديث عن تولي المرأة مهام إدارة الحكم المحلي. حيث نلحظ تجنب الساردة د. زينب الإنسانة، وسيطرت د زينب الأستاذة على الحوار. فبدأ النسق مختلف، وهو الأمر الذي كان على القصبي هنا أن يتخلي عن تقنية ترك العمل كدفقة واحدة، دون عناوين جانبية، حيث اختلف في هذا المقطع النسيج، والمضمون، والصياغة.
وقد ساعد الكاتب في هذا النجاح، قدرته علي تأكيد الإيهام، بحقيقة الشخصيات المقدمة، بتحديد الأسماء الكاملة ومكان العمل، وبلد السكن وما إلى ذلك، الأمر الذي معه نشعر بأن هذه الشخصيات حقيقية وموجودة على أرض الواقع.
وأيضا قوة الصراع الداخلي لهذه الشخصيات، وخاصة شخصية الدكتورة زينب، وصراعاتها بين الواقع بماديته وضغوطه الاجتماعية، والمثال في السعي للتخلص من تلك القيود التي يفرضها الواقع، متحركة بدوافع الحاجة الإنسانية الملحة والجوهرية في حياة الكائنات عموما، وهو الجنس، الذي نجح القصبي أيضا في تحويله إلى مادة ثقافية تنويرية، مبتعدا عن إسلوب الإثارة أو الجنس المادي الصرف.
• تدخلات الكاتب
ونوهت القاصة منى ماهر إلى أن الكاتب استشهد بعبارة بلزاك ان ايروس إله الجنس كان الأجدر بأن يكون الماسك بقيثارة الشعر وليس أبوللو ...! ومن هنا كان الجنس محرك العمل.
اختار الكاتب بطلته بعناية فائقة، فهى شخصية مثقفة لكن الآخرين حولها لا يعرفون عنها سوى لقب دكتورة فقط لا غير، بطلة خرجت من سجن الأب لسجن الزوج، وبقيت أسيرة لبعض القيود، ورغم محاولات التحرر، ارتدت النقاب عندما قرر الزوج الزواج بأخرى، هذا القناع الذى تكرهه، لتختفى خلفه حتى ترى غريمتها عن قرب، فرغم عدم حبها لزوجها، لكنها كامراة كانت ترفض ان يتزوج سواها.
الزوج لم يخاطب روح البطلة الدكتورة زينب الحناوي، تركها تبحث عن الحب الذي يغذي روحها ولا تجده، ولذلك وصفته قائلة: قبلت به لأنه درع يحمى الأنوثة الواهنة داخلي. الأنوثة التي اعتبرها الجميع من حولها، نقطة ضعف خطيرة في المرأة.
حاولت البطلة أن تتحرر، وتحررها كان يأتي عبر حديثها عن الجنس، لأن الجنس كان عندها سموا ورفعة، ولذلك وصفته قائلة: روحان يتوحدان في فراش من أثير في مخدع فوق السحاب.
الدكتورة زينب كانت ترى أن علاقة الحب لا يجب ابدا ان يحكمها الرغبة في السرقة والتلصص، بل كانت تتمنى زوجا يراها بعين المحب الرومانسىي، لذلك وصفت زوجها قائلة: في ليلة الدخلة رسمت لوجهه ملامح أخرى أمضيت عمري أتوق اليها غير ملامحه. ووصفت نفسها قائلة: الأنثى في صحارى الحرمان لا تكف عن التوحش.
تنتهى الرواية بمقتل البطلة التي كانت تنشد تحرر روحها على يد مجهول، لتترك القاريء في تساؤل، هل كل من ينشد التغيير سيختفي من الحياة دون أن يحقق شيئا؟
وتنهي منى ماهر مداخلتها قائلة: رواية جميلة لكنني شعرت ان الكاتب تدخل في بعض الأحداث بحس صحفي بارع، فكان يقطع السرد ليبدي وجهة نظره، كما أن الجزء الأخير الذي كان يصف مرض البطلة، لم يضف لفكرة النص أي جديد بل أنه كان عبئا على الرواية.
وهذا ما قاله أيضا د. أشرف توفيق حيث يرى أن الإسهاب في الحديث عن متاعب القولون عند البطلة ومعاناتها في دورات المياه تدنى بالمستوى الجمالي للرواية.
وقد علق المؤلف بأن البطلة في حكيها تقدم في سخرية وجها من المفارقات التي تحيد بالإنسان، فإن كان يرنو إلى الرقي وإلى إضفاء لمسة ملائكية على وجوده إلى حد قول البطلة إنه إن كان مستعصيا على المرء أن يكون ملاكا، فليحلم بان يكون الحلقة المفقودة ما بين الإنسان والملائكة، لكن هذا الحلم بصورة ملائكية للإنسان يصطدم بواقع آدمي مزعج، معاناته في دورات المياه.
• القصبي وعبدالحكيم قاسم
ونوه الناقد عادل سلامة إلى أنه لم يجد نفسه في عمق القرية المصرية بروائحها وحواريها وأفران خبيزها منذ قراءته لرواية "أيام الإنسان السبعة" لعبدالحكيم قاسم إلا في رواية "ما لم تقله النساء" لمحمد القصبي.
وقال: بعد قراءة هذه الرواية ستكتشف أن الأمر لا يتعلق فقط بالحقوق الضائعة والكيان المهدر للمرأة المصرية مهما علت مكانتها الاجتماعية و الثقافية، ولكنه يتعلق بوطن بأكمله تم إهدار مكتسباته وأعاقة تطوره.
لقد طحنت أحجار الرحى الخشنة بطلة الرواية الدكتورة زينب الحناوي كما طحنت الوطن، وتمثل هذا في انقلاب الأدوار بين القرية والمدينة حيث كفت القرية عن إمداد المدينة بخير عناصرها الموهوبة التي تقود الوطن، وبدأت تستقبل من المدينة أسوأ ما فيها، كما تمثل أحد أحجار الرحى في هجمة تيارات الاسلام السياسي الغليظة بجناحيها الاخواني والسلفي وعلاقتهما بالأمن السياسي زمن مبارك، وهو ما أعاق مسيرة البطلة ومسيرة الوطن، وكان حجر الرحى الثالث هو هذا الفهم الشائه الملتبس المسكون بالأوهام للبعد الجنسي في حياتنا وثقافتنا.
"ما لم تقله النساء" هي رواية عن وطن، وهى رواية عن امرأة، وهي شهادة على عصر.
وتعقيبا على المداخلات قال المؤلف إن الشائع الآن في المشهد الثقافي المصري أن الكاتب تنقطع علاقته بعمله عقب صدوره، ليقول القاريء والناقد بعد ذلك كلمتهما، أي أنه لا يحق للكاتب أن يدخل في مساجلات مع منتقدي العمل.
واستطرد القصبي أن ثمة أمثلة في الأدب العالمي تشير إلى غير ذلك فحين انتقد بعض النقاد رواية "امرأة من روما" وقالوا إن بطلتها الغانية تتحدث بلغة لا تتناسب مع بيئتها الاجتماعية. لم يصمت مؤلفها ألبرتو مورافيا وقال: أنا الذي أنطقتها. ومثله اشتبك الكاتب المسرحي البريطاني الراحل هارولد بنتر مع منتقديه، والعقاد لم يكن يصمت إزاء منتقدي أعماله.
وقال القصبي إن البعض تساءل: كيف تتزوج أستاذة أدب انجليزي عرف عنها الاستنارة الفكرية برئيس جماعة سلفية منغلقة؟ إلا أن مشروع هذا الزواج بدأ التخطيط له حين كانت زينب الحناوي طالبة في الثانوية العامة، والزوج المرشح هو ابن خالها هشام الغزولي الطالب في كلية الزراعة، وما كان قد اعتنق الفكر السلفي بعد، والزواج تم لأسباب عائلية، حيث سعت إليه الأم التي رحل عنها زوجها مخلفا وراءه أربع بنات لتحظى الأسرة بحماية ابن الخال القوي.
كما أبدى القصبي حزنه لأن بعض القراء تعامل مع الرواية من منظور جنسي ضيق، ورأى متنها خادشا للحياء، حتى أن منهم من أبدى استغرابه لمناقشة الرواية في رمضان!
وقال إن الأمر في هذه الندوة مغاير تماما، فإذا كانت الرواية تخوض بجرأة في التابوهات الثلاثة الشهيرة، الدين، الجنس، السياسة، ورغم أن الرواية تعرضت لشيء من الجور خلال ندوات سابقة حين تعامل بعض القراء، وأيضا النقاد مع معالجة المؤلف للتابوهات الثلاثة من منظور ضيق يتعلق بالجائز والمحرم، إلا أن المشاركين في ندوة الليلة تعاملوا مع متنها بعقلية استنارية عالية ووجدان شديد الحساسية للجماليات .
يذكر أن رواية "ما لم تقوله النساء"، ترصد الصراع بين التيارين العلماني والسلفي في المجتمع المصري، حيث يخوض الكاتب في الحرب المشتعلة بين التيارين بعيدا عن المساجد وأجهزة الإعلام والمنتديات الثقافية والسياسية ومظاهرات الشوارع، وانتهت أحداث الرواية بمقتل الدكتورة زينب الحناوى أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة المنصورة وصاحبة التوجهات التنويرية، حيث قيدت القضية ضد مجهول، فهل قتلها ابن خالها وزوجها الشيخ السلفي هشام الغزولي رئيس جمعية "أحباء الرسول"، وهى الجمعية التي اتخذ أعضاؤها من مسجد "السنيين" بقرية المعصرة دقهلية ملتقى لهم "هذا المسجد كان ملتقى بعض الشباب الذين ينتمون إلى التيارات الدينية بقرية المعصرة، وبعضهم ألقى القبض عليه مؤخرًا على خلفية تفجير مديرية أمن الدقهلية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.